الصحافة الحرة والمستقلة في المغرب تشبه، إلى حد بعيد، محنة المشي فوق البيض. على الصحافي أن يمشي فوقه دون أن يكسره، وأهون عليه أن يكسر رجله ولا يكسر بيضة لا يعرف أي لغم سيخرج منها. لهذا لا توجد في العالم أية شركة تأمين تقبل أن تبيع للصحافي في بلادنا بوليصة تأمين على مهنة مخاطرها عالية، ومصادر كوارثها ونكباتها وأعاصيرها غير معروفة. خطوط المهنة الحمراء تزداد وتنقص كل يوم دون علم الصحافي، وخطوط المهنة الخضراء تظهر وتختفي، من موضوع لآخر ومن شخص لآخر ومن مزاج لآخر... لهذا أشفقت أول أمس الاثنين وأنا أتابع حفل تنصيب لجنة المساري العلمية من قبل وزير الاتصال، على هذا الوزير الشاب الذي لم يشف جلده بعد من آثار لغم انفجر في وجهه عندما وضع رجله في غار الإعلام العمومي. بلادنا في حاجة إلى مدونة صحافة ونشر جديدة، وإلى قوانين متفتحة وليبرالية. لكن هذا غير كاف. هذه بلاد لا تمشي فقط بالقوانين، وإن كانت هذه الأخيرة تخفف من الخسائر والضحايا عندما تقع حوادث السير الخطيرة. مهنة الصحافة الحرة في بلادنا تحتاج إلى أوراق إقامة في المغرب وإلى اعتراف كلي ونهائي بوضعها كشريك لا أجير ولا متطفل. الصحافة ابنة شرعية للديمقراطية، وهي مزعجة بطبيعتها لأنها تلعب في نقاط التماس الخطيرة، لكنها لا تضر إلا الأجسام المريضة. الصحافة هي مرآة المجتمع، وعيون الرأي العام على السلطة والثروة.. على السياسة والمال، ولهذا وجب توقيرها والسماح لها بحرية الحركة بين أكثر الجبهات اشتعالا بين الأحزاب ومراكز النفوذ وقلاع المصالح، تماما كما يسمح القانون الدولي الإنساني للصليب الأحمر بالحركة وعلاج الجرحى في الحروب. نعم، الصحافة، كما كل المهن، فيها الصالح والطالح، فيها أبناء الدار وفيها الدخلاء ولا أحد فوق القانون، لكن داخل حرم العدالة وروح الممارسة الديمقراطية، لكن المستهدف اليوم في المغرب هو الصحافة الرصينة والمستقلة، والتي لا تقبل أن تتحول إلى أسهم في البورصة تباع في الليل والنهار. الحكومة الجديدة، وباتفاق مع محيط القصر، أعلنت نيتها إزالة العقوبات الحبسية من قانون الصحافة القادم. هذا خبر سعيد، في بلاد تحول نصف صحافييها إلى أصحاب سوابق وإلى زبناء دائمين لدى المحامين، وإلى مجموعة كاملة من ضحايا سنوات الرصاص الإعلامي الجديد، الذين ينتظرون هيئة إنصاف ومصالحة تستمع إلى شكواهم وتنظر في ملفاتهم. لكن السجن ليس العقوبة الوحيدة الموجودة في القوانين غير المكتوبة للنشر. هناك عقوبات أخرى اقتصادية وسياسية وقضائية يمكن أن تخرب بيت الصحافي دون أن يضطر بنهاشم إلى أن يفتح له حسابا لدى مندوبية السجون. عندما قرأنا الفصل 27 من الدستور، مثلا، والذي يعطي للمواطنين جميعهم -والصحافي مواطن في حدود علمنا- الحق في الوصول إلى المعلومات، عمدنا إلى نشر وثائق تعويضات وزير المالية السابق، صلاح الدين مزوار، والخازن العام للمملكة، نور الدين بنسودة، بعدما تأكدنا من أن الوثائق صحيحة، وبعد أن طلبنا رأي المعنيين بالأمر أو روايتهما قبل النشر، وبعد أن سألنا القانونيين عن مشروعية نشر تعويضات وزير وموظف سام لا تتعلق بأمن الدولة ولا بالحياة الخاصة ولا بأسرار الدفاع... فماذا وقع؟ زلزال ضرب في كل الاتجاهات، وأسفر عن جر موظف بريء اسمه عبد المجيد بلويز وصديق له إلى القضاء بتهمة إفشاء سر مهني بناء على عملية «تجسس» على الهواتف... فيما فضل زعيم الحمائم الزرقاء الهروب إلى الأمام واتهامنا بالتواطؤ مع الحكومة لضرب عنق «أخطر معارض» في المملكة! لكن الحكومة، وعلى يدي نزار بركة وزير المالية، هي من حرك المتابعة في حق الموظف وصديقه، فكيف يكون التواطؤ؟ لا حاجة إلى الجواب، ألم نقل لكم إنها مهنة المشي على البيض... *مدير جريدة أخبار اليوم