بعث الصحافي توفيق بوعشرين، ناشر صحيفة »أخبار اليوم » و « اليوم 24 » رسالة من داخل سجنه بعين البرجة بالدار البيضاء إلى المشاركين الندوة العلمية التي نظمت مساء أمس بالرباط من طرف لجنة الحقيقة والعدالة في هذا الملف. الرسالة تلاها شقيق بوعشرين على المشاركين في هذه الندوة بكثير من الحزن وهو يذرف الدموع بين لحظة وأخرى وإليكم الرسالة كاملة . : السلام عليكم من محنة لا سلام فيها توفيق بوعشرين شكرا لهذا الجمع الكريم الذي التأم اليوم ليسمع صوت الحقيقةفي هذه المحاكمة التي ستسجل في دفاتر التاريخ الاسود لعلاقة الصحافة بالسلطة و الرأي. لقد كان اختياركم موفقا لتسمية هذه الهيئة الوطنية باسم العدالة والحقيقة. وانا لا أطلب أكثر من نور الحقيقة في هذا الظلام وإنصاف العدالة من هذا الجور. أنا لا أطلب منطق القبيلة التي تنصر أخاها ظالما أو مظلوما. أيتها الحقوقيات.. أيتها الحقوقيون.. زميلاتي.. زملائي.. أيتها الفاضلات.. أيها الفضلاء.. إن مهندس هذه المؤمراة أرادها عملية اغتيال معنوي نظيفة. أراد ذبحي ومنع الرأي العام من التعاطف معي بلا ذرف الدموع علي. لهذا طبخ المؤامرة على نار هادئة منذ سنوات. وكان يهيئ الضربة القاضية لصحافي لم ينفع معه إغواء المال وغرامات الأحكام ولا غلظة عصا السلطة. لقد أدليت بروايتي أمام المحكمة وبسطت بالدليل ان هذه مؤامرة كانت معدة قبل شهور من تقديم شكايات نسوة جعلوهن حطبا رطبا لإشعال النار في جسمي وسمعتي و استقرار عائلتي. وبسط دفاعي المحترم بشجاعة و مهنية عشرات الخروقات القانونية الجسيمة التي عرف هذا الملف وأطاحت بقرينة البراءة و بضمانات المحاكمة العادلة وبشروط المسطرة الجنائية في الاعتقال والحجز والتفتيش والاستنطاق وصولا إلى تزوير المحاضر والتلاعب في وسائل الإثبات والضغط على المصرحات لدفعهن لإدانتي بالزور. بالله عليكم، هل سمعتم من قبل عن محكمة تجر الضحايا المفترضات بالقوة العمومية للحضور الي المحاكمة من أجل مواجهة المتهم الموجود رهن الأعتقال. إن فرار تسع نسوة من حضور المحاكمة هو الدليل القاطع على براءتي و على عدم اتهامي بأي شيء من قبلهن، ولأن ثقتهن في عدالة بلادهن تقارب الصفر وخاصة بعدما شهدن كيف تعرضت الشجاعة عفاف برناني إلى محاكمة سريعة وظالمة لأنها تجرأت على فضح المؤامرة و على رفع صوتها بالقول: « ضميري لا يسمح لي بالشهادة بالزور على توفيق بوعشرين ». وقد أصيب الجميع بالصدمة عندما وقفت هذه المرأة الحرة امام المحكمة وقالت للقاضي « إن الشرطة القضائية زورت أقوالي »، والتفتت إلي وهي رافعة شارة النصر. إن مداهمة مكتبي بكومنذو يتكون من 40 عنصرا كان هدفه إحداث الصدمة والتغطية على عملية دس الفيديوهات المفبركة في مكتبي لمواجهتي بها. وعدم أخذ البصمات من المحجوز كان مقصودا لإتلاف كل دليل يقود إلى صاحب الأجهزة الحقيقي، واعتقالي التحكمي لمدة أربع اشهر هدفه منعي من إظهار براءتي ومحاصرتي في السجن بالعزلة التامة والمنع من الاتصال بالبشر وحرماني من حق مراسلة عائلتي فيما يشبه ظروف السجن في القرون الوسطى، حيث الهدف من الاعتقال هو الانتقام و التعذيب النفسي ودفع المعتقل إلى حافة الانهيار. سيداتي.. سادتي.. التهمة الوحيدة التي أعترف بها هي أني رفضت الاتجار بالقلم ورفضت ان ادخل الى الصف و رفضت ان أعزف اللحن الوحيد المسموح به في المشهد الصحافي في البلاد وهو لحن مكون من المقاطع التالية: « عري عورة المجتمع.. غطي على عورة السلطة.. عارض الحكومة ووال الحكم « الموالاة ».. حول المؤسسة الصحفية إلى شركة همها الربح وهاجسها الخسارة و أعطى للمعنى الكلمة الاخيرة في المنتوج الصحافي. فتنوع وسائل الاعلام لا يعني تعددا في خطوط التحرير وفي زوايا معالجة الاحداث. فأنتم امة صحافية واحدة و أنا « السلطة » ربكم فاعبدوني. هذه هي ثوابت مشهدنا الاعلامي مكتوبة و مسموعة و مرئية. ومن يخرج عن هذه الثوابت يراق دمه و يصبح شرفه وكرامته حلالا على كتائب الآلة الاعلامية التي تتحرك بدون قيد مهني أو أخلاقي أو حتي إنساني. إني و منذ أربعة أشهر وأنا أتعرض الى حملة تشهير غير مسبوقة في تلفزات الدولة وفي إعلام متعهدي حفلات أكل اللحم البشري بدون مراعاة لقرينة البراءة التي أول من خرقهاهو وزير حقوق الانسان مصطفي الرميد الذي طاف على وزراءالحكومة بمحاضر الشرطة حتى قبل أن أمثل امام القاضي الجنائي. لقد خاف الوزير على مقعده الصغير في الحكومة وخاف أن يحرجه الرأي العام في حزبه وخارج حزبه بالسؤال عن دواعي اعتقال صحافي على طريقة كبار الإرهابيين و عن مآل مشروع إصلاح العدالة أمام انفلات النيابة العامة من كل عقال. فمال الوزير الى الترويج للرواية ''البوليسية'' حتي لا يدخل معها في تناقض ناسيا ان الدفاع عن حقوق الانسان يبدأ باحترام قرينة البراءة واحترام كل شكليات القانون قبل جوهره وصولا إلى تأمين محاكمة عادلة. لست وحدي من تعرض إلى الترهيب بل إن دفاعي أيضا نال نصيبه من التنكيل، حيث جرى متابعة النقيب زيان أكثر من مرة، وجرى كتابة تقارير بآخرين لدفعهم للتخلي عن مؤازارتي. انهم يريدون محاكمتي بلا دفاع و بلا ضجيج وبلا تعاطف و بأقل قدر من الخسائر. لكن هذا ليس بيدهم ما دام هناك أحرار مثلكم يبحثون عن الحقيقة و ينتصرون للعدالة و يهزمون الخوف الذي يريدون ان يجعلوه دستورا.