السيد رئيس الحكومة المحترم السيدات والسادة الوزراء المحترمون السيدات والسادة النواب المحترمون؛ لقد اخترنا في فريق الأصالة والمعاصرة أن نسائل الحكومة سياسيا هذه المرة، اقتناعا منا بأن الفعل السياسي الديمقراطي الناجع، هو المدخل الأساسي لتحقيق الإصلاح الاقتصادي والاجتماعي المنشود، ومن ثم فهو عماد تفعيل وتنزيل أي برنامج حكومي. لذلك فالمسألة اليوم ليست أولويات سياسة حكومتكم خلال ما تبقى من الولاية التشريعية الحالية، بل هي مسألة البرنامج الحكومي في شموليته، كمسؤولية وتعاقد مع الشعب المغربي، ومع البرلمان، والتزام اتجاه جلالة الملك، وبالتالي ليس لديكم سلطة الانتقائية فيما التزمتم به. لذلك نعتبر أن الإقدام على تعديل حكومي لا يدخل في باب الإجراءات الروتينية العادية، بقدر ما نعتبره توجها محكوما بتصورات وخلفيات سياسية تستهدف تقويم الاختلالات وإعادة تصحيحها وبنائها، وبالتالي تدعيم القرار السياسي للحكومة، في أفق تحقيق نجاعة جديدة قد تسعفها في تفعيل و أجرأة برنامجها الحكومي. السيد رئيس الحكومة؛ كنتم قد سطرتم على رأس أولوياتكم، في برنامجكم الحكومي، دعم الخياري الديمقراطي؛ وفي هذا السياق، انتظرنا ومعنا كافة المغاربة صيانة ودعم هذا الاختيار خلال التعديل الحكومي الأخير، سيما وأنه جاء مباشرة بعد خطاب العرش الأخير وما حمله من تعليمات ملكية سامية مباشرة لكم بصفتكم رئيسا للحكومة، حيث قال جلالته « نكلف رئيس الحكومة بأن يرفع لنظرنا، في أفق الدخول المقبل، مقترحات لإغناء وتجديد مناصب المسؤولية، الحكومية والإدارية، بكفاءات وطنية عالية المستوى.… » انتهى كلام جلالة الملك. وهذه الكفاءات الوطنية التي نادى بها جلالة الملك تأتي استعدادا للمرحلة الجديدة التي قال جلالته بأنها « ستعرف إن شاء الله، جيلا جديدا من المشاريع. » وهي مناسبة لنثمن فيها الإشارة الملكية بإعادة التأكيد على أنكم رئيس الحكومة، وما تضمنه ذلك من رمزية باحترام الدستور وإرادة الناخبين المغاربة، وبالتالي تأكيد جلالته على ان الاختيار الديمقراطي ثابت دستوري من ثوابت الأمة. لأجل ذلك، انتظرنا هذا التعديل الحكومي على أحر من الجمر، لنمحص النظر في تقاسيم وجوه هذه الكفاءات الوطنية العالية، غير أن أملنا خاب بعد أن خرجت الحكومة الجديدة من عنق الزجاجة، حيث صدمنا بحكومة أقل ما يقال عنها كونها فاقدة للمشروعية السياسية والتنظيمية، إلى درجة أصبح معها الجميع يتساءل باستغراب: كيف فسرتم مفهوم الكفاءة الوطنية التي ستحل الأزمة عوض أن تسكنها وتزيد من عمرها؟ الكفاءة الوطنية التي ستنفذ البرنامج الحكومي الغارق في الصراعات؟ السيد رئيس الحكومة كنا ننتظر في فريق الأصالة والمعاصرة حل الأزمة بطريقة مختلفة وبأشخاص مختلفين، حل يقطع مع منطق وطبيعة الحكومة السابقة التي أثبت أداؤها أن ما يميزها هو التشتت وغياب الانسجام بين مكوناتها، بل أكثر من ذلك هناك اتهامات واتهامات مضادة إلى درجة تبادل النعوت القدحية فيما بينها، فكان تحالفا داخل التحالف، بل تحالف ضد هذا الحزب أو ضد ذاك، فما اجتمعتم يوما كأغلبية إلا لتتصارعوا، واليوم، وباحتفاظكم برؤوس الصراع، برؤوس خلافات مرحلة تعيينكم كرئيس للحكومة، بالرؤوس المتجسدة في وزراء يعتبرون أنفسهم سوبر وزراء، تكونون قد نقلتم الخلاف المبني على الحسابات الإنتخابوية إلى ساحة الحكومة الحالية، مع ما سيجره ذلك من خيبات وفشل منتظر. السيد رئيس الحكومة في الوقت الذي كنا نأمل فيه العمل على تجاوز هذا التشتت بين أحزاب الأغلبية المتناثرة لتسريع تنفيذ البرنامج الحكومي، جعلتم الحكومة الجديدة لا تعيش الشتات السياسي فحسب، بل تحولت إلى جزر شخصيات مالية ذات بعد هيمني، فباتت حكومتكم تتكون من رئيس للحكومة يستمد سلطته من الدستور، ورئيس حزب يحاول تقاسم رئيس الحكومة سلطات قيادة هذه الأخيرة بشكل هيمني، ووزير واحد لكل حزب، و13 وزيرا تقنوقراطيا، منهم 9 وزراء تقنوقراط مباشرين و4 تمت صباغتهم. تائهين في تصريحات بالانتماء لهذا الحزب أو ذاك. السيد رئيس الحكومة؛ إننا في فريق الأصالة والمعاصرة نعتبر إفراطكم في التقنوقراط، ضربا مباشرا لمضامين الدستور، لاسيما فصله السابع الذي ينص على « دور الأحزاب السياسية في تأطير المواطنات والمواطنين ودورها في تدبير الشأن العام، « . وهو ضرب أيضا لمضمون الفصل 11 من الدستور الذي ينص على أن « الانتخابات الحرة والنزيهة والشفافة هي أساس مشروعية التمثيل الديمقراطي ». إن انضمام التقنوقراط بهذا الكم الهائل للحكومة – والذين بالمناسبة لا نمانع في انتمائهم للحكومة ولكن ليس بهذا الشكل وبهذا الحجم الذي جعله يسائلكم عن صدقية برنامجكم الانتخابي الذي نص على تمسك حزبكم بالمشروعية الدستورية واحترام الاختيار الديمقراطي، غير أنكم استكنتم إلى اختيارات تهم الأشخاص ولا تهم القوى السياسية التي انتخبها الشعب، وتناقضتم وبرنامجكم الانتخابي الداعي إلى « بلورة صيغ جماعية لتقوية مواقع الإصلاح وإسناده سياسيا » فهل في رأيكم، بهؤلاء التقنوقراط ستسند الحكومة سياسيا؟ السيد رئيس الحكومة؛ كنا ننتظر منكم، احتراما لذكاء المغاربة، أن تشرحوا للرأي العام الذي انتخبكم طبيعة تصوركم لمفهوم الكفاءة في ظل احترام وصيانة الاختيار الديمقراطي، أما الآن وقد أصبحنا أمام واقع غالبية الحكومة من التقنوقراط، فإننا نتساءل عن حدود مسؤوليتهم السياسية كمدبرين حكوميين لقطاعات اقتصادية واجتماعية وسياسية هامة؟ وبتنا نكتوي بنار التساؤل الكبير: هل وقف النضال الديموقراطي الحزبي عند باب تعديل الحكومات؟ أم أن الحكومات أصبحت خارجة عن ثابت الاختيار الديمقراطي باعتباره أحد الثوابت العامة للأمة؟ السيد رئيس الحكومة؛ إن للناخبين المغاربة الحق في أن يكونوا ممثلين داخل كل حكومة ستدبر شأنهم العام، وبالتالي من حقهم وحقنا أن نخشى على العملية الديمقراطية، نحن لا نحاسبكم على اختيار الأشخاص، فهذه سلطتكم الدستورية المطلقة باعتباركم رئيسا للحكومة، ولكننا نرفض تقزيم دور الأحزاب السياسية في خلق حكومة وفقا لنتائج الانتخابات، وما إعمال الفصل 47 من طرف جلالة الملك إلا إشارة منه على احترام إرادة الناخبين والتي تقوم على أساس الانتخابات الحرة والنزيهة. السيد رئيس الحكومة؛ كنا في فريق الأصالة والمعاصرة ننتظر منكم أن توضحوا للمغاربة سبب هذه الاختيارات في التعديل الأخير، هل لأن الوزراء السابقين كانوا غير أكفاء ولا يساهمون في الإصلاح؟ أم أن هناك اعتبارات أخرى أنتم تعلمونها ونحن لا نعلمها؟ رغم أننا في الحقيقة لا نأسف على ذهاب بعض من الوزراء لكونهم كانوا مجرد عبئ سياسي سلبي على حكومة جلالة الملك التي في خدمة الشعب المغربي ونستغرب من بقاء وزراء آخرين صدرت في حقهم تقارير سلبية من مؤسسات دستورية.. إن ما يخيفنا اليوم هو أن تقزم الأحزاب، ويهمش دورها لفائدة قوى أخرى غير مرئية، تفتقد لذلك الخيط الناظم لتصورنا السياسي، فمن الصعب أن نكون ديموقراطيين بلا أحزاب، وحتى ديموقراطيين بدون أن تتحمل الأحزاب مسؤوليتها في إدارة الشأن العام، ومن الخطر على الديمقراطية أن تنعت الأحزاب بأنها لا تملك الكفاءات، فهل الرسالة التي ترغبون في توجيهها لملايين المغاربة الذين أمنوا بالانتخابات هي كون النخب الحزبية تفتقد للكفاءة؟ وأن التقنوقراط هم الكفاءات التي تكتشف موقعها في السلطة بشكل مباشر وبدون أحزاب؟. السيد رئيس الحكومة؛ إننا في فريق الأصالة والمعاصرة آثرنا أن نلفت انتباهكم إلى أهمية البناء والاختيار السياسي الديمقراطي للحكومة داخل البرنامج الحكومي، وإلى دوره في نجاح أو فشل حكومة « الكفاءات »، وآثرنا هذا التأسيس لنقول لكم: والآن، على أي برنامج سياسي سنحاسبكم؟ بعدما نصبناكم برلمانيا على برنامج سياسي ووزراء بانتماءات سياسية مدركين لتوجهاتها ومستوعبين لخياراتها؟ إننا، كمعارضة وكمراقبين، أمسينا تائهين وضائعين بين أسماء وشخصيات، بين اختيارات وزارية لا نعرف منطلقاتها ولا مشروعيتها ولا الهدف من إدماجها في جهازكم الحكومي، وما إذا كانت لا تزال مؤمنة بأولويات البرنامج الحكومي؟ أم بالبرنامج الحكومي أصلا؟ إننا في فريق الأصالة والمعاصرة نتمنى صادقين تدارك ذلك في حواراتنا السياسية مع الأحزاب خارج هذه القبة، أو في لقاءاتنا مع الوزراء التقنوقراط داخل اللجن عند مناقشة القانون المالي وغيره من القوانين، لعلنا نتلمس توجهاتهم كمسؤولين عن السياسة القطاعة في تنزيل البرنامج الحكومي الذي هو موضوع التزام وتعاقد سياسي بيننا وبينكم. السيد رئيس الحكومة؛ إن اختلالات التعديل الحكومي الأخير، لم تقف عند حدود الرسائل السلبية التي وجهتموها على مستوى الاختيار الديمقراطي، بل انتقلت إلى مواضيع وهيكلة هذا التعديل التي كانت رسائلها سلبية كذلك. فبعدما بات هناك شبه إجماع من لدن كل القوى على فشل نموذجنا التنموي الذي انعكس على وضعنا الاقتصادي المتأزم، اعتقد معه الجميع أن التعديل الحكومي سينصب لا محالة على القطاعات المتأزمة كالصناعة والفلاحة والتجارة والسياحة وغيرها، فإذا بنا نتفاجأ بأن التغيير هم الثقافة والشباب والرياضة وكأن فشل المنتخب الوطني لكرة القدم كان حاسما إلى جانب الفشل الاقتصادي والتنموي برمته، لنغير داخل المنصب الوزاري للرياضة، ونهمل الجانب الاقتصادي بكل مكوناته الفلاحية والتجارية والمالية، في حين هو موضوع الفشل الحقيقي. وفي ذات السياق، نعلم في فريق الأصالة والمعاصرة أن أي تعديل حكومي يكون بناء على خطوات استباقية، وترتيبات واضحة بشأن مصير القطاع ومصير العاملين به، وهو ما لم يحصل على مستوى وزارة الاتصال، حيث لم تصدر الحكومة مرسوم اختصاصات هذا القطاع سوى بعد أسابيع من وضعية القلق وتيهان الموظفين والعاملين والمتعاملين مركزيا وجهويا مع القطاع، كما هو مصير المساءلة السياسية لنا كنواب الأمة على مستوى الإعلام والاتصال خاصة الإعلام العمومي الممول من جيوب دافعي الضرائب. السيد رئيس الحكومة يبدو أننا دخلنا مرحلة الارتجالية، أو كما عبر عن ذلك وزير الاقتصاد والمالية خلال تقديمه لمشروع القانون المالي الأسبوع الماضي، بوصفه بأنه قانون مالي انتقالي، نعم انتقالي في حكومة تصرح بأنها حكومة استمرارية، نعم انتقالي لأنه لم يعد يرتكز على البرنامج الحكومي ولا على أولوياته، إنما بات يرتكز على الحلول الترقيعية الآنية لتهدئة وتمديد الأزمة، اللهم إذا كانت هذه الحكومة، التي لم يتبق لها سوى قانون مالي واحد، قادرة على تحقيق المستحيل في زمن ولّت فيه المعجزات. في الأخير، السيد رئيس الحكومة، ونحن نستحضر ما ظللتم ترددونه في خاتمة برنامجكم الحكومي بكون « نجاح تنفيذ البرنامج الحكومي رهين بتوفير التزام سياسي قوي وهو ما يجسده ميثاق الأغلبية« ، نتساءل معكم: هل تشعرون اليوم وبكل صدق أن أحزاب الحكومة ملتزمة سياسيا معكم وبشكل قوي؟ وهل فعلا ميثاق الأغلبية يجسد هذا الالتزام؟ نريد جوابا من عندكم، أما التاريخ فقد نطق بحكمه. ختاما، ورغم كل ذلك، فإننا في فريق الأصالة والمعاصرة نتمنى لكم كامل التوفيق في مهامكم تحت الرعاية المولوية السامية لصاحب الجلالة نصره الله، لما فيه مصلحة جميع المغاربة، وقبل أن أختم يسعدني أن أوجه مجددا تحياتي إلى القوات الملكية المسلحة، والدرك الملكي، والامن الوطني، والقوات المساعدة، والوقاية المدنية، لما يبدلوه من تضحية وطنية ومهنية عالية في الحفاظ على أمن واستقرار وسلامة الوطن والمواطنين.