عبّر العالم العربي والإسلامي عن صدمته من بشاعة المجازر وهمجية التقتيل التي يقترفها تنظيم داعش ضد المواطنين في سوريا والعراق . فالمسلمون لم يألفوا مشاهد قطع الرؤوس بالآلاف وتدمير المساجد والكنائس والمراقد والأضرحة باسم الدين وباسم الله تعالى . هي صدمة مشروعة ناتجة عن جهل بالثقافة الدينية التي تملأ الكتب الفقهية على اختلاف مذاهبها وفرقها والمبثوثة في المكتبات والمقررات الدراسية ، وتعيد الترويج له المواقع الإلكترونية . إنه خزان ثقافي لا ينضب تزخر به كل المكتبات على امتداد العالمين العربي والإسلامي . بل إن المؤسسات التعليمية ، التقليدية والعصرية ، تعيد إنتاج هذه الثقافة الدينية وترويجها بين التلاميذ والطلبة على أنها حقائق دينية يبطل الإيمان بالتشكيك فيها أو برفضها . وخطورة هذه الثقافة أنها تشكل نفسية الناشئة وتتحكم في توجهاتها واختياراتها . فهي ليست معلومات عادية لا يتجاوز أثرها حدود المعرفة ويسمح بنقدها أو تجاهلها ، بل يصير لها مفعول قوي على ذهنية الأشخاص وردود أفعالهم وطريقة تعاملهم مع الآخر . والأخطر أن هذه الثقافة الدينية تخلق استعدادا نفسيا للتطبيع مع الجرائم التي ترتكب باسم الدين . وما تفعله داعش وكل الحركات الدينية المتطرفة هو تحيين تلك الثقافة الدينية وتمكينها من عقول ووجدان الأتباع ، أي أنها تخرجها من حالة الكمون إلى حالة الظهور والتأثير . فداعش هي إنتاج طبيعي للثقافة الدينية التي أنتجتها ظروف تاريخية معينة وصارت ، لأسباب تاريخية أيضا ، دينا من الدين ، بل جوهر الدين . وكل ما فعلته داعش أنها طبقت وتطبق ما هو موجود من عقائد في كتب وفتاوى الأئمة السابقين والشيوخ والدعاة المعاصرين ؛ وهذه بعض الأمثلة من تطبيقات داعش التي هي ، في حكم قيم عصرنا وثقافته الحقوقية والسياسية ، جرائم بشعة ، بينما هي في حكم الثقافة الدينية السائدة شريعة الله تعالى وسنة نبيه عليه السلام: 1 هدم المساجد وتخريب القبور : نقلت المواقع الإلكترونية مشاهد تدمير القبور والأضرحة والمساجد والتماثيل في سوريا والعراق من طرف مقاتلي داعش . استنكر المسلمون الفعل وعدّوه جرما شنيعا واعتداء على حرمة الأموات ومسا بمقدسات الأحياء . طيب ، لنتساءل من أين لداعش بهذه العقائد والممارسات ؟ هل هي اختلاق وبدعة وضلال أو التزام بما شرعنته الثقافة الدينية ؟ أحيل هنا على ما قاله الإمام ابن القيم الذي لا يتهمه مسلم بالغلو والتطرف ولا يُعده أحد من شيوخ داعش ومنظريها . لكنه أسَّس لما تفعله داعش كالتالي : قال الإمام ابن القيم : " ولم يكن من هديه صلى الله عليه وسلم تعلية القبور ولا بناؤها بآجر ، ولا بحجر ولبن ، ولا تشييدها ، ولا تطيينها ، ولا بناء القباب عليها ، فكل هذا بدعة مكروهة ، مخالفة لهديه صلى الله عليه وسلم. وقد بعث علي بن أبي طالب رضي الله عنه إلى اليمن ، ألا يدع تمثالاً إلا طمسه ، ولا قبراً مشرفاً إلا سواه". ثم بين الإمام ابن القيم الحكم في المساجد التي تبنى على القبور فقال : ( وعلى هذا فيهدم المسجد إذا بني على قبر ، كما ينبش الميت إذا دفن في المسجد. نص على ذلك الإمام أحمد وغيره ، فلا يجتمع في دين الإسلام مسجد وقبر) (زاد المعاد 3/572) . هذه الثقافة هي التي تحكمت في فهم المتطرفين للدين وفي تصورها للسلوك القويم وأملت عليهم تدمير القبور والأضرحة والمساجد ، سواء في تمبكتو بمالي حين سيطر الإرهابيون على الشمال ، أو في سوريا والعراق كما فعلوا بقبري النبي يونس والنبي شيت عليهما السلام. فهذه الثقافة الدينية هي التي جعلت المتطرفين لا يرون إلا ما هو "منكر" وفقا لنفس الثقافة التي تجعلهم "آثمين" إن سكتوا عليه . لهذا صار في حكم الواجب على داعش إعمال "اليد" في محاربة المنكر . وطالما داعش تملك القوة والسلطة في المناطق التي تسيطر عليها ، فإن تحطيم القبور وتدمير المساجد هو الفعل الوحيد الواجب في هذه الحالة ؛ أما الاستنكار باللسان وبالقلب فلا يجوز إلا في حالة الضعف وهو ما ليس عليه داعش .
2 بثت مواقع إلكترونية مشاهد بشعة عن إقدام مقاتلي داعش على إحراق عدد من الأشخاص وهم أحياء حتى تفحمت أجسادهم . فهل هي بدعة من الفعل ؟ في حديث لعكرمة أن عليا رضي الله عنه حرق قوما فبلغ بن عباس فقال: "لو كنت أنا لم أحرقهم لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تعذبوا بعذاب الله) ولقتلتهم كما قال النبي صلى الله عليه وسلم (من بدل دينه فاقتلوه) [صحيح البخاري رقم(2854 (3/1098)
وقتل المرتد لم تنفرد بالتمسك به داعش ، بل حتى الدكتور يوسف القرضاوي لم يناقش مضمون الحديث ولا أسانيده ، وإنما زكاه بالقول إن عشرة من الصحابة رضي الله عنهم، وهم: ابن عباس وأبو موسى ومعاذ وعلي وعثمان وابن مسعود وعائشة وأنس وأبي هريرة ومعاوية بن حيدة ، رووا قتل المرتد، ثم قال: "وحديث قتل المرتد رواه جمع غفير من الصحابة، ذكرنا عددًا منهم، فهو من الأحاديث المستفيضة المشهورة.