خطوة مختلفة تزعج الرئيس الأمريكي وربما تهدد منصبه، تمثلت في إعلان رئيسة مجلس النواب الديمقراطية نانسي بيلوسي أنّ البلاد تمرّ ب «أزمة دستورية» بسبب رفض دونالد ترامب التعاون مع التحقيقات التي تجريها لجان في الكونغرس بمجلسيه، ولا سيّما بشأن التدخّل الروسي في الانتخابات الرئاسية. وقدم برلمانيون ديمقراطيون ومنظمات تقدمية، الخميس 9 ماي 2019، عرائض وقّعها في المجموع أكثر من 10 ملايين شخص يطلبون من الكونغرس إطلاق إجراءات عزل الرئيس الجمهوري دونالد ترامب. وحسب موقع وكالة afp، عرض النائبان رشيدة طليب وآل غرين وممثلو عدد من المنظمات، بينها «موف اون» و «ويمنز مارش»، أمام مبنى الكونغرس مفتاح «يو إس بي» يتضمن هذه العرائض. وأمام لوحة كتب عليها «ترامب يجب أن يرحل»، قال غرين: «لدينا بين أيدينا عشرة ملايين سبب لأن نكون هنا اليوم». من جهتها، صرحت رشيدة طليب التي تدعو إلى إقالة ترامب منذ أشهر: «في مواجهة هذه الحقبة، هذه الحقبة القاتمة لبلدنا، حان الوقت، من وجهة نظري، للكفاح». وكانت طليب العضو في مجلس النواب منذ يناير، قدمت مشروع قرار يدعو اللجنة القضائية إلى التحقيق لمعرفة ما إذا كان الرئيس ارتكب أفعالاً تبرر بدء إجراءات لعزله. وفي مواجهة الجناح التقدمي للحزب، يتبنى القادة الديمقراطيون موقفاً أكثر اعتدالاً، مؤكدين أن إجراءات العزل التي لا تتمتع بالشعبية حسب استطلاعات الرأي، يمكن أن تؤدي إلى انقسام في البلاد التي يبلغ عدد سكانها 325 مليون نسمة، مع اقتراب موعد الانتخابات التي ستجرى في 2020. ولم تستبعد رئيسة مجلس النواب الأمريكي الديمقراطية نانسي بيلوسي البدء بإجراءات عزل الرئيس، لكنها أوضحت أن العزل هو أحد الأشياء الأكثر إثارة للشقاق التي يمكنك القيام بها، وهذا الأمر يقسّم البلد ما لم يكن لدينا ملف نقدّمه بوضوح شديد للشعب الأمريكي. منذ صدور تقرير المحقق الخاص روبرت مولر بشأن روسيا والذي رسم صورة من الأكاذيب والتهديدات والارتباك في البيت الأبيض تحت قيادة الرئيس دونالد ترامب تتردد جملة «المساءلة بهدف العزل» في الكونغرس الأمريكي. يقول بعض الديمقراطيين إن محاولة عزل ترامب من منصبه إهدار للوقت، لأن مشرعي الحزب الجمهوري الذي ينتمي له يتمتعون بأغلبية في مجلس الشيوخ، بينما يرى ديمقراطيون آخرون أن عليهم التزاماً أخلاقياً بالسعي لإقالته على الأقل، على الرغم من أن مولر لم يتهم ترامب بالتآمر مع روسيا في انتخابات 2016 أو عرقلة سير العدالة. وسواء قرر الديمقراطيون أن يسلكوا هذا الطريق الذي ينطوي على مجازفة أم لا، فيما يلي كيف تسير إجراءات المساءلة بهدف العزل. ينص الدستور على أن بوسع الكونغرس عزل الرئيس من منصبه لارتكابه «الخيانة العظمى أو تلقيه رشوة أو أي جرائم وجنح كبرى». ليس واضحاً ما الذي يعنيه ذلك على وجه التحديد. وقبل أن يصبح رئيساً في 1974 خلفاً للجمهوري ريتشارد نيكسون الذي استقال بسبب فضيحة ووترجيت، قال جيرالد فورد: «المخالفة الموجبة للمساءلة هي ما يعتبره أغلبية أعضاء مجلس النواب مخالفة في أي مرحلة من التاريخ». وقال فرانك بومان أستاذ القانون بجامعة ميزوري ومؤلف كتاب يطرح في الأسواق عن تاريخ إجراءات المسألة، قال إن بوسع الكونغرس البحث فيما هو أبعد من القوانين الجنائية لتعريف «الجرائم والجنح الكبرى». وأضاف أن هذا تاريخياً يمكن أن يشمل الفساد وانتهاكات أخرى، منها محاولة عرقلة سير الإجراءات القضائية. عادة ما يفسر تعبير إجراءات المساءلة بهدف العزل على أنه مجرد عزل رئيس من منصبه لكن هذا ليس دقيقاً. من الناحية الفنية تشير تلك الإجراءات إلى موافقة أعضاء مجلس النواب البالغ عددهم 435 على توجيه اتهامات رسمية إلى رئيس. يمثل مجلس النواب جهة الاتهام ويصوت على ما إذا كان سيوجه اتهامات معينة. وقرار الاتهام هو بمثابة لائحة الاتهام في القضايا الجنائية. ويجب التصويت بأغلبية بسيطة في مجلس النواب لتبدأ الإجراءات. حينذاك يبدأ مجلس الشيوخ المحاكمة. ويمثل أعضاء مجلس النواب الادعاء بينما يمثل أعضاء مجلس الشيوخ هيئة المحلفين. يقود رئيس المحكمة العليا الأمريكية المحاكمة. وينبغي التصويت بأغلبية الثلثين في مجلس الشيوخ المكون من 100 عضو لإدانة الرئيس وعزله. استقال نيكسون عام 1974 حتى لا يواجه إجراءات المساءلة. وأجرى مجلس النواب مساءلة للرئيسين أندرو جونسون عام 1868 وبيل كلينتون في 1998 لكنهما استمرا في منصبيهما بعد أن برأهما مجلس الشيوخ. وكانت عرقلة سير العدالة إحدى التهم الموجهة لكلينتون الذي واجه اتهامات بالكذب تحت القسم بشأن علاقته مع المتدربة في البيت الأبيض مونيكا لوينسكي. كما وردت تهمة عرقلة سير العدالة في قرار مساءلة نيكسون. قال ترامب على تويتر إنه سيطلب من المحكمة العليا التدخل إذ حاول الديمقراطيون اتخاذ إجراءات لإقالته. لكن بومان قال إن الآباء المؤسسين رفضوا بوضوح أن تكون الإدانة من مجلس الشيوخ قابلة للطعن عليها أمام القضاء الاتحادي. وأضاف: «قرروا بوضوح شديد أن هذه عملية سياسية، وأنه حكم سياسي بحت». ومضى قائلاً: «لهذا حين يطرح ترامب مسألة أن هناك علاجاً قضائياً لإجراءات المساءلة فإنه مخطئ». في القضايا التي تنظرها المحاكم الجنائية يطلب من هيئة المحلفين إدانة المتهم في حالة واحدة هي «وجود دليل لا شك فيه» وهو معيار صارم جداً . لكن إجراءات المساءلة مختلفة. يقول بومان إن بوسع مجلسي النواب والشيوخ «اتخاذ القرار بناء على عبء الإثبات الذي يريدانه مهما كان». وأضاف: «ليس هناك اتفاق على ماهية عبء الإثبات». في الوقت الحالي هناك 235 ديمقراطياً و197 جمهورياً وثلاثة مقاعد شاغرة في مجلس النواب. نتيجة لذلك تستطيع الأغلبية الديمقراطية التصويت لصالح مساءلة ترامب دون أي أصوات من الجمهوريين. عام 1998 حين تمتع الجمهوريون بأغلبية في مجلس النواب صوتت أغلبية المجلس مؤيدة لمساءلة كلينتون وهو ديمقراطي. وفي مجلس الشيوخ حالياً 53 جمهورياً و45 ديمقراطياً ومستقلان عادة ما يتخذان نفس موقف الديمقراطيين في التصويت. وتتطلب إدانة الرئيس وعزله 67 صوتاً وهذا يعني أنه حتى تتخذ إجراءات لإقالة ترامب فينبغي أن يصوت 20 جمهورياً على الأقل وجميع الديمقراطيين ضده. إذا أدان مجلس الشيوخ ترامب وعزله من منصبه فإنه سيصعد نائبه مايك بنس ليكمل ولاية ترامب التي تنتهي في 20 يناير