امتلأ المشهد الإعلامي بالعناوين كما امتلأت الشبكة العنكبوتية بالمواقع والبلوكات، وإذا كان هذا ثمرة من ثمار حرية التعبير التي ترفل فيها بلادنا فإن سلوك بعضهم يسيء إلى هذه الحرية، يسيء طريقة استعمالها، وأحيانا يجعل من المهنة الشريفة وسيلة للاسترزاق الدنيء. سلوك بعضهم هذا يحيلنا ، على واقعة قديمة ، زمن هارون الرشيد، ففي مدخل قصر هارون الرشيد كانت هناك حجرة لنوع خاص من الأدباء يجلسون فيها انتظارا لدعوة الخليفة , هؤلاء هم أدباء المديح الذين يبيعون الكلمة بكيس الدنانير, وعلى مر العصور كان مكان تلك الحجرة يتغير, الا أصحابها وروادها من الأدباء فقد ظل سلوكهم هو نفسه، وأساليبهم هي.. هي، يتقربون من الحكام , يمدحونهم , ويقولون ما يرضي غرورهم , ليظفروا ببعض الفتات. و أصبح الحكام من الذكاء بحيث أبعدوا هذه الحجرة عن مقراتهم, كما حاول أدباء الحجرة أن يوهموا القراء بأنهم يكتبون لهم من خارج هذه الحجرة , بوحي من ضمائرهم لا بوحي من كيس الدنانير , في الوقت الذي تزايد فيه وعي الجماهير وأدركت قيمة الأدب الذي يدافع عن مصالحها ويخدم قضاياها . و إذا كان في كل عصر هناك كتبة الحجرة . فالكاتب الحقيقي مطالب أن يسأل نفسه , قبل أن يكتب كلمة واحدة , عن وظيفة هذه الكلمة , و إلا وجد نفسه دون أن يدري واحدا من كتبة الحجرة ... على الكاتب أن يعرف من يخدم بكتاباته, الديمقراطية أم البيروقراطية, الأفراد أم الجماعات, المال أم الضمير.. الكاتب الحقيقي مدعو لأن يحدد موقفه مما يجري حوله , ففيما مضى بنى العباسيون بغداد بقرار من أصحاب التنجيم, وبدأ الفاطميون بناء القاهرة بقرار من أصحاب التنجيم . و التنجيم لا يعني مجرد قراءة الكف .. إنه يعني إلغاء إرادة الإنسان و قدرته على صنع المستقبل, وعندما يفقد الإنسان إرادته وقدراته يستسلم, ويريق ماء وجهه بالمديح الأجوف لأصحاب السلطان. قل أيها الكاتب كلمتك و أعرف إلى أي جانب تقف, وإلا وجدت نفسك – غصبا عنك – ضمن كتبة الحجرة. ان تقول كلمنك لا يعني ان تغصب العاملين حقهم، ولا يعني رفع العقيرة بالمعارضة من اجل المعارضة، الكلمة البناءة يقبلها الخصم قبل الرفيق.. الأستاذ: