هاتان العينيان تقولان كل شيء… هذه النظرة، هي لسيدة أنقذها الطب في مكناس من براثن الموت. هي المُكابِدةُ الطاعنة في الزمن. في مستشفى سيدي سعيد بمكناس كانت المعجزة. المعجزة التي لم تصدِّقها هذه السيدة الطيبة. العينان تقولان كل الامتنان والعرفان والحب تقولان – في عزةِ نفسٍ – أن الحياة لم تكن عطوفة عليها. وتصران على التشبث بالحياة مع كل ذلك… وتقولان كل الحنو. الحنو علينا نحن الذين نلتئم الساعة في منازلنا لم يطلنا الوباء، وعلى الإنسان الجاثي في حنايانا بين الانتظار والرجاء… كأنها أمٌّ يتفطر قلبها على فلذة كبدٍ إشفاقا وأسى ومحبة. الصحفِيَةُ نفسُها بكتْ على المباشر. كانت السيدةُ فرحةً بعودتها إلى الحياة. كانت نظرتها متعبة من الأيام الصعبة التي قضتها يتقاذفها الشك واليقين بين الجدران البيضاء وروائح الأدوية والأمصال وحدب الجنود والجنديات من أسرة الطب جميعا، الذين يستحقون منا طأطأة الرأس والاحترام إلى آخر الأيام… قالت: « شكري أقدمه إلى كل هؤلاء وإلى الملك وإلى الله الذي أعطاني حياة أخرى… »******** تقدَّم المساء. رنَّ الهاتف. قالتْ على الخط: » أنا حزينة. تصورْ كلَّ الأرواح التي تغادر. هل تتصور معنى ألا يستطيعَ المرءُ أن يتنفَّس؟… إنني أموت ألف مرة حين أطَّلع على عدد الراحلين كل يوم وأتصور المعاناة التي تسبق الرحيل… ». أجبتُ كأنني أعاكس سيلاً وجدانيا حتى لا يغمرَ المكان: »أعرف. لكن، لحد الساعة خسائرنا محدودة وأتمنى أن تظل كذلك. لحد الساعة نحن نحسن التصرف تجاه الجائحة. عموما. الجميع: من الملك إلى عامل النظافة ونادل المستشفى… لا زلت أؤمن بالعبقرية المغربية حين نحسن إيقاظها. لا تجزعي… » ردت وصوتها متهدج من الأمل الممزوج بالألم: « معك حق. هذه النظرة المليئة بالامتنان والتعب والرجاء ونبل الترفع عن الشكوى، تقول لنا جميعا: الحياة أمانة في عنق كل فرد… هؤلاء كاد يهدُّهم الوباء، وعلينا أن نعمل حتى لا يهدهم الفقر. هذا هو التحدي بعد الوباء… هذا هو التحدي… » قلت منهياً حديثنا حتى أتركها تنام وترتاح « هو ذاك…ليلة سعيدة ».