عندما ينعدم الضمير و تتدنى الأخلاق و عندما تغيب التوعية تطفو على السطح ظاهرة اضطهاد الأطفال , فقلما ينتبه الناس إلى هذه الظاهرة أو يولونها الاهتمام الذي تستحقه , إذ أن ظاهرة اضطهاد الأطفال أمر عابر و غير متوقع في نظر البعض غير أن البحث العلمي و الاجتماعي قد كشفا عن مشكلة أضخم و أكثر تشعبا هي وليدة الإهمال الذي قولبت به ظاهرة " اضطهاد الأطفال" , فمن الأمور المثيرة للدهشة و الاستغراب أن اضطهاد الأطفال يكون ممن يفترض فيهم حماية الطفل من الاضطهاد و الأذى وهم بطبيعة الحال أفراد أسرته و ذووه بل أحيانا أقرب المقربين إليه الأب و الأم . إنها حقيقة منطقية و قابلة للتصديق و احتمال قائم و لو أن الأمر قد يبدو لأول وهلة عكس ذلك . و هؤلاء الساهرون على تربية الأطفال و رعايتهم إنما يلجأن إلى اضطهاد فلذات أكبادهم قصد تقويم سلوكهم وتهذيب أخلاقهم حتى لا ينحرفوا عملا بالحكمة التي تقول " من آمن العقوبة أساء الأدب " . و إذا كان الإيذاء النفسي و العقاب الجسدي مما تفرضه دواعي التربية و أصول التقويم و الخوف من الانحراف في نظر أولائك المربين فأعتقد اعتقادا راسخا أن الأمر يتعلق بممارسة خاطئة و تطبيق خاطئ ذلك أن مفهوما الخطأ و الصواب و مفهوما الثواب و العقاب هم من الأمور النسبية التي تتفاوت معانيها وتختلف مدلولاتها بحسب الزمان و المكان و الإنسان أيضا. و بالتالي فلكي نقوم سلوك الطفل و نهذبه لابد أولا من اعتماد منهاج معين وأن يكون للتربية هدف معين مرسوم و حتى يتسنى ذلك فالنموذج الذي يراد للطفل أن يكون عليه يحب أن يكون المربي نفسه , ذلك أن الطفل يتأثر بمحيطه و الجو الذي عاش فيه , فكيف يلاحظ أن مربيه يكذب أو يسرق ألا يكذب و يسرق هو أيضا ... نفس الشيء أيضا بالنسبة للذي يتربى في محيط يخلو من سلوكيات كالتي ذكرت فلا يمكن للطفل الذي لم يعرف الكذب أن يكذب و لا للذي لم يعرف السرقة أن يأتيها . يتضح إذن أن الطفل مرآة للمربي وأن سلوكياته هي التي تؤثر في طفله لدى عليه قبل أن يعاقب الطفل مراجعة نفسه , ذلك أن اضطهاد الطفل ينبع أساسا من تخلف عقلية المربي المضطهد و عدم وعيه بدوره . و لأن الذي يتولى التربية في مجتمعنا هم الآباء و الأمهات غالبا ليأتي بعد ذلك دور باقي المؤسسات الأخرى فالنداء : إذا أخطأ طفلك فراجع نفسك ! و للجميع : إذا أخطأ الطفل فراجع محيطه و المحيطين به .