توصل موقع "فبراير.كوم" بمقال تحليلي بعنوان "الخطاب الحزبي...أزمة الخطاب أم خطاب الأزمة؟" للدكتور محمد بودن، أستاذ باحث في القانون العام والعلوم السياسية. إن مما له دلالته في هذا الموضوع أن نشير إلى ما تتسم به الثقافة السياسية السائدة في هذه الآونة،من مظاهر تتجلى في تعدد وجوه الخطاب الحزبي، وتأصل ممارسات غير رشيدة ، في ظل وجود نص دستوري متقدم ، ومن حجج هذا الاستنتاج ،ما ورد في جملة من الخطب الملكية الأخيرة التي كانت مصارحة ومكاشفة ومشخصة للإعتلالات، وتجلى هذا الأمر في عدة عبارات تحمل دلالات توحي بتحميل مسؤولية وطنية كبيرة للأحزاب السياسية مثل( تأهيل العمل الحزبي)،( ضرورة اعتماد الحوار البناء، والتعاون الوثيق والمتوازن، بين البرلمان والحكومة)،( ضمان ممارسة سياسية سليمة، تقوم على النجاعة والتناسق، والاستقرار المؤسسي، بعيدا عن تحويل قبة البرلمان إلى حلبة للمصارعة السياسوية)،( أحزاب سياسية قوية)،(اقتراح برامج واقعية)،(تجسيد المسؤولية الوطنية)،فضلا عن حجج أخرى تجد أسسها في ما تعرفه الحياة السياسية من خطاب متأزم، أو حالم بدون أسس ،وغير متسامح ،وثأري أحيانا وهو ما يتجسد بشكل متواترعلى مستوى البرلمان أوأي فضاء سياسي متاح،علاوة على تدني قاموس لغة التخاطب السياسي ،و اشتعال حرب المفاهيم،ناهيك عن ارتفاع منسوب التراشق بالألقاب والنعوت ذات المدلولات السلبية،واتهام كل من سولت له نفسه انتقاد عمل وخطاب الفرقاء السياسيين بالتبخيس واللاديمقراطية، فضلا عن تمظهرات أخرى من قبيل: بروز علاقات ذات طابع عدائي بين أطراف من الأغلبية وأخرى من المعارضة. تأصل ثقافة نفي الأخر واستبعاده لدى فرقاء العمل السياسي،والانفعال بالخارج ومحاولة محاكاته من قبل بعض "النخب الحزبية". بروز "زعامات"حزبية تمجد العنف اللفظي و تقرب في الغالب"النخب" ذات الطبيعة الصراعية إلى محيطها. ثقافة تبالغ في الانتقام من الخصم السياسي عبر الرغبة في تصفيتة معنويا وسياسيا. تدني ثقافة التسامح السياسي، والاعتراف بالأخر السياسي و تثمين منجزاته ،وتقويم نكوصه. محاولة استخدام الماضي السيئ لبعض الأحزاب كورقة ضغط،والتشهير بها عند كل خلاف ينشأ بين بعض الأحزاب. انتهاج بعض الأحزاب لخطاب التأهب و البراغماتية السياسية أكثر من الخطاب الآمن. غياب الثقة السياسية بين فرقاء العمل السياسي،علاوة على تشبع بعض "النخب " بثقافة الاصطفاء السياسي أو العصمة السياسية. انتشار خطاب الهروب وإزاحة المسؤولية عن الذات ورميها على الآخر،علاوة على الارتكان إلى المنجزات اللفظية وما يرتقب أن يكون،أو محاولة الاختباء في منجزات جلالة الملك. خطاب بعض الفاعلين الحزبيين فيه تضييق على المصلحة العامة للوطن عبر التدرع المناسباتي بقيمة الصوت الانتخابي والشرعية الانتخابية،ومحاولة قطع الطريق على كل كفاءة وطنية متحررة من كل التزام حزبي( تكنوقراط) يمكنها الاضطلاع بملفات لا تقبل التأجيل والممارسات السياسوية،وجدير بالإشارة التي تفترضها الضرورة الموضوعية إلى أن الوزراء التكنوقراط في الحكومة الحالية هم الأقل صداميه،والأكثر اتزانا ،ومسؤولية، وتناسبا مع مفهوم رجل الدولة بمفاهيمه العصرية. العنف اللفظي وحدٌة الملامح ، كأساليب للترافع والنقاش،ناهيك عن تحويل البرلمان إلى شكل مؤسسي،ومضمون شبه فرجوي. خطاب يجعل من مقدمات الفعل نتائج له،وبالتالي تضيع النتائج المتوخاة،أو تجهض قبل نضجها. دخول بعض "النخب الحزبية" في مرحلة شرعية اللاشرعية، يدفعهم إلى إثارة الانتباه عبر عدة منبهات،اعتقادا منهم بأن خطهم الخطابي والسياسي الجديد ،سيوًلد لهم شرعية جديدة. خطاب متأثر بعاطفة صاحبه أو محيطه ،ونتائجه في الغالب غير مرجوة،ناهيك عن كونه غارق في شخصنة المؤسسات، ومطبوع بنبرة الأنا. يرتكز خطاب الأغلبية على التبرير والمظلومية (خطاب مجلسي موجه إلى الشارع)،أما المعارضة فتتبنى الخطاب المنبري المندفع،دون إغفال خطاب المعارضة اللامؤسساتية الذي يتسم بالانطلاق من الذات فقط والتمركز حولها. يتميز الخطاب الحزبي داخل المؤسسات وخارجها في هذه الآونة بجملة من المستجدات والمؤثرات الأخرى من قبيل: الشعر الهجائي، لغة الجسد والإثارة ،القهقهة السياسية،تعمد هدر الزمن العام( الزمن التشريعي،زمن البث،زمن المتابعة،...) الذي يعد ثروة لم يتم استشعار أهميتها بعد. يعاني الخطاب الحزبي أزمة حقيقية لها مؤشراتها وملامحها الواضحة بحيث يمارس هذا الخطاب دوره في الترويج للانتخابات قبل أوانها وتحقيق التسلية والفرجة المؤسسية. وتتفاقم أزمة الخطاب الحزبي حينما يفتقد لمقومات التأثير ويبحر في التناقضات وضعف الأداء واللغط والإطناب في اعتماد الأرقام والنسب غير المعبرة،والتبشير بواقع لا يوجد إلا في مخيال بعض "النخب الحزبية" بغرض الكسب السياسي ،مما يجعل الحلم ضائع بين التطلع والإحباط.