تحياتي بكلماتي هاته لنقيب الدارالبيضاء ولرسالته أمس التي سأتذكر بها موقفا مهنيا حكيما له في زمن الاعصار الذي اتى ولا زال من كل صوب على المحاماة، الرسالة التي أجاب بها مسؤولا قضائيا لما صَب على الهواء كلاما يحن لزمن الخُرافات التي حلم بها العديدون للنيل من مجد مهنة عظيمة لم تبلغ عظمتها باقي أخرى. ففِي زمن التأمل، لا زال الباحثون يحللون ثقل الأحزان واسوء الخسارات والاصابات بسبب وباء الكوفيد، وهي تلك ضربت قطاع العدالة ولحقت بمحاكمها وإداراتها وقضائها وجلساتها وقراراتها وأحكامها وسُجونها، فكانت العدالة بذلك أول مرمى ذاق المرارة والهوان، وأول المؤسسات التي انسحبت وهربت لمنطقة الظلام، وتركت قصورها كالبحار الجافة وكالأصنام خاوية على عروشها، وكالمقابر يسكنها الخوف ومعه الآلاف من الملفات يغطيها العنكبوت. ولا زال المهنيون أهل بيت المحاماة يتساءلون بدورهم لماذا إغلاق مرفق القضاء بقرار منفرد، ولماذا فرض الصمت على المحامين في زوايا مكاتبهم ليرحلوا شيئا فشيئا نحو بيوتهم، ولتصبح المرافعات والجلسات ذكريات من الحِجْر لن تغيب أبدا عنهم، وسيتذكرون الجائحة المهنية كعلامة من علامات عجائب القرن الواحد والعشرين. لقد استعُمِل الكوفيد للنيل من المحاماة ومن المحامين، لتكون مرحلة ما بعد الكوفيد مرحلة ضربات جديدة تأكل حقوقهم ومراكزهم وما يمثلونه من رأسمال بشري ومعنوي ضروري في حياة ووجود المجتمع والوطن والقضاء. استُعمِل الكوفيد لفصل المحامين عن كينٌونتِهم وهي مُرافعاتهم، ودُخانُ » حريق » الأحكام لا زال يخنقهم بنار المادة التاسعة بعد مواقف الحكومة ضدهم وضد تنفيذ القرارات القضائية عقب قانون المالية الجديد، والذي صوت عليها نواب الأمة ومُمثلو الشعب دون شعور بمخاطره على الامن القانوني بل على الاستقرار بالمغرب. استُعمِل الكوفيد ففُصِل المحَامون عن المعتقلين بَعدَ تدشين المُحاكمة عن بُعد وبقي على مسرح قاعات الجلسات الفارغة قضاة ومحامون وكأنهم على خشبة مسرح فارغ من جُمهور المُحبين والمُعجبين. استُعمِل الكوفيد فوافقت السلطة القضائية على عدم نقل المعتقلين لمثولهم امام القضاة، وعُوض الإنسان بالصورة وبالآلة، ومراقبة الحضور بمراقبة السجان، وتستبدل إحساس قضاة الجلسة بإحساس الأنترنيت والهاتف. استعمِل الكوفيد فتشتيت الملفات وأُخرت بالآلاف على الأجندات خارج الجلسات وفي غياب الأطراف وغياب المحامين. استعُمِل الكوفيد وفُتحَ باب محاولات تغيير او تعديل او اتمام نصوص قانونية في لحظة اضطراب دقيقة وفي غياب تام لكل الفاعلين والمهنيين، لا تسمح لهم بالمناقشة والمتابعة والتأمل طبقا لما تستلزمه أهمية المشاريع المعلنة. فهل هناك ووراء هذه الأحداث المتتالية والرسائل المفخخة مشروع الإعلان عن منع المحاماة بالمغرب؟ وهل هناك مخطط اعلان رسمي للاستغناء النهائي عن الاستعانة بالمحامي؟ وهل بحق هناك عطف نحو حالة المرتفقين أم أن الحقيقة هي رغبة الاحتواء على المرتفقين وتنحية مؤسسة الدفاع والتخوف من كل مراقبة أو مساءلة قد تزعج بعض القضاء؟ أنا أخشى أن نكون أمام صفقة خططت وراء المحامين وتحت الكوفيد؟ هي تساؤلات لابد من طرحها بوضوح ومسؤولية امام سيل من التدابير التي طوقت المحاماة وحَجرت على نشاط وممارسة المحامين، والتي كان اخرها ما أغضب نقيب البيضاء بموقعه وحكمته أمس في مقال له، فصاح في رسالته لبيكِ يا محاماة، وذلك عقب ما صرح به رئيس محكمة من محاكم البيضاء لما سمح لنفسه ان يقول ما معناه، بان خدمات المحامي ليست ضرورية لتقديم طلبات مسطرية تجارية وأنه يمكن للأطراف الاستغناء عنه وتقديم طلباتهم مباشرة دون وساطة محامي ودون حاجة لخدماته! فهل مسموح له السير للوراء ومعاكسة التاريخ؟؟ ان الحُمق فنون، والعبث جنون، ولكن زملاءنا في قطاع القضاء من قِلاع النباهة والذكاء، فعليهم الحرص الا تتدفق قريحة بعضهم لتمييع المحاماة ولجم نفس المحامي والنظر اليه كدمية يمكن الاستغناء عنه، فمن أية جهة أتت الدعوة هاته فإنها بِدْعَة وخُرافة، فشتان ما بين الغرور والأنانية والأوهام، وما بين ضمان الحقوق وحماية الضمانات. وصدق الشاعر الكبير نزار قباني لما قال: لو أني علمت خاتمتي ما كنت بدأت…