في هذه الحلقة يعود انياس دال لعلاقات الحسن الثاني التي راكمها داخليا وخارجيا، وكيف برع في استخدامها لترتيب بيته الداخلي، ولإحكام قبضته على الداخل. أفتح الآن باب الحديث عن علاقات الحسن الثاني بالمغرب والمغاربة، وبالضبط عن كيف استطاع، في ظرف 15 سنة، أن يحكم البلاد بيد من حديد. لم يكن عند الحسن الثاني، قبل المسيرة الخضراء وبعدها، ميْل إلى التدبير، رغم توفره على بعض الأفكار الثابتة عن كيفية تنمية المملكة وتطويرها. ثم إن التناوب الذي فرضه بعد 37 سنة من الحكم الفردي لمْ يأت بشيء جديد فعْلا. لقد عمل الحسن الثاني كثيرا على مخْزنة زعماء الأحزاب السياسية التاريخية الذين شلهم وجعلهم ينغلقون مكتفين بإصلاحات صغيرة بعيدة كل البعد عن انتظارات المغاربة الذين ما انفكوا يؤمنون بفضائل السياسة. وعن علاقات الراحل الدولية، وحتى لا أتيه في خريطة العالم، سوف أقتصر على الحديث عن العلاقات التي أقامها مع أربع دول: مع فرنسا أولا، لكونه ربط معها طيلة حياته علاقات قوية، هي علاقات صراع وصداقة في الوقت نفسه.إضافة إلى الجزائر في المقام الثاني. وفي هذا السياق، فإن الراحل ريمي لوفو، في كتابه «الفلاح مدافعا عن العرش»، قال إنه لكي يفهم المرء الحسن الثاني وسياسته فهما جيدا، عليه الانكباب على علاقته بالجزائر. وفي السنوات الأخيرة من حياته، تابع جاره الفضولي، الذي كان متورطا في حرب أهلية مهولة. ورغم خوْفه من انتقال العدوى إلى المغرب، فإن تلك الأحداث المأساوية أقنعته بأن المغرب، تحت قيادته، قد عرف كيف يدبر، على الوجه الأفضل، فضاءه الديني، وكيف يتجنب أوضاعا سيئة بإبعاده فكرة الحزب الوحيد. بعد ذلك، سوف أعرج على الحديث كذلك عن علاقاته بالولايات المتحدةالأمريكية، التي فكر بصورة غامضة في أن تحتل مكانة فرنسا في الستينيات. وهي محاولة لم تعمر طويلا بسبب انعدام الحماس لدى الإدارة الأمريكية، ثم بسبب استقالة الجنرال دوغول، وتعويضه بالرئيس جورج بومبيدو، الذي كان على الأقل واقعيا. ومع ذلك، فقد كانت المملكة المغربية محاطة بعناية أمريكية خاصة، عملت خلال عدة عقود على تقديم دعم عسكري واقتصادي لا مثيل له في القارة الإفريقية.وفي الأخير، سوف أتحدث عن علاقاته بإسرائيل، التي هزت المملكة كثيرا بإرغامها حوالي 250 ألفا إلى 300 ألف إسرائيلي على الهجرة في اتجاه «الأرض الموعودة» أو العالم الغربي. وقد شكلت هذه الهجرة القوية لفئات دينامية ومصنعة، فضلا عن رحيل الفرنسيين، عائقا إضافيا للمغرب غداة حصوله على الاستقلال. وخلافا لبلدان عربية أخرى تضم أعدادا هامة من الجالية اليهودية، فإن المغرب قد عرف، بعد سنوات من التوتر، كيف يحافظ على علاقات جيدة مع يهوده. وذلك ما سمح للحسن الثاني بلعب دور لا يُستهان به في البحث عن حل سلمي للصراع العربي الإسرائيلي. وسوف نرى كيف كانت لهذا التعاون بين الرباط وتل أبيب، كذلك، نتائج أخرى، وخاصة على الصعيد الأمني، والتي حرص الحسن الثاني على حجبها بكل عناية.وراء مختلف العلاقات التي أقامها المغرب وعاهله مع هذه البلدان الأربعة، تتراءى في الخلفية علاقات أخرى. من بينها ذلك الحضور، في الستينيات والسبعينيات، للقواعد العسكرية الأمريكية في المغرب، والذي لم يكن يستجيب وقتها سوى للرد على الحضور السوفياتي في البحر الأبيض المتوسط. فقد عرف الحسن الثاني، الذي كان كتوما بخصوص هذا الأمر، مثلما كان كتوما في علاقته بإسرائيل، كيف يلعب على هذه المنافسة ويستفيد منها، رغم الإحراج الذي كان يسببه لأصدقائه الأمريكيين. ومن يتذكر اليوم أن موسكو، وعلى حساب واشنطن، قد سلمت المغرب، في بداية الستينيات، صواريخ ودبابات من صنع سوفياتي، على الرغم من أن المغرب لم يكن منتميا إلى الدول المنحازة؟ هناك أيضا الرهان الإفريقي بين المغرب والجزائر من خلال مشكل الصحراء. ففي العديد من المناسبات، وبطلب من واشنطن وباريس، أو على الأقل بالاتفاق معهما، كان المغرب يبعث بتجريدات عسكرية مغربية إلى عدد من بؤر التوتر في إفريقيا. غير أن الأمر هنا يتعلق بعمل دبلوماسي من الدرجة الثانية، مؤطر بعلاقات المملكة بكل من الجزائر وباريس وواشنطن.وفي الأخير، سوف أتوقف عند الحسن الثاني الإنسان. الإنسان العمومي الذي انشغل، إلى حد الهوس، بإعطاء المملكة إطارا مؤسساتيا، بدءا بالدستور الذي كان يضعه على المقاس، ويراجعه باستمرار. وبحكم تكوينه القانوني، والعمل الجبار الذي قام به في البداية من أجل وضع قانون مغربي بمساعدة رجال قانون متمكنين، كان من المنتظر أن يقود البلاد بهدوء في اتجاه ملكية دستورية. غير أن العكس هو الذي حصل.