ناقش باحثون، اليوم الاثنين بالرباط، تجارب الصين في مجالي التحديث والتنمية، واللذين يقومان معا على أساس مشترك هو الصناعة والتجارة والمبادلات الإنسانية والإصلاحات الدستورية وتطوير النموذج الاقتصادي الصيني الجديد. وأبرز المتدخلون، في إطار الجلسة الأولى للدورة ال46 لأكاديمية المملكة المغربية، المنعقدة تحت عنوان « آسيا أفقا للتفكير: الصين، تجارب التحديث والتنمية »، الإصلاحات الهامة التي قامت بها الدولة الصينية، خاصة في مجالات الفلاحة والصناعة والتكنولوجيا، منذ إطلاق « عمليات التحديث الأربعة » ما بين 1977 و1982، مشيرين إلى القفزات النوعية التي حققها البلد منذ حوالي 30 سنة، بحثا عن نموذج تنموي كفيل بتحقيق الإقلاع. واستعرض مدير معهد الشؤون الدولية ومركز الدراسات الأوروبية بجامعة رينمين بالصين، يواي وانغ، الأبعاد التي تمكن من فهم المجتمع بهدف إرساء مستقبل مشترك للانسانية وتجاوز أزمة الهوية، موضحا أن الحضارة الصينية يمكن أن تقدم حلولا للأزمات الهوياتية، من أجل إقامة تضامن أكبر بين كافة الحضارات في العالم، في مناخ يسوده التقاسم والسلم والانسجام. ودعا، في مداخلة بعنوان « الأبعاد الثلاثة لفهم المستقبل المشترك للإنسانية: أفق آسيوي »، إلى إقامة عالم مترابط لتقليص الفجوات بين الأمم والتفاوت بين بلدان الشمال والجنوب، بغض النظر عن المعتقدات والأجناس معتبرا أنه يتعين إيجاد توازن اقتصادي عالمي قائم على الأمن المدمج والمشترك، والنهوض بالشراكات مع إدماج الخصوصيات المجتمعية بهدف تجسيد المصير المشترك للانسانية . من جهته، ركز الباحث بمعهد شانغهاي للدراسات الدولية، جين ليانغجيانغ، مداخلته حول مجالين تحاول بلاده رفع تحديات التحديث المرتبطة بهما، ويتعلق الأمر بالسياسة العقارية وإرساء حكومة مركزية قوية، حيث أبرز في هذا الإطار الجهود التي تبذلها الصين لتمكين العمال المهاجرين من الحفاظ على أراضيهم في عصر التصنيع، وكذا مميزات الحكومة المركزية القوية في مسلسل التحديث من خلال إحداث شبكة وطنية للطرق السيارة والسكك الحديدية وإحداث آليات المساعدة، خاصة في حالة الزلازل. واستعرض الخبير في قضايا الشرق الأوسط أيضا دور الصين وإسهامها في التنمية بهذه المنطقة، التي تسعى لأن تكون مصدرا للطاقة وأيضا سوقا للاستثمار، فضلا عن سياستها القائمة على احترام الهوية الحضارية، والانفتاح والتبادل والتعايش. من جهته، تطرق رئيس وحدة آسيا بمعهد العلاقات الاقتصادية الدولية بأثينا، بلامين تونشيف، إلى النموذج الاقتصادي الصيني، وتطوره ومساره ومختلف المقاربات المعتمدة فيه، خاصة منذ فترة « التحديثات الأربعة ». وشدد السيد تونشيف في مداخلته تحت عنوان « تطور الصين نحو نموذج اقتصادي جديد: من النمو الكمي إلى النمو النوعي » على التحديات التي تواجه النمو والتنمية في الصين وأثرهما على البيئة. وأشار في هذا السياق إلى أن هدف الصين هو الانتقال إلى تنمية سريعة ونوعية أكثر من خلال النهوض باقتصاد يقوم على الطاقات المتجددة مضيفا أنه فيما يتعلق بالتنافسية فإن بكين تولي أهمية كبيرة للابتكار والتربية الجيدة وتعزيز القدرات والتكوين المهني. وخصص أستاذ الآداب والتاريخ بجامعة تسينغوا بالصين ، وانغ هوي ، عرضه للتاريخ المعاصر للصين ولمختلف التحولات والتطورات التي شهدتها بلاده لتصبح نموذجا لشعوب العالم في مواجهة تحديات العولمة. وفي مداخلته تحت عنوان » إعادة التفكير في الإصلاحات التي مهدت للصين -القرن العشرين » سلط الضوء على صعود الصين انطلاقا من المعطى التاريخي المتمحور حول مميزات « امبراطورية الوسط » في القرن العشرين وثورة 1911 والثورة الثقافية وما بعد الثورة. وتسعى أكاديمية المملكة المغربية في دورتها السادسة والأربعين حول موضوع « آسيا أفقا للتفكير »، لدراسة ومعالجة التجارب الحداثية والتنموية في ثلاث دول هي الصين والهند واليابان. و ستعرف الدورات الثلاث التي تستعرض تجارب الصين (9 و10 دجنبر)، والهند (11 و12 دجنبر) واليابان (16 و17 دجنبر)، مشاركة خبراء متخصصين وأساتذة جامعيين ومنظرين استراتيجيين ومسؤولين في مؤسسات مهتمة بالحداثة الأسيوية من المناطق الأسيوية والأوربية والعربية والافريقية. وستعالج المداخلات قضايا وإشكالات تهم على الخصوص التجارب الحداثية وتحدياتها في هذه الدول، وتحولاتها الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، وانخراط هذه الدول في منظومة القيم الكونية ومنها العولمة، وكذا جسور التعاون بين هذه الدول والمغرب وإفريقيا.