يعرف الحقل السياسي المغربي عدة متغيرات، خاصة بعد احتجاجات حركة 20 فبراير، والرجة التي أحدثتها على مستوى القيادات الحزبية، مما أعطى معه نوعا جديدا من الزعامات أو ما يسمى بالزعامات الشعبوية. فالممارسة السياسية تبقى في مجملها ضبابية وارتجالية بالنظر إلي كيفية تعامل النخب السياسية مع مفهوم السياسة داخل المجتمع، زد على ذلك أن جل المغاربة ليست لديهم مواقف واضحة تجاه العمل السياسي مما يجعلهم دائما خارج حسابات السياسيين. هذا الواقع أنتج توجها جديدا داخل المممارسة الحزبية المغربية بصعود تيار ما يسمى التكنوقراط، ليس بفرض من الدولة كما كا سابقا ولكن نما هذا التيار داخل الاحزاب نفسها، مما قد يحول معه الاحزاب من محاضن لصناعة النخب إلى شركات لتفريخ التكنوقراط. ويرى عبد المنعم لزعر ، باحث في العلوم السياسية والقانون الدستوري، أنه يصعب « الفصل بين فضاءات الفعل السياسي وفضاءات الفعل التكنوقراطي في السياق المغربي، لأن كل فعل يتغذى على الفعل الآخر، العمل السياسي يتحرك في تطابق مع التجربة التكنوقراطية والتجربة التكنوقراطية تغذي الحياة السياسية حتى غذا الارث والرصيد التكنوقراطي أهم مورد تبحث عنه السياسية ». وتابع في تصريح خص به « فبراير » » وبناء عليه فالمغرب لا يشهد هيمنة ولكن تحالف بين السياسة التي تحولت إلى فضاء وبين مدارس التكنوقراطية التي تغذي هذا الفضاء بالمضمون الذي تحتاجه بالتوازي مع طبيعة الطرفية السياسية ورهاناتها ». ويخلص الباحث في العلوم السياسية إلى أن » المأزق الناتج عن هذا التحالف وهو أن الجميع فقد معناه فلا التكنوقراطي يشتغل كتقنوقراطي ولا السياسي يشتغل كالسياسي الجميع يساهم في بناء وهم السياسة من خلال تدمير معنى السياسي وبناء وهم التكنوقراطية مع تدمير معنى التكنوقراطية ». من جهته، قال أشرف مشاط، باحث في العلوم السياسية والقانون الدستوري بجامعة عبد المالك السعدي بطنجة، »أعتقد أن مسألة هيمنة التيقنوقراط على المشهد السياسي و الحزبي أصبحت تتصاعد تدريجيا و جليا من خلال الاحداث الاخيرة المتواثرة خاصة بعد سقوط حميد شباط من حزب الاستقلال و تعويضه بنزار بركة، و كذا استقالة إلياس العماري من أمانة حزب الأصالة والمعاصرة في انتظار من سيخلفه، بالإضافة للوضع الذي أصبح عليه عبد الإله بنكيران على رأس الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية الذي يعيش وضعا عصيبا بين التمديد له أو الإلتزام بقوانين الحزب الداخلية دون تغيير وهو ما يبعده من رأس الأمانة العامة للحزب ». وتابع في تصريح خص به « فبراير » ولعل السمة الأساسية التي تجمع هؤلاء رموز السياسة هو الخطاب الشعبوي الذي مارسوه بعد وصولهم على رأس أمانات العامة لهاته الاحزاب قبل وبعد مرحلة الربيع العربي، هذا الخطاب الشعبوي لم يتسم بالنجاعة والبراغماتية السياسية الصحيحة بل اتسم في أكثر من مرة بالضبابية والمواقف المتذبذبة و اتباع المصلحة الخاصة عوض المصلحة العامة للحزب مما خلق صراعات داخلية داخل هذه الاحزاب كانت في غنى عنها، وهو ما أدى الى المس بمبدأ استقلالية القرار الحزبي في أكثر من مرة و قد كانت له عواقب سلبية كثيرة ». وخلص المتحدث نفسه إلى أن هذا الوضع » سيجعل المرحلة المقبلة فرصة لشخصيات التكنوقراط الحزبي، من أجل البرهنة على دورهم داخل الاحزاب السياسية عن طريق تفعيل الحكامة السياسية والنجاعة والبراغماتية في العمل السياسي، وهذا ما يشكل تفاعلا مع جل الخطابات الملكية و التي نادت لأكثر من مرة على ضرورة تفعيل الاحزاب لمبدأ الحكامة السياسية ».