تعرض عدد من الزملاء الصحافيين، أول أمس بالرباط، للضرب والجرح والسب والقذف عندما كانوا يمارسون مهامهم في تغطية تظاهرة شباب 20 فبراير التي خرجت تطالب بإلغاء حفل الولاء وطقوس البيعة... الصور والفيديوهات، التي نقلت تدخل الأمن العنيف، تظهر إلى أي حد يمكن أن يصل الاستخفاف بكرامة الصحافيين وبمهنة المتاعب من قبل رجال الأمن في عهد حكومة جاءت على ظهر شعارات محاربة الفساد واحترام حقوق الإنسان والحق في الوصول إلى الخبر... «سدّينا»، هكذا يقول العقل الأمني للمملكة، وسبعة أيام المخصصة ل«الباكور» انتهت، وانتهى معها التسامح والسلوك الحضاري الذي استعارته أجهزة الأمن في السنة الماضية، وتعاملت به مع تظاهرات 20 فبراير اضطرارا لا اختيارا... الآن رجعت الأمور إلى نصابها، ورجع المخزن إلى «لغته» الأصلية، وإلى «هيبته» الأولى! هل نندد مرة أخرى ونشجب ونطالب وزير العدل والحريات بالتدخل لحماية الصحافيين، وحماية مهنة تلقب في الغرب بالسلطة الرابعة؟ الأفضل ألا نفعل حتى لا يضحك الناس على حالنا، فمزامير داود لا تطرب أحدا في السلطة اليوم كما في الحكومة التي يبدو أنها أصبحت مشغولة بصيانة الكرسي أكثر من الاهتمام بالدستور والقانون والمنهجية الديمقراطية في تدبير شؤون الحكم. الحكومة لا تحكم أجهزة الأمن، والعدالة في هذه البلاد تمشي على البيض، وهي نفسها تحتاج إلى من يحميها. السلطة في بلادنا لا «تطيق» الصحافة، وخاصة المستقلة والجريئة منها، لأنها «تفسد اللعبة»، وتخرق الحجاب، وتضع أرجلها على الخطوط الحمراء. والأحزاب لا تحب الصحافة لأنها تتجرأ عليها، وتفضح «نفاقها»، وتعري مفارقاتها، وتذكر بتاريخها. ورجال ونساء البزنس يتضايقون من الصحافة التي لها أسنان وأظافر، وتحفر في كل مكان بحثا عن المعلومات الحساسة، ولهذا فإن سلطة المال تلعب مع الصحافة لعبة العصا والجزرة، وإلى الآن هذه اللعبة ناجحة أو تكاد. حتى رئيس الحكومة، عبد الإله بنكيران، الذي كان أكبر مستفيد من الصحافة أيام المعارضة وحتى أيام الحكومة، أصبح ينتقد صحافة بلاده علنيا، أما وزيره في الاتصال فإنه لا يكلف نفسه حتى مجرد مهاتفة وزارة الداخلية لكي يوصيها خيرا بالصحافة، ويقول لها: لا معنى لأن أعطي بطائق للصحافيين لا تصلح لشيء، ولا معنى لوجود لجنة إصلاح قوانين الصحافة والحكومة تستعد لمحاكمة موظف في وزارة المالية اتهمته نزار بركة وزير المالية نيابة عن مزوار وبنسودة، بأنه وراء تسريب وثائق تعويضات وزير المالية الأسبق والخازن العام للمملكة الحالي... أصبح الوصول إلى معلومات عامة، كان الأجدر أن تنشر في الجريدة الرسمية، جريمة يعاقب عليها القانون في عهد وزير العدل والحريات الذي آزر جل الصحافيين الذين «جرجروا» إلى المحاكم الظالمة في العقد الماضي... الآن ستسجل نيابته العامة أكبر محاكمة ضد الحق في الوصول إلى المعلومات ولفائدة الإفلات من العقاب وتشجيع إمبراطورية الفساد... وكل هذا باسم التنزيل الديمقراطي للدستور. الصحافة مرآة للمجتمع، وإذا كسرنا هذه المرآة فذلك لا يعني أن القبح الموجود على وجه الدولة والمجتمع سيزول. مرة قال واحد من «كتيبة عبد الحق الخيام» لصحافي من هذه الجريدة: «اسمع، البلاد تستطيع أن تعيش بدون صحافة، لكنها لا تستطيع العيش من دون أمن»... المشكل هنا هو معنى الأمن.