التزلف لغة .. تقرب الموظف إلى رؤسائه في العمل، وقلبه الحقائق أمامهم، وتخلّيه عن جزء من كرامته ومبادئه إرضاءً لهم. استخدمه الشعراء قديماً وحديثاً لكي يصلوا إلى الحكام بكلامهم المنمق عسلاً، وكثيراً ما يخلو من الحقيقة عند مدحهم حكامهم، فنجدهم يكرهونهم ومع ذلك يمدحونهم بما أوتوا من فصاحة، نيلاً لرضاهم. وعندما سُئل عُبَّاد الأصنام عن سبب عبادتهم لها، رغم علمهم بأن للكون إلاهاً واحداً، لا ثاني له، أجابوا بقولتهم المشهورة التي ذكرها الله تعالى في قرآنه (وما نعبدهم إلا ليقرّبونا إلى الله زلفى). إلى ذلك كان التزلف في العهد الجاهلي نزعه عقائدية، وأصبح الآن سلوكاً اجتماعياً يمتهنه كثير من الناس، رغم أن الإسلام حرمه. أصبح التزلف منتشراً في مجتمعنا الحاضر وبكثرة، وأصبحت المصالح الشخصية هي الموجه الأول والأخير لسلوكنا وتصرفاتنا، ومن الممكن أن يتخلى الإنسان عن كثير من مبادئه وصولاً إلى بعض أهدافه. ليس المتزلفين قلة، بل هم كثيرون، وهذا ناتج عن أن أكثر المسؤولين في مواقع العمل يسعدون بمثل هؤلاء الذين يمدحونهم بما لم يفعلوا، وينقلون إليهم كل كبيرة وصغيرة عن زملائهم، ويسارع كثير من المسؤولين إلى تنصيبهم أعلى المناصب، شكراً لهم على ما قدموه خدمة للعمل، مقياسهم الوحيد في ذلك القدرة على التزلف والمديح والإشادة بحكمة المسؤول وحنكته في معالجة الأمور، حتى ولو كان هذا المسؤول كالدمية لا يفقه شيئاً، بل غير مؤهل له. وقد تسبب كثير من أمثالهم في تدهور أحوال المؤسسات وخرابها. وبما أن أصحاب الكفاءات المتميزة لا يملكون القدرة ولا الوقت للتزلف، وليس لديهم الاستعداد لقلب الأمور حسب رغبة المسؤول، ولا يتقنون التفنن في النفاق والرياء، ويرفضون حني هاماتهم أمام رؤسائهم، فإنهم يُستبعدون دائماً من المناصب مثل قرنائهم من المتزلفين، وتستبعد معم مصلحة العمل، الذين هم أكثر الناس حرصاً عليها. فالتزلف جرمه كبير على المجتمع، والقائمون عليه من أكثر الناس كذباً ونفاقاً، ومع ذلك يتبوأون أعلى المناصب، على الرغم من أنهم السبب الرئيسي في غياب الوعي، وانحطاط الأخلاق، وظلم البريء، وتبرئة الظالم، لأن التزلف يقوم أساساً على إحقاق الباطل وإبطال الحق، وأخيراً فمن التزلف ما قتل صاحبه، من كثرة كراهية من حوله له! والله من وراء القصد. محمد أحمد عزوز كاتب مصري