أسوأ شيء يمكن أن يقع للصحافي أن يضطر للحديث عن نفسه أو جريدته أو مهنته. الجريدة موجودة لتكتب عن الآخرين وليس عن نفسها... هذه هي القاعدة والاستثناءات لا حكم لها، سبب نزول هذا الكلام هو الحملة غير النظيفة التي تستهدف جريدة «المساء» في صورة استغلال حادث عابر وقع لأحد المساهمين في الشركة التي تصدر الجريدة، حيث حاول من في نفوسهم مرض أن ينفخوا فيه ليجعلوه مبررا لمس الرأسمال الرمزي لهذه المؤسسة.. وهو المصداقية. لهؤلاء نقول إن المصداقية تبنى حجرة حجرة، وهي اختبار كل عدد بالنسبة إلى الجريدة التي تتعرض لاستفتاء يومي من قبل القراء، ولهذا لا تتوهموا أنكم بافتعال مشكل غير موجود ستمحون مصداقية هذا المنبر بممحاة الحقد أو الغيرة أو العمل المأجور أو ضعف هاجس أخلاق المهنة في نفوس البعض. محمد العسلي مخرج سينمائي معروف ونظافة يده لا غبار عليها ولكنه في نفس الوقت ليس شخصا فوق القانون، ونحن جريدة لا تستغل تأثيرها الإعلامي القوي لتتدخل لدى جهاز الأمن أو القضاء للتوسط لهذا المساهم أو ذاك الصحافي، كما يفعل البعض في جنح الظلام. نحن نشتغل في النور، ونحن من الجرائد القليلة التي تفصل رأسمال الشركة عن خط تحريرها، ولا توظف «المنبر الإعلامي» لقضاء أغراض شخصية أو للدفاع عن جهات مالية أو سياسية أو سلطوية... لا ندعي الكمال، والخطأ جزء من العمل الصحافي، ولا توجد جريدة في العالم يحبها الجميع أو يكرهها الجميع. لكن هناك جرائد يحترمها الجميع وهناك العكس... لقد اخترنا منذ البداية السير على طريق «صحافة التقصي» والبحث عن الأخبار ونشرها بكل استقلالية وبالكثير من المهنية التي –للأسف- لم تتجذر بعد في مشهدنا الصحافي لأسباب عدة، بعضها تاريخي يرجع إلى أن نشوء الصحافة في المغرب كان مرتبطا بهواجس سياسية بدأت بصحافة الحركة الوطنية التي كانت مهتمة بالنضال ضد المستعمر أكثر من أي شيء آخر. ثم تلا هذه المرحلة أخرى أضحت فيها صحافة المعارضة وصحافة الدولة أداتين مكملتين للصراع السياسي. ثم تبع ذلك دخول الرأسمال «المسيس» إلى ميدان الصحافة، وأصبح الدفاع عن لوبي المال والأعمال جزءا من خطوط تحرير عدد من الجرائد... إذن نحن أمام تجربة قصيرة للصحافة «الحرة» لا تتجاوز العقد من الزمان، ولهذا فإن مدة قصيرة مثل هذه لا تكفي لتجذر «تقاليد المهنية» في مناخ معقد تدور الكثير من وقائع الصراع فيه تحت عين ويد السلطة التي تخترق المجال الصحافي مرة بالعصا وأخرى بالجزرة... لقد تعرض طاقم تحرير هذه المطبوعة إلى عدة ضغوطات استعمل فيها الترهيب والترغيب، لأننا اقتربنا من «قارات» معقدة ومتشعبة من المصالح واللوبيات والامتيازات، وكما هو كل عمل صحافي يقدم المصلحة العامة على الخاصة، والقارئ على المعلن، وأخلاق المهنة على حسابات التجارة... اخترنا الوفاء لهذه المهنة، ورفضنا سياسة الرقابة أو مدونة الخطوط الحمراء، وفي نفس الوقت لم ننزلق ولم ندَّعِ دورا سياسيا لمنبر إعلامي وظيفته أن يقول كلمته للرأي العام ثم يباشر مهمته الأصلية التي هي البحث عن الخبر، أما الرأي... فلكل واحد رأيه الخاص. إن الحملة اليوم التي تشارك فيها القناة الثانية، الممولة من جيوب دافعي الضرائب، ووكالة المغرب العربي، الممولة هي أيضا من ذات المصدر والتي حولها البعض إلى خلية عمل خاص في خدمة أجهزة في الدولة وأخرى خارجها، وبعض الجرائد التي أصبحت متخصصة في السب والقذف واختراع أجناس صحفية جديدة... إن هذه الحملة لا تضعف «المساء» في شيء، ولكنها تعبر عن درجة مقاومة التغيير في أصول اللعبة الإعلامية، التي ترفض وجود تعددية حقيقية في المشهد الإعلامي، وليس تعددية مصطنعة كما هي الحال في مجالات أخرى... هذه باختصار هي الحكاية، والباقي سيناريوهات متخيلة هدفها خلق الالتباس، لأن الشجاعة تنقص الواقفين خلف ستار هذه الحملة...