لو كنا في بلد القانون، لما اعتقلوا صحفية ب » محض الصدفة ».. لو كنا في بلد القانون، لما اعتدوا على سلامتها البدنية والمعنوية.. لو كنا في بلد القانون لما عاملوها معاملة لا إنسانية ومهينة وحاطة بالكرامة الإنسانية.. لو كنا في بلد القانون لما اعتقلوها واحتجزوها وأدانوها خارج الحالات المنصوص عليها في القانون.. لو كنا في بل ديمقراطي فيه فصل حقيقي للسلط واستقلال حقيقي للقضاء، لما كانت هنالك قضية هاجر الريسوني، قضية مخزية وجهت ضربة موجعة لصورة المغرب على الساحة المحلية والدولية.. قضية جعلت من هذه الصحفية أيقونة عبر العالم بأسره.. أيقونة حظيت بدعم عشرات الآلاف من المواطنين عبر القارات الخمس.. أيقونة دعمتها وآزرتها جميع منظمات حقوق الإنسان ومئات منظمات المجتمع المدني .. أيقونة تصدرت عناوين الصحف الدولية الكبيرة التي بادرت إلى دعمها دعما لامشروطا، بما فيها نيويورك تايمز، وواشنطن بوست، ولوموند، والباييس وآخريات كثيرة غيرها.. وقد كانت اللازمة بالنسبة لكل هذه الصحف، هي هي نفسها: « قضية هاجر الريسوني أعادت المغرب إلى القرون الوسطى وإلى محاكم التفتيش، كما أنها أساءت كثيرا إلى صورة العاهل المغربي على الصعيد الدولي، سيما بعدما كان الناس في الخارج ينظرون إليه كقائد دولة حديثة تقدمية متشبثة بحقوق المرأة ومؤمنة بمساواتها مع الرجل. » وفوق هذا كل هذا الذي قيل وما سيقال لاحقا، فإن المملكة مقبلة على تنظيم يومي 21 و 22 أكتوبر من الشهر الجاري المؤتمر الدولي الثاني حول العدالة بمراكش، وهو مؤتمر سيشهد مشاركة 83 دولة، و 1500 محاضر، وستقوم بتغطية أشغاله زمرة من كبار الصحفيين القادمين من مختلف أنحاء المعمور.. وهذا يعني أن المشكل الذي ستواجهه السلطات المغربية يتمثل في كونها غير مستعدة لرؤية مئات المتظاهرين الغاضبين أمام أبواب قاعات المؤتمر وهم يرفعون صور هاجر الريسوني إلى عنان السماء، مطالبين بإطلاق سراحها ومنددين بالظلم الصارخ الذي ذهبت ضحيته.. إنها إكراهات شتى دفعت الملك للتدخل وإعلان العفو عن المرأة المظلومة وعن الأشخاص الذين جرفهم التيار المخزني معها.. وهذا لا يعني أن الاعتبارات الإنسانية لم يكن لها نصيب في القرار الملكي.. كما تجدر الإشارة إلى أن الملك كان حريصا على تبرير قراره ولو بكيفية ضمنية، ذلك أن نص العفو كما أوردته وزارة العدل، يكشف أن الكلمات والعبارات المستعملة تم اختيارها بعناية قائقة، إذ ورد فيه أن خطيبان كانا على أهبة الزواج، ما جعل التأكيدات الواردة في محاضر الشرطة القضائية ومزاعم وكيل الملك وما أكده في بلاغه الشهير كحقائق لا جدال فيها، والذي استهله بهذه الجملة التي ستبقى خالدة في سجلات العدل المغربي: » لقد ألقي القبض على هاجر الريسوني بالصدفة « … جعل كل ذلك باطلا صراحا تتقزز منه النفس ويشمئز منه الضمير.. كما أنه من خلال العفو عن الطبيب المدان، أصبحت الخبرة الطبية التي حاجج بها المدعي العام بثقة نفس زائدة، باطلة بطلانا مبينا.. وبهذه التفاصيل التي أوردناها، يكون الملك قد بدأ أولا بتكذيب المدعي العام، والشرطة القضائية، والقضاة الذين أدانوا هاجر الريسوني ومن معها، ثم قام بعد ذلك بصلبهم جميعا على صليب الحقيقة المرة المخزية.. كما أنه أرسل في طيات كل ذلك تحذيرا خطيرا إلى المدعي العام عبد النبوي الذي أصبح بالتواطؤ مع أجهزة الأمن، يميل إلى احتجاز المواطنين والمواطنات بنية تحويلهم إلى سجناء في حالة سراح مؤقت.. غير أن الإفراج عن هاجر الريسوني وأصدقائها لا ينبغي أن يعني إغلاق الملف ونفض اليد منه، لأن الملك أصر في خطابه أمام البرلمان على ربط المسؤولية بالمحاسبة، وهو مبدأ ينبغي أن يطبق في حالة هاجر الريسوني، إذ من الضروري والمؤكد أنه ينبغي تحديد المسؤوليات في هذا الإخفاق القضائي الذريع، ومعاقبة أولائك الذين فشلوا في أداء واجباتهم، ومارسوا من بين ما مارسوه، الشطط في استعمال السلطة. أجل.. يجب أن تكون هنالك محاسبة قضائية صارمة لجميع من تسببوا في هذه الفضيحة النكراء، ابتداء من المسؤولين عن الشرطة القضائية ومرورا بوكيل الملك ثم انتهاء بالقضاة الذين قضوا بما شوهوا به صورة المغرب ولطخوا سمعته في الداخل والخارج وجعلوا منه طرفة يتندر بها الأصدقاء قبل الأعداء في كل المحافل الدولية… إن لم يكن هذا جزاء وفاقا على هذه الفضيحة المدوية التي كنا من أغنى الأغنياء عنها، فسيكون العفو الملكي ناقصا وبطعم الحقيقة المرة التي لم تنجل عنها كل الملابسات…