جلست على حجر جنب الوادي يدها اليسرى على جبهتها والأخرى قبضت على عود تنكت به الأرض رياح اليأس تكاد تقتلها والوساوس مرسلة من كل جانب حاولت الصراخ والصياح لكن اللسان معقود والأذان صماء والكلام في هذا المقام كمن يصيح في واد وينفخ في رماد. وان صرخت من يا ترى يسمع صوتها وهي مغلوبة على أمرها فقدمت مرغمة قربانا لإله المادة الذي يعبده من حولها وقف أمامها حديث المصطفى صلى الله عليه وسلم : ''تعس عبد الدينار تعس عبد الدرهم ......'' 1 ليتهم يسمعون أو يعقلون لكنهم كالأنعام بل هم أضل رأسها كاد ينفجر أمطار الحزن كونت عاصفة هوجاء فانبتت أمطارها كرها ومقتا . ألم يقل الباري جل وعلا '' انه لا ييأس من روح الله ألا القوم الكافرون ...'' رفعت اكفها إلى السميع البصير داعية بدعاء نوح عليه السلام '' إني مغلوب فانتصر..... ''2 وبدعاء ذي النون عليه السلام '' لا اله ألا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين... '' 3 أيقظها من شرودها طلب أختها لغرفة ماء من ماء الوادي قالت آه يا أختاه أنا في أمس الحاجة إلى ماء يطهرني من أدران الطين انفجرت أمامها كرة الماضي بعد أن اصطدمت بصخرة الزمن فبدت ملامحه من البداية . كان اليوم شديد الحرارة تتخلله رياح وغبار طلبت مهلة التفكير علها تجد نقطة النهاية أمام علامات الاستفهام دخلت إلى الغرفة التي عاصرت وعصرت طفولتها تلك الطفولة التي ذهبت أدراج الرياح عبارات كانت تسمعها من أمها... الطريق كلها يا ابنتي أشواك وعقبات وعورات أصابعنا تحتاج إلى خاتم ليواري سوءاتها الطريق كلها جوع وعطش وحرمان جوع النفس وعطش الروح ...الحياة بحر خضم لا ساحل إلا الموت ... والفقر كاد أن يكون كفرا . والمرأة في عصرنا سلعة تباع في سوق كثر فيه النخاسون بابخس الأثمان ... اشهارات ... إعلانات ..و...و...و أين الحقوق والشعارات البراقة التي تستهوي الأنفس هضمتها ثعالب بشرية نادت بها يوم أن حاول الثعلب استدراج الديك بندائه ودعوته أن ازهدوا في الطير أن العيش عيش الزاهد ينا . لماذا لا يملك هذا المجتمع ذكاء الديك الذي أجاب المحتال قائلا : مخطئ من ظن يوما أن للثعلب دينا أين كلمات الأم المسكينة علقت الآن خارج معبد المادة النتن ولا يعمل بها في القاموس المعاصر استغنى المجتمع عن تلك الكلمات ولتتركها الأم المسكينة معها حتى حين حملت معها همومها واتجهت نحو باب الدار لقد فقدت كل شيء أحست بغربة الزمان والمكان والإنسان والليل والنهار عقبة تلو الأخرى واقتحامها صعب وقد قيل قديما من يسرق البيضة يسرق الدجاجة ... وقعت الواقعة فلم نشكو الزمان إلى الزمان والعبد المؤمن شكواه إلى مولاه الم يقل سبحانه : ''قال إنما اشكوا بثي وحزني إلى الله ''4 والقهر والعذاب إنما يصنعهما الإنسان أحيانا بنفسه حينما يتجرا على لبس ثوب لم يصنع له . تعالى اخلع نعليك أرجوك أن تسجدي شكرا لله انك في عالم طاهر نقي ووضع الحد لحياة وهبها لنا المنان كبيرة من الكبائر كلمات قالها طيف زارها منذ زمان وقال بعدها بصوت مبحوح تأملي الكون ترين الجمال بديعا وقلبي بصرك في الأفق تكن لك الحياة جميعا لم نضيع السعادة الإيمانية في غدير المادة النتن ليت الطيف يعود أمعنت في التفكير جرس الباب قامت فتحت الباب انه هو كان يرتل قوله تعالى: ''من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مومن فلنحيينه حياة طيبة ...'' 5 أغمضت عيينها حلمت بأمل ينجيها به الباري من العذاب الأليم _______________________________________ 1 البخاري عن أبي هريرة مرفوعا 2 القمر الآية 10 3 الأنبياء الآية 87 4 يوسف الآية 85 = 5 النحل 97