جهاز الأمن أو ما يعرف في مصطلح مجتمعنا ب "البوليس"، كباقي الأجهزة الأخرى داخل الدولة وجد لخدمة المواطنين، و بالتدقيق كما تدل على ذلك هذه التسمية، للسهر على راحة و طمأنينة المواطنين. لكن أبت مشيئة البشر إلا أن يزيغ هذا المفهوم عن دلالته الأصلية ليصبح "فزاعة" داخل مجتمعنا و شماعة يعلق عليها المسؤولون فشلهم في تدبيرهم لأمور قطاعاتهم فيلجئون إلى الاستنجاد بجهاز "البوليس" ليركعوا كل من سولت له نفسه الاحتجاج أو الجهر بالمطالب، فلا تسمع إلا "العصا لمن يعصى" بدل "كلكم مسؤول عن رعيته". هذا النوع من التخويف أو الترهيب بجهاز "البوليس" لا ينحصر فقط على المؤسسات، بل حتى الأشخاص الذاتيين قد يستعيرونه.ذات مساء و أنا أقوم بجولة في شوارع إحدى المدن، شاهدت واقعة فريدة، كانت أم تجر وراءها ابنا لها يبلغ حوالي سبع سنوات من عمره ، لمح الطفل أحد الباعة المتجولين يعرض لعبا للأطفال فهرع إليه و قطف لعبة كانت عبارة عن مسدس مائي،جرت المرأة خلف ابنها فأخذت منه اللعبة قسرا و أرجعتها إلى البائع. الطفل رفض الاستسلام و بقي طموحه معلقا بنيل اللعبة، حينها شدته الأم من شعره و توجهت به نحو شرطي كان بالشارع يحرس الأمن العام و طلبت منه أن يشهر مسدسه في وجه الطفل و أن يأمره بالسكوت، تفاجأ الشرطي لطلب الأم فنظر إليها نظرة استغراب و ابسم ابتسامة ساخرة و انصرف، أما الطفل فقد أغرورقت عيناه و انقطعت أنفاسه فشد يد أمه و التصق بها وهما يتابعان السير. فئة اجتماعية، أكثر من سواها هي أعرف بوقع جهاز "البوليس" على جلودها، إنهم الشباب العاطل؛ فكلما نزلوا إلى الشارع ليهتفوا مسالمين مطالبين بحقهم في الشغل و مترقبين أن يطل عليهم مسؤول يحس بمعاناتهم و يفتح لهم باب مكتبه للمناقشة و الحوار، أو على الأقل صدره فيتفهم احتجاجهم و يعدهم بغد أفضل، نزلت عليهم فيالق من البوليس بمختلف تلويناتها ،فتراها "خبط عشوا من تصب تكسره أو تجرحه ومن تفلت تلاحقه فتعتقله، وهذا مصير كل المحتجين أو المعتصمين الآخرين. قبل أسابيع فقط نظم بعض مطرودي جهاز الأمن وقفة احتجاجية، آملين أن يقنعوا إدارتهم السابقة بالتراجع عن قرارها الذي شرد موظفيها و عائلاتهم فجاءهم الرد سريعا، رد لم يكونوا يتوقعونه "زراويط " إخوانهم "البوليس" تنزل على أجسادهم أمام الملأ و عدسات المصورين، ولسان حالهم يقول : ماذا فعلنا؟ وهل يصدر هذا من أبناء جلدتنا و زينا ؟ الذين بالأمس القريب كنا لهم إخوة ؟ قبل أيام فقط، شهدت إحدى محاكم المملكة حادثة ظريفة : تغيير قاعة جلسات بأخرى دون سابق إعلام، ومناقشة ملفات في غياب المتقاضين و دفاعهم أثار حفيظة محامين من هيأة الدفاع و مؤازريهم و جعلهم يعبرون عن امتعاضهم من هذا التصرف اللامسؤول. ممثل النيابة العامة يأمر بإحضار "البوليس" لقطع حس المحتجين. إذن فمهما تكن إبنا صغيرا، شابا معطلا، رجل أمن أو محاميا....أو ربما طبيبا أو قاضيا حتى، كن من تكن سيجلب عليك احتجاجك،يوما، و إيقاظك للمسؤولين من سباتهم غضبا شديدا و ستكون ،بضغطة زر أو إشارة أصبع، "الزرواطة" نصيبك و بئس المصير. رجل الأمن الذي يجالسنا في المقهى بعد انقضاء عمله، هو إنسان مواطن كباقي البشر، يؤمن بالحقوق و الواجبات، يحس بالمظلومين و يميزهم عن المجرمين ...بل يفرح و يغضب كغيره من مشجعي البارصا و الريال و يجلس مشدودا امام مشاهد الأفلام التركية المد بلجة كباقي المتفرجين، لكنه يبقى دائما مشروع أداة للقمع و فزاعة في أيدي المسؤولين. أبو نزار لكريني.