من منطلق سرد للحقائق لا إصدارا لأحكام، فإن المشهد السياسي عموما يوحي بأزمة حقيقية على مستوى التنظير قبل الممارسة ، و ديمقراطية الذات قبل الآخر بسبب أزمة الأخلاق وإشكالية بناء شرعية الآلية والمسار ، واختلال ثقافة الالتزام وقيم التعاقد . يقتضي جوهر الديمقراطية تحصين الذات أولا، وبناء أساس متين للأجهزة ينبني على منطق احترام التوجه والأخر أيضا بهدف خلق معارضة نقدية حقيقية داخل الأنظمة الحزبية ،ضمانا لسيادة المناخ الصحيح وانسجام الخطاب السياسي والتيار الإيديولوجي، لكن الأزمة الحقيقية ليست مجرد أزمة تعاقد والتزام بقدر ماهي أزمة شرخ في الجهاز المفاهيمي للأحزاب للسياسية على مستوى الخطاب المتداول . إن الحديث عن إشكالية من هذا القبيل يفرض الاستثناء ، بدون شك فقد استطاعت بعض التوجهات التقدمية المحافظة على وحدة الخطاب وانسجامه، وتحصين ذاتها، وبناء نظامها مما جعل منها قوة اقتراحية لازالت صامدة رغم رياح التغيير التي كادت تعصف بها لولا صمود مرجعيتها . سيظل مشكل عدم احترام مبدأ التعاقد، بسبب اتساع الهوة وانعدام التواصل بين الأجهزة الحزبية و قواعدها، مشكلا يتهدد القوى الحزبية ويجعلها عرضة للانهيار. فتدني ثقافة الانتماء للتيار السياسي وفقدان الثقة فضلا عن العزوف هو الأشد خطرا، إذ ينتج عنه شيخوخة القيادات وانعدام النخب القادرة على استرجاع الثقة الضائعة ، مما يفرض تقوية التواصل وخلق آليات التكوين الذاتي وإعادة الهيكلة على أسس احترام التوجه و المرجعية و المنهج . يحتاج البناء الداخلي للآلة السياسية فتح نقاش داخلي أولا، لأجل القضاء على الأمراض التي لربما يستعصى حلها لو استفحلت ، وحتى تضمن لنفسها البقاء والحضور القوي ضمن قضايا المصير، عليها أن تضع الشأن العام ضمن أولوياتها الكبرى، فصراع المواقع منطقي و مفروض بقوة ، وقد يكون صحيا أحيانا، إذ أنه نتيجة جدلية اليمين و اليسار ، الأغلبية و المعارضة ، تضاد المرجعيات وتصارعها . إن على الخطاب السياسي الراهن، احتراما لمنطق الأولويات، تجديد الاختيارات وتحيين البرامج، واعتماد النقد الذاتي لأجل تطهير الذات، وتقديم التصور البديل للأزمات من خلال رؤية واضحة ترتكز على مقاربة الواقع، بدل إزهاق الجهد والزمن في قضايا هامشية لن تزيد عدا من تعميق الأزمة .