كثيرة هي المفاهيم التي عرفت تحولا في معناها، وذلك في ظل تسارع المتغيرات التي يعيشها عالم اليوم في مختلف الجوانب الاقتصادية و التكنولوجية و المعرفية، وهذا يجرنا إلي أن مفهوم الفقر أيضا عرف تطورا جذريا مختلفا تماما عما كان عليه من قبل. عرف الفقهاء قديما الفقير بأنه "الشخص الذي لا يملك قوت عامه" و المسكين "الشخص الذي لا يملك لقمة يومه" ، أما اليوم فالمفاهيم تغيرت و الأوضاع تبدلت و أصبح الفقير ليس الجائع فحسب، فنادرا ما نجد مثلا في بلدنا شخصا بدون كسرة خبز، وهذا أيضا لا يعني أن بلدنا بدون فقراء. فقد أصبح الفقر مظهرا من مظاهر الإقصاء و التهميش و مسا بكرامة الإنسان، و من تم فهو عبث و انتهاك لحق جوهري من حقوق الإنسان، منها الحق في العمل و الدخل المناسب و العيش الكريم و الضمان الاجتماعي و الصحة و التعليم... الخ. وهي حقوق اجتماعية و اقتصادية أساسية، وبالتالي فمن دونها يصبح الإنسان فقيرا ومعدما وغير قادر على مسايرة الحياة المعيشية. في واقعنا الحالي، يوم بعد يوم يطلق ملايين الناس صرخة ألم بسبب الظلم ، بسبب العطالة ، بسبب القهر و ضنك العيش مرة بصمت، صمت مهيب يخفي إرادة لاتلين، ومرة أخرى بصوت عالي يدوي في أرجاء العالم و يهز قلوب ملايين البشر عندما تكشف وسائل الإعلام بين الحين و الآخر في قرية منكوبة أو مدنية منهوبة عن قصة مأساوية بطلاتها و أبطالها الكادحون و المظلومون و المسحوقون و موضوعها الظلم الاجتماعي بكل أشكاله في منأى عن أوهام الدعاية الرسمية المعبر عنها باللغة العامية "كولو لعام زين". إن اتساع رقعة الفقر يعود في جانب أساسي إلى تبني سياسات الليبرالية الجديدة، التي هي الخلفية النظرية لخطاب المنظمات الدولية (البنك الدولي و صندوق النقد الدولي و منظمة التجارة العالمية...) ، والتي تحاول تفعيل مخططاتها عن طريق نزع من الدولة دورها في تحقيق العدالة الاجتماعية ، بالإضافة الي الاسباب الداخلية المثمتلة في استشراء الفساد والمحسوبية و انفراد البعض بالثروة بالطرق الغير المشروعة. لكن يجب الاعتراف أيضا أن الاشتراكية المزيفة البعيدة كل البعد عن الاشتراكية الأصيلة التي رفعت شعار العدالة الاجتماعية لتحقيق مكاسب في المجال الاجتماعي، فإنها فشلت و تبخرت الأحلام و الآمال التي بعثتها لدخولها منطق الأولويات و إهمالها للحقوق المدنية و السياسية.