الخدمة العسكرية.. تنظيم حفل بالقاعدة الجوية للدعم العام ببنسليمان بمناسبة استكمال المرحلة الأولى من التكوين العسكري للفوج ال39    الحكمة المغربية بشرى كربوبي ضمن الخمس الأوليات عالميا في 2024    دراجات: أشرف الدغمي يحرز الميدالية البرونزية في مسابقة النقاط ضمن منافسات اليوم الأول من البطولة العربية للمضمار    تأجيل جلسة محاكمة الناصري وبعيوي في قضية "إسكوبار الصحراء" إلى الجمعة المقبل    ما حقيقة اعتزال عامر خان الفن؟    اختتام ناجح للدورة الخامسة لصالون الإلهام الدولي للفن التشكيلي بتارودانت    دوري أبطال افريقيا: تحكيم بوروندي لمباراة الجيش الملكي ومانييما أنيون الكونغولي    الحكومة تحدد الحد الأدنى للأجور في النشاطات الفلاحية وغير الفلاحية    الجمعية المغربية للدفاع عن حقوق الأب والأبناء تسجل ملاحظات حول تعديلات مدونة الأسرة عبر "رسالة 24"    الصين تجهز روبوت لاستكشاف القمر    الوداد البيضاوي يعلن تعيين طلال ناطقا رسميا للفريق    لقاء تواصلي حول وضعية الفنان والحقوق المجاورة بالناظور    غرق قارب مهاجرين قبالة السواحل المغربية.. إنقاذ 11 شخصا وفقدان 70 آخرين    بورصة الدار البيضاء تستهل تداولاتها بأداء إيجابي    تقرير أمريكي: المغاربة أكثر الشعوب تعايشا وتسامحا في العالم    الجولة 16.. قمة بين نهضة بركان والرجاء والجيش يطمح لتقليص الفارق مع المتصدر    غوارديولا يتحدث عن إمكانية عقد صفقات جديدة في يناير    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الجمعة    بايتاس: إعداد مدونة الأسرة الجديدة مبني على التوجيهات الملكية والنقاش مستمر في مشروع قانون الإضراب    نواب كوريا الجنوبية يعزلون رئيس البلاد المؤقت    إسرائيل تعلن استمرار ضرباتها على الحوثيين في اليمن حتى اكتمال المهمة    المصادقة على مقترحات تعيين في مناصب عليا    تراجع أسعار الذهب وسط ترقب المستثمرين للاقتصاد الأمريكي    2024.. عام استثنائي من التبادل الثقافي والشراكات الاستراتيجية بين المغرب وقطر    ارتفاع ليالي المبيت بمؤسسات الإيواء السياحي المصنفة بالرباط ب 4 في المائة عند متم أكتوبر    ملاحقة هوليودية لسيارة تقل الأشخاص بالتطبيقات الذكية تتسبب في اعتقال ثلاثة سائقي طاكسيات    الوزير بركة يستقبل مورو لتسريع مشاريع البنيات التحتية بجهة الشمال    كيوسك الجمعة | المغرب يغطي 96 بالمائة من الطلب على الكهرباء بالإنتاج المحلي    طعن مسؤول أمني تونسي خلال عملية إيقاف مطلوب للعدالة بتهم الإرهاب    التحكيم المغربي يحقق إنجازًا عالميًا.. بشرى الكربوبي بين أفضل 5 حكمات في العالم    دراسة: الذكاء الاصطناعي قد يتفوق على الأطباء في تشخيص الحالات الطبية المعقدة    "ناسا" تعلن أن مركبة فضائية تابعة لها "آمنة" بعد اقترابها من الشمس    استهلاك اللحوم الحمراء وعلاقته بمرض السكري النوع الثاني: حقائق جديدة تكشفها دراسة حديثة    ثلوج وقطرات مطرية في توقعات طقس الجمعة    مجلس الحكومة يصادق على قائمة الرخص الاستثنائية التي يستفيد منها القضاة    70 مفقودا في غرق قارب مهاجرين    الحكومة تحدد شروط منح تعويض لمؤطري التكوين المستمر بوزارة التعليم    علماء: تغير المناخ يزيد الحرارة الخطيرة ب 41 يومًا في 2024    وهبي يقدم عرضا في موضوع تفعيل مقترحات مراجعة مدونة الأسرة    مباحثات مغربية بحرينية لتعزيز التعاون في مجالات التنمية الاجتماعية    "ما لم يُروَ في تغطية الصحفيين لزلزال الحوز".. قصصٌ توثيقية تهتم بالإنسان    إحباط عملية تهريب دولية للمخدرات بميناء طنجة المتوسط وحجز 148 كيلوغراماً من الشيرا    كربوبي خامس أفضل حكمة بالعالم    السرطان يوقف قصة كفاح "هشام"    خلفا لبلغازي.. الحكومة تُعين المهندس "طارق الطالبي" مديرا عاما للطيران المدني    تداولات الإغلاق ببورصة الدار البيضاء    حصاد سنة 2024.. مبادرات ثقافية تعزز إشعاع المغرب على الخارطة العالمية    بيت الشعر ينعى محمد عنيبة الحمري    الثورة السورية والحكم العطائية..    جامعيون يناقشون مضامين كتاب "الحرية النسائية في تاريخ المغرب الراهن"    هل نحن أمام كوفيد 19 جديد ؟ .. مرض غامض يقتل 143 شخصاً في أقل من شهر    دراسة تكشف آلية جديدة لاختزان الذكريات في العقل البشري    برلماني يكشف "تفشي" الإصابة بداء بوحمرون في عمالة الفنيدق منتظرا "إجراءات حكومية مستعجلة"    نسخ معدلة من فطائر "مينس باي" الميلادية تخسر الرهان    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بعيدا عن السطحية… "القضية محزوقة" لخصت أحد أسباب تخلفنا

رب زلة لسان أو لحن في القول أفصح في التعبير، فكثيرة هي الأشياء التي نعتقدها أخطاء لكنها في الحقيقة صواب، وكثير من الأشياء نظنها صواب لكنها في الواقع أخطاء، وسأضرب مثلا على هذا بحادثة فيديو شاب أمازيغي من نواحي إقليم تنغير، بالجنوب الشرقي المغربي، في تصريح صحفي، غلب على لسانه النحو والتركيب الأمازيغي في حديثه بالمعجم العربي الدارج، إذ وصف واقع الحال قائلا "قضية محزوقة"، و"مسكون في تنغير ومخدوم في مراكش" … وهي في الواقع مثال من الكثير من العبارات التي يخلط فيها معجم لغة ويحمل على تركيب لغة أخرى، أو يمزج بين كلمات من لغتين أو من قبيل ما اصطلح عليه لغة "أكلوني البراغيث"، أو تأنيث كلمة هي في حكم المذكر، أو معاملة المفرد معاملة الجمع في الصرف … وغيرها من الحالات التي يمكن تصنيفها في ما يصطلح عليه أكاديميا بالتداخل اللغوي، وحالات أخرى قد نعتبرها "شذوذا لغويا" ناتج عن التلاقح والتدافع الثقافي والعولمة ولغة الإشهار وشبكات التواصل الرقمي ولغة المحادثات السريعة ( chat)، أو الناتجة أحيانا عن عوائق ابستيمولوجية وأخرى أخطاء في التعاقد الديداكتيكي في التدريس …
قضية محزوقة
"قضية محزوقة" ربما هي ليست زلة لسان، فهي تعبير تلقائي لما يعتقد ذلك الشاب أنه تعبير سليم لغويا، إعتبرناها فرصة للتنمر والسخرية والضحك معتقدين أنها "خطأ" لغوي، والواقع أن "محزوقة" كلمة فصيحة سليمة لغويا سواء في الدارجة المغربية أو في العربية الفصيحة، حسب معاجم اللغة.
محزوقة أو محزوق إسم مفعول من فعل حزق، وحَزَقَهُ حَزْقًا: عَصَبَهُ وَضَغَطَهُ، وَالْحَزْقُ: شِدَّةُ جَذْبِ الرِّبَاطِ وَالْوَتَرِ، حَزَقَهُ يَحْزِقُهُ حَزْقًا وَحَزَقَهُ بِالْحَبْلِ يَحْزِقُهُ حَزْقًا: شَدَّهُ، وَحَزَقَ الْقَوْسَ يَحْزِقُهَا حَزْقًا: شَدَّ وَتَرَهَا، وَكُلُّ رِبَاطٍ حِزَاقٌ. وَرَجُلٌ حَزُقَّةٌ وَحُزُقَّةٌ وَمُتَحَزِّقٌ: بَخِيلٌ مُتَشَدِّدٌ عَلَى مَا فِي يَدَيْهِ ضَنًّا بِهِ، ويقال حَزَقَ الغَسِيلَ: عَصَرَهُ، ضَغَطَهُ، وحَزَقَ صَدِيقَهُ: ضَيَّقَ عَلَيْهَ، وحَزَقَ الأسِيرَ : شَدَّ وَثاقَهُ بِحَبْلٍ، وحَزَقَ الرِّبَاط: أَحْكَمَ شَدَّهُ …، ربما صاحبنا ليس مدركا لهذه الفذلكة اللغوية، لكن تعبيره قد يكون دقيقا في وصف الضغط والشد والاختناق والانكماش الاقتصادي الذي حزقنا جميعا.
هي إذن، قد تعتبر نموذجا لما يسمى بالتداخل اللغوي – interférence linguistique- ، باعتباره تطبيق نظام لغوي للغة معينة أثناء استخدام لغة أخرى، سواء صوتيا، أو تركيبيا، أو معجميا، أو صرفيا، …وهي ظاهرة منتشرة في جميع اللغات والمجتمعات والأزمنة، وهي مختلفة عن الإزدواجية اللغوية وحالة المزاوجة المقصودة بين لغتين لغرض بلاغي أو تواصلي معين، أو ما يسميه البعض بالتهجين اللغوي.
على سبيل المثال، لا حصرا، كل ما هو مذكر في لغة ليس بالضرورة مذكر في لغة أخرى، فكلمة شمس (مؤنثة ) في العربية، أما في الفرنسية فهي Le soleil ، وهي هنا مذكر، لكننا نخطأ كثيرا فنقول " "la soleil، أو عندما نقول "إشتريت إثنين قلم" " شريت جوج أقلام" .. حيث نوظف التركيب الخاص باللغة الفرنسية للتعبير بالعربية أو الدارجة.
وهذا الاشكال لا بد أن يعمق فيه البحث خاصة على مستوى المؤسسات التعليمية، في ظل السياسة اللغوية الحالية، باعتماد التناوب اللغوي، وتدريس الأمازيغية والعربية والفرنسية (وقريبا الانجليزية ) في المستويات الدراسية الدنيا، دون عدة بيداغوجية وديداكتيكية تستحضر هذا المعطى.
مرحبا ب "المسلمين والكافرين":
من بين ما نبست به شفاه صاحبنا، ترحيبه ب "المسلمين والكافرين"، ففي وقت أراد الاشارة إلى ترحيبه بالأجانب لم يجد كلمة سوى "كافرين"، فثنائية "مسلمين وكافرين" … موجودة في ذهنية الكثير من الأفراد، أتذكر أن طفلا قال لي ذات مرة "لقد أعطانا كفار أقلاما وحلويات"، وهو يقصد سياحا، وكأن كل السياح /الأجانب بالنسبة له "كفار" في مقابل "نحن" المسلمين، وهذا ربما ناتج عن ترسيخ هذه الثنائية في العديد من دروس مقرراتنا المدرسية، أو ثنائية "المسلمين/ النصارى"، وهي تقسيمات على أسس "دينية"، لتتوارى التقسيمات "المدنية" على أساس الجنسية أو اللغة … كأن في مخيلتنا أن كل أجنبي فهو تلقائيا "كافر"، الناطقون بالأمازيغية يستعملون عادة "أرومي =رومي" نسبة إلى روما أو الرومان، لتميز الأجنبي عن المحلي، حتى في بعض المأكولات، فيقال "تين بلدي= الكرموس" مقابل "تين رومي = التين الشوكي"، …
والأكثر غرابة أن "مسلمين" هنا قد لا تحمل أي دلالة دينية، بل هي ثقافية أكثر منها دينية، .. فالكثير من العبارات "الدينية" تتردد في خطابات الكثير من الأفراد حتى وإن كانوا غير مقتنعين بجوهرها الديني، ف "ان شاء الله" ترد في المعاملات بمعنى مخالف لجوهر دلالة العبارة على الايمان والاعتماد بالمشيئة الالاهية، ولعله من الطرائف أن نسمع من علمانيين أو "ملحدين" لا يؤمنون بوجود الاله، أو من مسيحيين، عبارات من قبيل "الله إرحم الولدين"، "الله إحفظك" ،"الحمد لله" ، "اللهم صلي عليك أرسول الله" … فتداول هذا العبارات "الدينية" لا يعكس اعتقادا روحيا بها بقدر ما أمست عادات ثقافية، فالمرجح أن هذه الثنائية "مسلم/كافر" في تداولنا اليومي لم تعد مؤسسة على المعنى الديني التكفيري.
من الإنسان المقهور إلى الإنسان المحزوق
إن حالة صاحب "مقولة القضية المحزوقة"، قد تعتبر تكثيفا لواقع التخلف الاجتماعي الذي وصلت إليه مجتمعاتنا، ولربما لو قدر لمصطفى حجازي محاولة توصيف المجتمعات الحالية لبدل "الانسان المقهور" ب "الانسان المحزوق"، فهذا الشخص "المسكون في منطقة والمخدوم في منطقة"، نموذج للعديد من أبناء الفئات الاجتماعية الهشة، التي تعاني من هول الفوارق المجالية، ونموذج للعديد من الطاقات المهدورة التي لم تؤطرها مدارسنا، يدخل في حيص بيص لغوي ناتج عن عدم حسم جدل لغات التدريس وتدريس اللغات وتدريس اللغة الأم، كما أنه أيضا نموذج لسلوكات الهروب من الواقع بصنع النكتة والاضحاك والكوميديا السوداء والتنمر على الذات وممارسة نوع من معظلة "السادومازوشية" والتلذذ بالقهرية والحزق … ف "القضية محزوقة والحمد لله"، وهو مؤشر على الوصول إلى درجة الذوبان والخضوع، حيث يتحول الجرح النرجسي إلى آلية للتعويض والتنفيس … بل حتى معايير التصنيف، إحدى الدرجات الدنيا للذكاء، قد نخطئ فيها، فلا نكاد نحدد معايير التصنيف اللغوي والديني والجغرافي … ليظهر كل مغاير لنا "كافرا".
ولعل واقعة "القضية المحزوقة"، لخصت أحد أسباب تخلفنا في قوله "القضية ليست محزوقة من عند الله بل منا نحن"، كأنه يقول بلسان حجازي أن التخلف مرتبط بشكل حتمي بالقهر الذي يلقاه المرء في مجتمعه، وسنلحظ أن هذه الواقعة تحدث ضجة متى ناقشناها بسطحية واعتباطية، لكن متى أردنا تعميق التأمل فيها سيخبو بريقها.
بالاستناد إلى ما سبق، وبالرجوع إلى واقعة "القضية المحزوقة"، صح لنا، من الناحية اللغوية، وصف الواقع الاجتماعي والاقتصادي والثقافي الحالي، ب "الواقع المحزوق"، وصح لنا الأمر ذاته من حيث التحليل السسيولوجي، بالنظر إلى مقدار الانحباس الضاغط على جميع الفئات إلى درجة يصعب فيها حتى التحكم في "خروج روائحنا"، فيكون من السليم القول أيضا أننا انتقلنا من "الإنسان المقهور" إلى "الإنسان المحزوق".


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.