مرة أخرى تطالعنا وسائل الاعلام بكارثة سياسيةوأخلاقية كنتاج لكوارث الفكر السياسيالإسلاموي الذي يبرر جميع إخفاقات المجتمع والدولة بالابتعاد عن الدين بدلامن التفكيرفي أسباب فشلالسياسات العمومية وطرق معالجتها.حيث صرح أحد برلماني الحزب الدينيالذي يقود الحكومة بكون « الزنا » هو سبب انتشار « أطفال الشوارع ». هذه الواقعة المخجلة المتمثلة في إطلاق أحكام قروسطية على جزء من الأطفال المغاربة لو حدثت في برلمان أحد البلدان المتقدمة لأثارت ردود أفعال مجتمعية قوية قد تتبعها إجراءات قضائية حفاظا على حقوق الضحايا وسياسية لحماية صورة المؤسسة التشريعية. فهذا البرلمانيالذي يفترض فيه كممثل للشعب،الدفاع عن حقوق الأطفال ومحاربة كل وصم او تشهير او تمييز اتجاههم مهما كانت وضعيتهم، أظهر جهلا صارخا أولا من خلال إطلاق لفظ « أطفال الشوارع » ذي الحمولة المخزية. وثانيا من خلال وضع علاقة سببية لا توجد اٍلا في مخيلته ومرجعيته الفقهية. هذه المرجعية جعلته يسقط في الاحكام المسبقة على ظاهرة معقدة ذات أبعاد اقتصاديةاجتماعية قانونية سيكولوجية وثقافية… ليختزلها في العلاقات الجنسية خارج إطار الزواج موظفالفظا ذا حمولة دينية إمعانا في توظيف ايديولوجيته الدينية التي تقر الرق وتنكر الحب. ثالثا، إن مرجعية البرلماني دفعته إلى اٍرتكابجريمة أخلاقية بغير وعي أو عن سبق اصرار، ضدجزء من أبناء وبنات شعبنا بوصم لم يعد رائجا إلا في الدول والعقول المتخلفة، في حين أن المجتمعات التي تحترم الانسان فعلا قامت بالقضاء منذ عقود على جميع أشكال التمييز بين الأطفال الطبيعيين والأطفال المزدادين في إطار الزواج سواء في النسب أو الميراث أو غيرهما من الحقوق. بالمقابل، في البلدان التي يشكل فيها رجال الدين قوة ضاغطة لازال الأطفال الطبيعيون مسلوبي الحقوق ويعانون تمييزا فظيعا إضافة إلى مأساة أمهاتهم. رابعا،بدلا من تحميل الحكومات المتعاقبة وسياساتها التفقيرية مسؤولية الأوضاع المزرية لهؤلاء الأطفال الذين يعيشون الاستغلال في أفظع صوره ويعانون التنكر لحقوقهم التي أقرتها المواثيق والاتفاقيات الدولية والدستور والقوانين، لا يتورعممثل الشعب عن رش الملح على جراح الضحايا الذين يعرون كل يوم الفشل الحكومي الصارخ. خامسا، إن تصريح البرلماني محاولة لإنقاذ وزارة التضامن التي سيرتها لسنوات متتالية زميلته في الحزب،والتي لا نتذكر من حصيلتها في هذا الملف سوى تصريحها الغريب واللامسؤول لقناة الجزيرة بكون سبب تواجد الأطفال بدون مأوى راجع إلى ضياع بعض الأطفال بعدإنتهاءمباريات الكرة. فالتصريحان يسيران في نفس منحى تبرير استمرار الأوضاع المخزية لهؤلاء الأطفال وخاصة في المدن الكبرى التي يسيرها الحزب الديني. سادسا، تؤكد الواقعة لمن لايزال يحتاج الى تأكيد، أن مأساة السياسة بالمغرب خاصة في زمن تغول الإيديولوجية الإسلاموية، هو خلط الدين بالسياسة وذلك أولا لاعتبارات انتخابوية محضة من خلال العزف على الوتر الديني للناخبين. وثانيا بسببعجزمسؤولي الحزب الديني عن فهم الأسبابالحقيقية للمعضلات الاقتصادية والاجتماعية أو تجاهلها وبالتالي عجزهم عن اقتراح حلول فعالة. لذا تجدهم يواصلون توظيف الشعار الوهمي » الإسلام هو الحل » لحصد التعاطف رغم كونه أبان عن فراغه وإساءته للدين نفسه. فلطالما رددوا أن الزكاة هي الحل للفقر و الأبناك الإسلامية هي الحل للاقتصاد والحدود هي الحل للسياسة الجنائية…رغم فشل هذه الإجراءات فشلا ذريعا في حل مشاكل البلدان التي ادارها رجال الدين. حيث تأكد أنها مجرد فقاعات شعبويةوالتي لا يمكن أن تعوض البرامج والسياسات المصاغة وفق منهجية علمية دقيقة. سابعا،لا بد أن ننبه الى خطورة هذا الوهم الديني الذي ما فتئ يغزو جميع المجالات بما فيها الاقتصاد والثقافة والطب…مما يجعل الأيديولوجية الدينية تكرس المعضلات، ومعها معاناة فئات كثيرة من المواطنات والمواطنين وتشكل عقبة حقيقية أمام الإقلاع الاقتصادي المأمول وأمام النهضة الحداثية المجتمعية والابداع الفني والثقافي. وإذا كان للتيار الديني أدواته الريعية للتوغل في المجتمع ونشر أفكاره الرجعية، فإن المثقفين يتحملون مسؤولية المساهمة في جهود التنوير والتحديث بكل شجاعة لإنقاذ مايمكن إنقاذه. ختاما، لابد من تذكير السلطات العمومية بمسؤوليتها فيما يخص استمرار الاف الأطفال بدون مأوى وما ينجم عنه من تردي لأوضاعهم الصحية وتعرض عدد كبير منهم للاستغلال الجنسي والاجرامي وهدر لمستقبلهم وكرامتهم، وهو ما يشكلخرقا للاتفاقيات الدولية ومبادئ الدستور. هذا الوضع يستدعي اعتماد استراتيجية عرضانية تضم جميع القطاعات المعنية وتشرك المجتمع المدني في صياغتها وتنزيلها كما تعهد مسؤولية تنزيلها وتتبعها إلى رئاسة الحكومة.