تصعيد خطير.. تقارير عن توغل الجيش الجزائري داخل الأراضي الموريتانية    الأخضر يفتتح تداولات بورصة الدار البيضاء    شركة Apple تضيف المغرب إلى خدمة "Look Around" في تطبيق آبل مابس.. نحو تحسين السياحة والتنقل    السلطات تمنع تنقل جماهير الجيش الملكي إلى تطوان    شركات الطيران ليست مستعدة للاستغناء عن "الكيروسين"    من يحمي ادريس الراضي من محاكمته؟        الموساد يعلق على "خداع حزب الله"    ترامب يؤكد التصدي للتحول الجنسي    حداد وطني بفرنسا تضامنا مع ضحايا إعصار "شيدو"    "إسرائيليون" حضروا مؤتمر الأممية الاشتراكية في الرباط.. هل حلت بالمغرب عائلات أسرى الحرب أيضا؟    اختتام أشغال الدورة ال10 العادية للجنة الفنية المعنية بالعدالة والشؤون القانونية واعتماد تقريرها من قبل وزراء العدل في الاتحاد الإفريقي    أنشيلوتي يشيد بأداء مبابي ضد إشبيلية:"أحيانًا أكون على حق وفترة تكيف مبابي مع ريال قد انتهت"    حكيم زياش يثير الجدل قبل الميركاتو.. الوجهة بين الخليج وأوروبا    توقيف شخص بالبيضاء بشبهة ارتكاب جريمة الإيذاء العمدي عن طريق الدهس بالسيارة    معهد "بروميثيوس" يدعو مندوبية التخطيط إلى تحديث البيانات المتعلقة بتنفيذ أهداف التنمية المستدامة على على منصتها    كيوسك الإثنين | إسبانيا تثمن عاليا جهود الملك محمد السادس من أجل الاستقرار    مواجهة نوبات الهلع .. استراتيجية الإلهاء ترافق الاستشفاء    إنقاذ مواطن فرنسي علق بحافة مقلع مهجور نواحي أكادير        تشييع جثمان الفنان محمد الخلفي بمقبرة الشهداء بالدار البيضاء    هيئة المعلومات المالية تحقق في شبهات تبييض أموال بعقارات شمال المغرب    فريق الجيش يفوز على حسنية أكادير    فرنسا تسحب التمور الجزائرية من أسواقها بسبب احتوائها على مواد كيميائية مسرطنة    وزارة الثقافة والتواصل والشباب تكشف عن حصيلة المعرض الدولي لكتاب الطفل    حفيظ عبد الصادق: لاعبو الرجاء غاضبين بسبب سوء النتائج – فيديو-    فاس.. تتويج الفيلم القصير "الأيام الرمادية" بالجائزة الكبرى لمهرجان أيام فاس للتواصل السينمائي    التقدم والاشتراكية يطالب الحكومة بالكشف عن مَبالغُ الدعم المباشر لتفادي انتظاراتٍ تنتهي بخيْباتِ الأمل    الجزائر تسعى إلى عرقلة المصالحة الليبية بعد نجاح مشاورات بوزنيقة    بلينكن يشيد أمام مجلس الأمن بالشراكة مع المغرب في مجال الذكاء الاصطناعي    الرجاء يطوي صفحة سابينتو والعامري يقفز من سفينة المغرب التطواني    العداء سفيان ‬البقالي ينافس في إسبانيا    مسلمون ومسيحيون ويهود يلتئمون بالدر البيضاء للاحتفاء بقيم السلام والتعايش المشترك    انخفاض طفيف في أسعار الغازوال واستقرار البنزين بالمغرب    جلالة الملك يستقبل الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني    رحيل الفنان محمد الخلفي بعد حياة فنية حافلة بالعطاء والغبن    لقاء مع القاص محمد اكويندي بكلية الآداب بن مسيك    لقاء بطنجة يستضيف الكاتب والناقد المسرحي رضوان احدادو    مباراة نهضة الزمامرة والوداد بدون حضور جماهيري    بسبب فيروسات خطيرة.. السلطات الروسية تمنع دخول شحنة طماطم مغربية    الرباط.. مؤتمر الأممية الاشتراكية يناقش موضوع التغيرات المناخية وخطورتها على البشرية    مقاييس الأمطار المسجلة بالمغرب خلال ال24 ساعة الماضية    ندوة علمية بالرباط تناقش حلولا مبتكرة للتكيف مع التغيرات المناخية بمشاركة خبراء دوليين    البنك الدولي يولي اهتماما بالغا للقطاع الفلاحي بالمغرب    استمرار الاجواء الباردة بمنطقة الريف    ألمانيا: دوافع منفذ عملية الدهس بمدينة ماجدبورغ لازالت ضبابية.    خبير أمريكي يحذر من خطورة سماع دقات القلب أثناء وضع الأذن على الوسادة    استيراد اللحوم الحمراء سبب زيارة وفد الاتحاد العام للمقاولات والمهن لإسبانيا    ندوة تسائل تطورات واتجاهات الرواية والنقد الأدبي المعاصر    لأول مرة بالناظور والجهة.. مركز الدكتور وعليت يحدث ثورة علاجية في أورام الغدة الدرقية وأمراض الغدد    وفاة الممثل محمد الخلفي عن 87 عاما    دواء مضاد للوزن الزائد يعالج انقطاع التنفس أثناء النوم    أخطاء كنجهلوها..سلامة الأطفال والرضع أثناء نومهم في مقاعد السيارات (فيديو)    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب.. "رواية جديدة لأحمد التوفيق: المغرب بلد علماني"    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



السياسيون المغاربة تحت مجهر التحليل النفسي
نشر في اليوم 24 يوم 01 - 11 - 2014

عندما يضع رجل ما رجله الأولى في عالم السياسة، تبدأ تحولات كبرى تتفاعل داخل نفسيته، إنه محاصر بين عبء السلطة وبريقها من جهة، وبين مراقبة الشعب لحركاته وسكناته من جهة أخرى. إنه يعيش وضعا صعبا.. وضعا مضغوطا، حافلا بالتناقضات، منقسما بين شخصيته الحقيقية بانفعالاتها وانكساراتها، وشخصية السياسي الذي يجب أن يخرج إلى الناس بمظهر الرجل الرصين المتوازن القوي الذي لا تنال منه النوائب والشائعات ولا تهزمه الحروب الطاحنة.
في الغرب هناك اهتمام كبير بنفسية رجل السياسة. هناك أخصائيون نفسيون ومحللون شغلهم الشاغل هو رصد نفسية السياسي من خلال مظهره وخطابه وأسرته ومنشئه، وكل تفاصيل حياته ما ظهر منها وما بطن. في الديمقراطيات الكبرى لم يعد علم النفس السياسي ترفا فكريا أو مجرد نميمة، بل أضحى واحدا من أكثر الوسائل تداولا لمتابعة أصحاب القرار ومن بيدهم تسيير الشأن العام.
وفي المغرب حيث لايزال المشهد السياسي محفوفا بالكثير من الموانع والمحرمات، وحيث لايزال التحليل النفسي أمرا مخيفا يقترب في نظر البعض من المرض العقلي، لا يتقبل رجل السياسة فكرة تعرضه لتحليل نفسي. إنه يعتقد يقينا أنه فوق ذلك، وأن إخضاعه للتحليل قد يمس صورته، لكن ذلك لا ينفي أن مشهدنا السياسي يعج بالكثير من الحالات النفسية الجديرة بالوقوف عليها وتحليلها، وربما يقود ذلك إلى التنبؤ بردود أفعالها وقدرتها على تدبير الاختلاف والمواجهة مع الآخر.
للوصول إلى قراءة حقيقية لنفسية رجل السياسة يكاد يجمع علماء النفس والمحللون المتخصصون الذين ساهموا في هذا الملف، أن هناك حاجة إلى ثلاث مقاربات: التحليل اللفظي لكل التعبيرات العفوية خصوصا أثناء المقابلات الصحفية، ثم تحليل تعبيرات الوجه والإيماءات غير اللفظية، وأخيرا استطلاعات الرأي وشهادات الأقارب والمعارضين.. فيما يرى آخرون أنه من الصعب الوصول إلى قراءة حقيقية وصادقة للحالة النفسية لرجل السياسة.
وبينما « اليوم24» تقوم بتجميع آراء المحللين كانت تسمع هذا الجواب: «من أجل تحليل نفسي علمي ومضبوط عليك أن تحضر إلي هؤلاء الرجال، فتحليل نفسية رجل السياسة يحتاج إلى تشخيص عيادي وجلسات استماع، وللوصول إلى نتيجة يجب رصد أعراض مرضية نفسية وجسمية واضحة من السهل تشخيصها، كالقلق والوسواس القهري والرهاب الاجتماعي والفصام والهوس الاكتئابي…».
المغاربة شعب ذكي يراقب لحية بنكيران التي شذبت، ووضعه ربطة العنق، كما يراقب خرجات شباط وابتسامة لشكر وصمت مزوار. إن الجمهور هو أول محلل نفسي يواجهه رجل السياسة. خارج النظريات والمفاهيم النفسية، يستطيع المغاربة أن يستنتجوا أن هذا متقلب والآخر عدواني أو مزاجي أو مهزوز.
وفي الوقت الذي نعيش فيه في مغرب يتحول، فإن النتائج المستخلصة من تحليل نفسية رجال السياسة المغاربة الأكثر شهرة، قد تصبح واحدة من مؤشرات التحول العام في المغرب، ومن رجل السياسة المثقف الواسع الاطلاع والمتحكم في انفعالاته، وصلنا إلى السياسي الذي يستعمل أقذع الألفاظ، ويعتمد على العنف كوسيلة للتعبير عن رأيه الذي يكره أن يخالفه أحد فيه.
إنها عيادة نفسية تدخل «اليوم24» سياسيينا إليها. هذا الملف فرصة لنعرف المضمر والخفي في أذهانهم ونفسياتهم، وشرفة منها نطل على دواخل من يحكمنا، مساهمة في تصوير الخصوصي المؤثر حتما في العمومي. هذا الملف من أجل مغاربة وقعوا في فخ المظاهر الخادعة، والذين يتصورون أن «المرضى» الذين يحكموننا أشخاص فوق العادة.
هؤلاء «المرضى» الذين يحكموننا
يقول عالم النفس السياسي الفرنسي «Pascal de Sutter»، «إن أطرف شيء أثبتته الدراسات هو أنه إذا كان هناك حمقى في السلطة، فذلك لأننا اخترناهم بالضبط لأنهم مجانين.. نعم، نحن نصوت للمجانين والمخادعين، والكذابين، لأن عيوبهم تخلق لدينا الطمأنينة، إننا نفضل التصويت لأولئك الذين هم مثلنا بدلا من العقلانيين أو الأكاديميين «.
حين تولى عبد الإله بنكيران رئاسة الحكومة، ساد نقاش كبير في وسائل الإعلام حول موقفه من ربطة العنق. كان المغاربة في العمق يناقشون ماهو أكبر من ربطة العنق، إنهم يستطلعون شخصية رئيس حكومتهم وكذلك التغيرات المرتقبة على نفسية عبد الإله بنكيران بعد أن يقتعد كرسي السلطة، كان المغاربة يراقبون الرجل المثير للجدل، بمنطق نفساني. الرجل لم يدع المغاربة ينتظرون طويلا، سرعان ما وضع ربطة العنق، وهو ما يقرأه الدكتور رضى امحاسني، المتخصص في التحليل النفسي، على أنه مؤشر على أحد مفاتيح شخصية بنكيران، إنه رجل مستعد للتحول وبسرعة..
وعندما تبادل كل من الأمين العام لحزب الاستقلال، حميد شباط، والبرلماني المقال عن حزب الأصالة والمعاصرة، عزيز اللبار الضرب واللكمات في البرلمان، في نفس اليوم الذي افتتح فيه الملك الدورة التشريعية الحالية، كان من الضروري طرح السؤال : «ما الذي أصاب سياسيينا؟ وما الذي يجعل أمينا عاما لحزب كبير وتاريخي يفقد أعصابه وينساق إلى مواجهة بالأيدي؟ ولما يهدد برلماني متمرس بالانتحار بعد أن يدخل في حالة هستيرية ؟ فمن سياسيين من طينة علال الفاسي وعبد الرحيم بوعبيد وأحمد بلافريج، الذين أنفقوا عمرا بأكمله في الجدل العلمي والمقارعة بالأفكار، إلى سياسيين من طينة أخرى، اختارت سبلا أخرى للتعبير عن مواقفها واختلافها ومعارضتها موالاتها، مسافة ضوئية من التحول تحتاج البحث في أسبابها.
كل الوقائع تثبت أن سيكولوجية رجال السياسة في المغرب تغيرت بتغير شخصية رجال السياسة، وتكوينهم وتجاربهم ، وهو ما انعكس على أساليب تواصلهم الدالة على الأعطاب التي تتجول داخل نفسياتهم، يعلق محاسني قائلا، «فقد انتقلنا في المغرب من رجل السياسة المثقف الرصين الوازن والذي قد يصل إلى درجة الفقيه القانوني أو الشرعي، بخطاب مبني محكم الأفكار، وبإجابات مقنعة ومدروسة، إلى رجل السياسة الفرجوي الاستعراضي، الذي يحتاج إلى رفع صوته والضرب على الطاولة والقيام بحركات لافتة، رجل السياسة الحالي يجيد استعمال الاستفزاز وهذا ما أفرغ السياسة من قيمتها المجتمعية والمتسامية..» إن رجل السياسة في مغرب القرن الواحد والعشرين حسب العديد من التحليلات التي توردها اليوم24 في هذا الملف، «إما شخص عنيف عدواني أو استعراضي يهرج».
يتفق علماء النفس المتخصصون في تحليل الشخصيات السياسية، أنه للوصول إلى قراءة حقيقية لنفسية رجل السياسة، هناك حاجة إلى ثلاث مقاربات: التحليل اللفظي لكل التعبيرات العفوية خصوصا أثناء المقابلات الصحفية، ثم تحليل تعبيرات الوجه والإيماءات غير اللفظية، وأخيرا استطلاعات الرأي وشهادات الأقارب والمعارضين. مثال العبارات التي تصدر عن السياسيين ويمكن أن تكون منطلقا ومفتاحا لفهم ما يعتمل في دواخلهم ما حدث للوزير محمد الوفا ، الوزير المكلف بالشؤون العامة والحكامة، عندما نطق بكلمة نابية في حق ياسين الراضي، البرلماني عن حزب الاتحاد الدستوري، فهي كلمة وإن أنكر الوزير التلفظ بها، إلا أنها تعكس الوجه الآخر للوزير والسياسي، الكامن خلف صورة رجل «النكتة» والعابة والمستملحات.
المغاربة خصصوا لكلمة الوزير (سير تق..) مساحات واسعة من اهتمامهم وتعليقاتهم ونقاشاتهم في الفضاءات العمومية والافتراضية، توزعوا بين اتهام الرجل بالجنون (الفيسبوك وتويتر حافل بهذه الاتهامات) ونعته بوصف يجد أصله في الثقافة المغربية ( قلة الترابي)، وقلة قليلة هي التي انتبهت إلى أن رجال السياسة في بلدنا هم مركبات نفسية مستعصية تحتاج إلى تفتيت ليتبين الناس أي إناء منه يغرف رجل السياسة المغربي.
عبر مجموعة من البورتريهات التي ساهم فيها عدد من المحللين النفسيين ومحللي الخطاب، نحاول رسم خريطة لنفسية أبرز رجال السياسة المغاربة، إنها بورتريهات تتربص بسلوك هؤلاء الرجال وتستخلص منها ملامح هؤلاء «المرضى» الذين يحكموننا.
بنكيران ..المشاكس سريع التحول
بقهقهته المجلجلة والمتعمدة وبغضبه الشديد في السجال وبالغمز واللمز ومنطق «اياك اعني فاسمعي يا جارة»، يشكل رئيس الحكومة عبد الإله بنكيران حالة نفسية فريدة تحظى باهتمام الجميع، فخرجات الرجل ومواقفه والعبارات التي اشتهر بها تجعله مادة خصبة للمتابعة وموضوعا غنيا للتحليل النفسي.
منصب رئيس الحكومة يتطلب على المستوى النفسي شخصية قيادية ومسؤولة، وعلى المستوى الوظيفي كفاءة وقدرة على اتخاذ القرار والحسم في الاختيارات، وعلى المستوى السياسي قدرا كبيرا من الالتزام إزاء المجتمع الذي ينتظر الوفاء بالتعاقد، لكن المفاجئ أن بنكيران أبان غير ما مرة عن تردده في تنفيذ هذا الالتزام ولم يكن حاسما في الوقت المناسب، وهو ما يلخصه عبد الرحيم عمران أستاذ علم النفس الاجتماعي، بالقول: «رئيس الحكومة وافق على هذا التعاقد مع المجتمع، والتزم سياسيا بمجموعة من القرارات في حالة تحمله للمسؤولية، لكن وفائه بالتزاماته كان بطيئا وهو ما يؤشر على أول عنوان في شخصية بنكيران «التردد والانتظار»، ثم «التراجع عن الالتزام»، الذي يجد تفسيره في عبارة «الإكراهات»
العنصر الثاني في شخصية بنكيران هو غياب الجرأة في مواجهة الفرقاء السياسيين خاصة عندما يكونون في موقع قد يؤثر سلبا عليه. يقول الدكتور عمران «من خلال علاقته بالقصر ، يظهر بنكيران الكثير من الليونة ، ويبرز شخصية خاضعة تستعمل التودد والتقرب، وهذا يميط اللثام عن شخصية تميل إلى الابتعاد عن الصدام وتتحاشاه»، لكن ليس مع جميع الفرقاء السياسيين.
غياب الجرأة في أسلوب التفاوض مع الفرقاء، والزمن الطويل الذي يتطلبه اتخاذ القرارات، يحول أحيانا دون المرور إلى مستوى الفعل، والنتيجة هي عدم القدرة على الحسم الذي تتطلبه بعض المواقف». عدم القدرة على الحسم تجلت في تراجعات بنكيران عن مبادرات شرع فيها عمليا، لكنه عاد لينسب تراجعه إلى معرقلين نعتهم ب«العفاريت والتماسيح».
وعندما يتكلم بنكيران، متوجها إلى عموم المغاربة، فإنه يحاول بعث رسالة واحدة وهي «أنا منكم وحديثي يشبه كلامكم». وإذا كان الخطاب مفتاحا من مفاتيح تحليل الشخصية، فخطب بنكيران وتدخلاته كما خطابه السياسي تعكس معالم شخصية مندفعة، تتمتع بذكاء لحظي وتتميز بحضور البديهة وسرعة الإجابة، لكنها تفتقر للرؤية الاستراتيجية.
بنكيران أيضا رجل يعاني من عقدة الحاجة إلى كسب الثقة.. وهو ما رصده الباحث خالد البكاري المختص في التواصل وتحليل الخطاب، «إنه رجل اللحظة…غير أن التمعن في مقوله الخطابي من خلال «المتواري» الذي يعمل جاهدا على حجبه دون أن يوفق في ذلك، هو إحساسه رغم كل تنازلاته بأن الجالس على العرش لا يثق بالإسلاميين، وبأن ثمة من يكيدون له ولحزبه ولحركته من داخل الدائرة الضيقة لمربع صنع القرار.. خطاب الرجل يكشف إحساسه بغياب الثقة فيه ، وهذا ما يفسر تكرار بعثه لرسائل التطمين»
قد يظهر للوهلة الأولى أن بنكيران شخصية انبطاحية من خلال تأويله «السلطوي» للدستور وعدم تفعيل كل صلاحياته كرئيس الحكومة، لكن الأرجح أن الرجل مسكون بعقدة «اللاثقة»، وحتى ما يلاحظه البعض من تصرفات تبدو لأول وهلة عفوية تعكس «سذاجة» الرجل من خلال ضحكاته وقفشاته و»أخطائه» البروتوكولية، فإن كل ذلك حسب البكاري، «يخدم استراتيجية تقديم نفسه بمظهر «الصادق» الذي تتطابق أقواله وأفعاله ولا يخشى منه.. لكن كل ما سلف لا ينفي قدرة الرجل على التحمل والعمل تحت الضغط في أصعب الظروف رغم ردود فعله التي تكون أحيانا غير محسوبة.»
شخصية رئيس الحكومة تتسع لمجموعة من الأنماط كما يرى المحلل النفسي «محمد البرودي»: فهو مشاكس، متقلب، ومنفعل، ويترجم ذلك في أية لحظة يتعرض فيها للاستثارة. وحسب البرودي، ف»شدة الانفعال تظهر في المواقف الضاغطة ، حيث تتعطل الأحكام، وتكثر الجعجعة والجدل ويغلب الطبع المشاكس، ويظهر التقلب والمزاجية، ويفتقر إلى الثبات الانفعالي أي سرعة التغير الانفعالي من حالة إلى أخرى».
الانفعال إذن مكون مهم في شخصية بنكيران، وهو ما يؤكده الأستاذ عمران «تظهر شخصيته متشنجة، تنزع إلى سيكولوجية الصراع، عبر المواجهة والتحدي والعناد، وهي سمة سادت حتى في أصعب الملفات»، مثل ملف الإضراب العام، حيث رفض دعوة النقابات إلى الحوار، مادام مقتنعا أنها هي من قاطعت جلسات الحوار، وليس هو، وإن كان الثمن هو إضراب عام ، اتهم الطرفان، الحكومة والنقابات، بعضهما، بسببه، بتهديد الاستقرار الاجتماعي.
ولو أردنا وصفا نفسيا جامعا لرئيس الحكومة، لقلنا مع المحلل النفسي رضى امحاسني إنه «رجل ذو نفس طويل، ولا أدل على ذلك من إصراره على ممارسة السياسة منذ شبابه حتى كهولته، وأيضا نشاطه السري والعلني. إنه شخص لا ييأس ومحركه في ذلك طموحه الشخصي فضلا عن السياسي، رئيس الحكومة أيضا رجل ذو ملكات تواصلية ويجيد التجاوب والإجابة بسلاسة وطلاقة في الكلام، وتوفق في تقديم صورة جديدة لرئيس الحكومة، يوظف الدارجة ويحسن مخاطبة جميع الانتماءات الشعبية.. لكنه في نفس الوقت يفقد التحكم في أعصابه، ويمكن أن يتسبب له ذلك في مواقف قاتلة، وتتجلى شخصيته المنفعلة حين يتعرض للانتقاد، حيث يحمل أحيانا النقد على أنه موجه إلى شخصه فيجيب على هذا الأساس. بنكيران، أيضا، رجل مواجهة لا يخشى الصدام، لكنه أحيانا ينزع إلى الهروب والتواري وهذا ما يبرز مفارقة كبرى في شخصيته، خلف السيد بنكيران انطباعا لدى أغلب الجمهور أنه سريع الانقلاب، وأنه يستطيع التملص من وعوده وهذا يعكس نمطا نفسيا غير مطمئن»..
شباط..عقدة «السكليس»
بوصوله إلى الكرسي الذي جلس عليه علال الفاسي وأحمد بلافريج وامحمد بوستة يكون حميد شباط قد حقق أهم حلم في حياته، حلم كلفه الكثير من المعاناة والجهد «العضلي» والنفسي، فهو إحدى علامات المشهد السياسي الجديد، عرف الرجل باتهاماته للجميع ومواقفه المفاجأة الصادمة، ما جعله يحظى بمتابعة مكثفة من طرف المهتمين، شباط الذي استطاع ان يقلب عدة مسلمات في عالم رجال السياسة من الرزانة إلى التهور والذهاب بعيدا في مواجهات كلامية وأحيانا جسدية، يخرج بين الفينة والأخرى بمواقف يمكن تصنيفها في العجائبي والغرائبي كنسبة حديث عن فاس إلى الرسول (ص) أو تشكيك الناس في رموز تاريخية أو قصة جلب البحر إلى مدينة فاس، إنه يعيش حالة من انعدام التوازن. المحلل محمد البرودي، يذهب مباشرة إلى تشبيه سلوك شباط بسلوك الشخصية غير المتزنة انفعاليا، يقول البرودي عن شباط، «شخصيته تتسم بسهولة الاستثارة واللجوء للتدمير لمجرد حدوث «إحباطات» بسيطة، حتى تأخذ الاستجابة شكل التذمر المرضي.. يأخذ عدوان هذه الشخصية شكل نشر الإعلانات والقيل والقال والقذف بالأشياء. فهذا النوع من الشخصية العدوانية هي التي يغلب على سلوكها العدوان والتدمير والتخريب والتعصب وهو ما ظهر في الآونة الأخيرة تحت قبة البرلمان في حق البرلماني اللبار من عراك وعض وقذف وهجوم جسماني».
العلاقة بالآخر هي أيضا مفتاح من مفاتيح الشخصية المركبة لحميد شباط. وإذا جاز أن نصف حزب الاستقلال بأنه حزب ذو شخصية أرستقراطية ، فإن شباط بعيدا كل البعد عن هذه الارستقراطية السياسية، وهو ما يقول عنه الباحث عبد الرحيم عمران، «سيكولوجيا وسوسيولوجيا، ينتمي شباط إلى مرجعية نقابية وهي مرجعية المطالبة والمؤاخذة، إنه يقتات من سيكولوجية الصراع مستعملا كفاءته في المواجهات، وهو ما طبقه داخل الحزب فارضا ما يريد».
شباط ولأنه أخرج الحزب من نسقه النخبوي، فإنه ملزم بإثبات تميزه على الآخرين وتقديم نتائج ومكتسبات جديدة، وهو ما يصفه عمران ب» الشعور بالدونية في مواجهة سؤال ماذا يشفع لك أنت لكي تصبح أمينا عاما لحزب قاده علال الفاسي؟ إنها وضعية صعبة ومتعبة سيكولوجيا. ربما هذا هو سبب إعادة شباط لتشكيل الفئات الاجتماعية على مستوى حزب الاستقلال من أجل إنقاذ نفسه وتعميم شاكلته».
وسائل شباط في تصريف مسلكياته تتعدد لكن أكثرها بروزا خطابه الغريب وغير المتوقع، وهو قادر على مفاجأة خصمه وإنتاج خطابات غير متوقعة مخلخلا كل الثوابت ( كما في حديثه عن المهدي بن بركة أو اتهام بنكيران بالتبعية لداعش، أو الوعود الخيالية لساكنة فاس) الباحث خالد البكاري، يتوقف عند خطاب الأمين العام الاستقلالي، قائلا «إن المتابع لخطاب شباط لا بد أن يكتشف ما يعانيه الرجل من عقد لازمت مساره بمنحييه النقابي والسياسي.. فهو يعيش «اضطهادا» ثقافيا، باعتباره غير حائز على أية شهادة جامعية، لذلك يكثر من الاستشهادات بمراجع دينية وفكرية بطريقة تكون للأسف كاشفة لما يحاول إخفاءه من فقر معرفي وثقافي…كما يجهد نفسه عبر توظيف العبارات المسكوكة التي تمتح من القاموس الصحافي المتداول، وكأنه بذلك يحاول أن يدفع عنه شبهة «الأمي» وصورة «السيكليست»….الرجل يعاني كذلك من عقدة «الكاريزما»، لذا يحاول التشبه بالزعماء التاريخيين، خصوصا عبر مسرحة تجمعاته، إنه مسكون بمتخيل القائد الذي لا يحيط به سوى الأتباع..»
هذا الزعيم الجديد، يتميز عن الزعامات المعروفة بشعبويته الطافحة، والمزايدة على الخصوم، مع عدم التفكير في العواقب أو عدم خشيتها، وهو ما يلخصه المحلل النفسي رضى امحاسني بالقو» شخصيته قوية مع نزعة هجومية وأساليب شعبوية، يحب المواجهة، لا يمكن ترهيبه، فهو لا يخشى العواقب وله قدرة استثنائية على المزايدة».
ملخص الملامح النفسية لهذه الشخصية ما ختم به الأستاذ الجامعي عبد الرحيم عمران حديثه، حين قال، «يعيش شباط وضعية تعرف في علم النفس بوضعية النشوز النفسي. إنه محرج أمام صورة الذات خصوصا وأن العديد من القيادات الاستقلالية تعتبر أنه ليس ابن الدار وهذا ما يضعه في صراع مع الذات، كما أنه يضطر إلى اللجوء إلى سيكولوجية التبرير، وهي وضعية مكلفة سيكولوجيا، إن حميد شباط يشكل تحولا بنيويا سياسيا وسيكولوجيا فرديا وجماعيا وبفضل ذكاءه توفق في كل ذلك وهو مجهود جبار، إنها ثنائية الصراع والمعاناة».
إدريس لشكر.. الكاريزما المفقودة
عرف المغاربة الكاتب الأول لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، إدريس لشكر، برلمانيا ومعارضا شرسا، قبل أن يروه جالسا على مقعد عبد الرحيم بوعبيد وعبد الرحمان اليوسفي ومحمد اليازغي. هذا المسار الطويل ترك في نفسية السياسي «المحنك» أثارا عميقة، فكل الذين تعاملوا معه يجمعون على أن معايشته لقيادات تاريخية أورثه رصيدا نضاليا جعله «شخصية تسلطية» و«عاشقة للسلطة»، في الآن نفسه، لكنه أيضا حرفي منضبط في تنفيذ القوانين.
المحلل محمد البرودي يقول إن هنالك وجها آخر للعملة «هذا النمط من الشخصية التسلطية، في المستوى الخفي، يصبح قابلا لأساليب التحكم والخضوع والمرؤسية من جانب الغير». شخصية متسلطة حين يتهمه خصومه بالاستفراد بالقرارات الحزبية وعدم احترام المقاربة التشاركية في تعامله مع محيطه أو خصومه وفي نفس الوقت يمكن أن يخضع في الخفاء. ، «لشكر أيضا من عشاق المواجهة، يعلق رضى محاسني قبل أن يستطرد، لكنه رجل يحب الكتمان ويجد نفسه في الكواليس، عنيدا جدا ولا يقدر العواقب، فتهديد الحزب بالانقسام والتشتت لا يخيفه».
محاسني يرجع ذلك إلى الفترة النضالية وقربه من القيادات حيث يعتقد لشكر أنه يكتسب شرعية نضالية تجعله يتصرف بعناد.. وتبقى السمة الغالبة على نفسية إدريس لشكر حسب محاسني «الحذر وهي خاصية تجلت كثيرا مؤخرا بسبب الوضع المتوتر الذي يعيشه حزب الاتحاد الاشتراكي».
عبد الرحيم عمران يلخص وضع لشكر النفسي انطلاقا من وضعه الحزبي، «داخل الاتحاد كانت الشخصية القيادية تمتلك هيبة القائد الذي يأخذ القرار لكي يطبق، وهو ما أفرز نوعا من تغييب الديمقراطية الداخلية، وعند صعود موجة الديمقراطية الداخلية، وجدنا الحزب غير جاهز بعد أن غابت القيادة الكاريزمية.
إدريس لشكر جاء بسيكولوجية مرتبطة بفكر اليوسفي واليازغي، وهو يحاول استحداث كاريزما مفقدوة، معتبرا نفسه امتدادا فعليا للقيادات الكاريزمية خصوصا من خلال ارتباطه بمحمد اليازغي، في الوقت الذي تحتاج فيه التيارات داخل الاتحاد إلى سيكولوجية تدبير الخلاف، غير أن اليازغي لم يستوعب هذا التغيير ويريد أن يخلق سيكولوجية عمادها الإقصاء وتضخم الأنا السياسية، على اعتبار أنه الوريث الشرعي واستمرار للقيادة القديمة، انه يشعر بعدم الاطمئنان وعدم الثقة».
الكلمة المفتاح لشخصية لشكر هي البحث عن الكاريزما، وتجلياتها في خطابه، حسب الباحث البكاري تنبع من «إحساسه – وقد يكون يقينا- بأنه ليس من قامة الزعماء التاريخيين ، أوإحساسه بأن المناضلين غير مقتنعين بكاريزميته، فهو يوقن أن التقرب منه مصلحي وليس لانبهار به كما كان الشأن مع بوعبيد مثلا، مما يجعل خطابه مسكونا بعقدة (الزعيم المؤتمن على تراث الحزب) في وجه القيادات الجديدة، وهو يخفي ضعف تكوينه الثقافي وعدم قدرته على التناظر برفع الصوت والضغط على مخارج الحروف وتحريك اليدين بعصبية تكون غالبا مفتعلة… ونتيجة لذلك يقع في تناقضات تضر بانسجام الخطاب مما يسمح لخصومه بتسجيل نقط ضده.. هو من طينة من يترك وراءه أحجارا يقذفه بها الآخرون».
مزوار.. البراغماتي
لاعب كرة السلة الذي فعل كل شيء من التسيير الرياضي إلى العمل الجمعوي إلى العمل الدبلوماسي، ورئيس حزب التجمع الوطني للأحرار ووزير الخارجية الحالي صلاح الدين مزوار، الرجل المتعدد «الجوكير» هو نفسه المتهم في قضية البريمات والمنقلب على المنصوري الرئيس السابق لحزب الحمامة.
شخصية غامضة نسبيا، وذلك راجع لعدة أسباب أهمها أن وزير الخارجية رجل قليل الظهور وخرجاته الإعلامية نادرة، فوجوده على رأس حزب يصنف تاريخيا في المغرب بأنه أحد أكبر الأحزاب الإدارية والتي تتجنب المواجهات سواء مع القصر أو مع الخصوم، يجعله يحجم عن الرد، لكن صمته ليس مطبقا، فهو يتماشى مع إمكانية ربح أو خسارة المعركة: ففي الوقت الذي لم يستطع أن يواجه قضية البريمات، لأنها مدعومة بالوثائق ، لم يتوان عن رفع دعوى بمزاعم تقول إنه يحمل الجنسية الفرنسية.
يعتبر المحلل رضى امحاسني أن إحد مفاتيح شخصية مزوار هي تعدد مواهبه «يستفاد من هذا التعدد أن الرجل ذو شخصية مركبة، يمكنه القيام بعدة أدوار، وذو ثقة زائدة في النفس، ولا يظهر دائما ردود أفعاله ( قضية البريمات، أو حادثة تفتيشه ذاتيا في المطار بفرنسا) «.
على ضوء تجربة مزوار في قيادة الأحرار، والتواري عن الأنظار، واقتناص فرصة الدخول إلى الحكومة، يستشف محاسني، أن مزوار « رجل يتجنب المواجهة ويخافها، لكنه يعرف كيف يستغل السياق، ( دخوله المشروط إلى الحكومة)، بالنسبة إليه مسألة الارتياح الداخلي ثانوية، وهذا أحد مستويات ذكاءه الشخصي».
يحاول وزير الخارجية إظهار تمتعه بخصائص الزعامة، وأنه يمتلك شخصية سياسية كاريزمية . عنصر الثقة المفرطة هو نفس ما يؤكده محمد البرودي، « هذا النوع من الشخصية يبدو عليها علامات الشعور بالثقة بالنفس وهو ما يظهر عليه خلال خرجاته الإعلامية أو الحزبية خاصة بعد وصوله إلى منصب وزارة الخارجية الذي يتطلب نوعا من التوافق النفسي الايجابي».
خرجات مزوار القليلة والمحسوبة بدقة، لا تسعف الباحث في استكناه مدلولات خطابه.. بسبب ما وصفه الباحث في تحليل الخطاب، خالد البكاري بعدم توفره على تجربة سياسية أو ماض حزبي أو حتى مؤهل ثقافي خارج مجالات تخصصه التقنية جدا. عن خطابه يقول البكاري، «حين يدلي مزوار بتصريح، تعرف بسهولة أن الرجل هيأ مسبقا ما سيقوله، بحيث يقول كل شيء ولا يقول شيئا…يحاول جاهدا أن لا يقع في أخطاء تحسب عليه أو تكشف فقره السياسي، فيغرق في العموميات. ورغم ذلك يحدث أحيانا رغم كل الاحتياطات أن يقع في زلات لا يسمح لمسؤول سياسي مبتدئ بارتكابها، كحديثه عن هامشية حقوق الإنسان حين تتعرض مصالح الوطن للتهديد، أو حديثه عن دبلوماسية «العين الحمرا»، وهو وزير خارجية، ويبقى أن مزوا استفاد جيدا من حصص التواصل على مستوى الهندام ، كطريقة لباسه المتحررة من ربطة العنق خارج المهام الرسمية ونبرة حديثه التي توحي بتلازم الهدوء والحماس بعبارات مقتضبة ومنتقاة ترسم له صورة الشخصية العملية والواثقة من قدراتها» .
«إن السيكولوجية السائدة بالتجمع الوطني للأحرار هي سيكولوجية مهادنة سيكولوجية وظيفية براغماتية، فالحزب تشكل من الأعيان ثم التحق به أعيان آخرون تكنوقراط درسوا في معاهد عليا. مزوار ليس من الأعيان بالمعنى الثقافي الأنثروبولوجي، أي لا يعتمد على النسب أو القبيلة أو المال، لذلك فهو يتوسل بسيكولوجية الكفاءة والقدرة على الإنجاز، يعرف جيدا ما هو مطلوب، فهو شخصية بنفسية تدبيرية تنفيذية تهتم بوظائف الانجاز ولا يعاني من أي تناقضات نفسية، قد تتجلى عند مزوار سيكولوجية الصراع لكنه صراع حول الامتياز، وبالتالي فهو يدمج سيكولوجية الصراع بسيكولوجية الوظيفة، لكنه في العمق مسالم لا يعمد إلى الإقصاء، ويفهم أن النفسية الوظيفية التي يمثل تستوجب الحكمة».
نبيل بن عبد الله.. الثعلب
الشيوعي الأنيق اللبق المتحضر الذي يترأس الوفد الرسمي للحج، و»الجنتلمان» نبيل بن عبد الله، الذي يعيش أحد أبرز الجواني المثيرة في الحياة السياسية المغربية بتحالفه مع الإسلامي عبد الإله بنكيران في حكومة ما بعد دستور 2011، شخصية، في عرف التحليل النفسي، لاترتبط بقناعاتها وربما تستنكف عن انتمائها.
المحلل عبد الرحيم عمران يعتبر «بن عبد الله شخصية عجيبة فعلا. فلا شك أن الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية الذي كان يسمى شيوعيا يعيش حالة تناقض نفسي، فهو وإن كان ينتمي إلى حزب صاحب مرجعية سياسية معينة تضع ضمن أولياتها خدمة الفئات الاجتماعية الكادحة والعمال والطبقة الوسطى، ومواجهة الرأسمال والبرجوازية والقوى المحافظة، إلا أنه يميل نحو الأرستقراطية، ونحو الهدنة وقضاء المصالح».
المحلل محمد البرودي يرى أن بنعبد الله ، خلافا لذلك، ذو شخصية ثابتة، وإن كان ملزما بالتكيف مع الظروف: « يحرص بن عبد الله على بدل كل أنواع السلوك التي تظهره كشخص متكيف مع البيئة وأن يظهر الثبات في الشخصية، ويتضح ذلك في الأسلوب والسلوك وفي التعامل والذكاء، حيث يحاول جاهدا إظهار نوع من استقرار الشخصية».
وزير الاتصال السابق يجيد «التواصل» بأناقته في الملبس والحديث، ويعرف لعبة «الميديا» جيدا، ويحرص على أن لا يغيب عن المشهد الإعلامي طويلا. من خطابه وتحالفاته ، يستنتج الباحث خالد البكاري أن بن عبد الله «يعرف كيف يناور ومتى يغامر.. في خطابه السياسي يحاول بمكر إيهام المستمع أنه يأخذ مسافة من الخطاب الشعبوي، وبأن» العدالة والتنمية» هي من تحتاج ل»للتقدم والاشتراكية» وليس العكس، وبأنه حارس الحداثة اليقظ في»معبد» الحكومة، ينجح الرجل في تسويق أو بناء تمثل لأدوار حزبه تفوق قدراته التنظيمية وقاعدته الانتخابية الحقيقية وتخفي أزمته الإيديولوجية».
يعود الباحث عمران ليقول عن بنعبد الله» بنعبد الله قادر على نفي الصراع فهو يجسد نقيضه في الوقت نفسه، إن تحالف حزب كان يسمى شيوعيا بحزب العدالة والتنمية تتطلب كفاءة خاصة، وهو يقود التحول الحزبي والتأقلم بالانتقال من سيكولوجية المبادئ إلى سيكولوجية الوظيفي. بشخصيته المرنة، يخلق نبيل بن عبد الله نموذجا معياريا على مستوى السيكولوجيا وسيعرف المغرب مستقبلا شخصيات مثله، أصحاب السيكولوجيات اللاصراعية، والمرتاحة في هذا التحول».
إلياس العماري .. الغامض
كل الوقائع التي تحدث في المغرب ولا يعرف مصدرها يمكن نسبتها إليه، هذا ما يشتكي منه الرجل وما يجزم خصومه أنه الحقيقة الممحصة. فمن يكون ذلك الكائن النفسي الكامن خلف الصورة الظاهرة للسياسي ابن الريف، الذي وصل إلى الدوائر الضيقة لصناعة القرار، وأصبح واحدا من أبرز الوجوه السياسية في المغرب وأحد رموز حزب الأصالة والمعاصرة؟
خطابه وتصريحاته وخرجاته الإعلامية كوة من أجل النفاذ إلى ما يعتمل في نفسيته، وهي خطابات، حسب خالد البكاري، «تكشف ثقافته المحدودة ، كما يتجلى ذلك في الأخطاء النحوية التي يقترفها رغم محاولاته الحديث المتكلف بالفصحى»، وهو ما يفسره البكاري بما سماه عقدة «الشهادات الجامعية».
إضافة إلى ذلك، يستمر البكاري في التحليل، ف«الرجل مسكون بدفع تهم التصقت به، ويهوى لعب دور الشخصية الهامة التي تكتنز أسرارا…فهو العليم بأسرار «كديم إيزيك»، وهو المطلع وحده على وصية إدريس بنزكري، وهو العالم بخبايا استشهاد أيت الجيد بنعيسى، ومحاور بوليزاريو الداخل باسم الدولة. في حواراته الصحفية، يلمح إلى امتلاكه أسرارا لم يحن بعد أوان كشفها، وهو ما يعكس أن الرجل مسكون بتمثل دور الرجل الغامض».
يعمل إلياس العماري على تكريس سمة «الغموض» هذه، مما يجعل هذه السمة أحد أهم مفاتيح هذه الشخصية. رضى امحاسني يركز على هذه الخاصية، لكنه يضيف إليها طابع النجاعة، يقول محاسني عن العماري، »بالعودة إلى ما توفر لدينا من معطيات نشرتها وسائل الإعلام أو اللقاءات التي ظهر فيها هو شخصيا، فإن كل ما يقال عن العماري سلبي، ربما لأنه اختار التدرج في السلم السياسي في الخفاء، ولم تتابعه أية وسيلة إعلام حتى وصل إلى منصب نائب الأمين العام لحزب الأصالة والمعاصرة. تتسم شخصيته بالنزوع نحو السرية، فهو ليست له مهمة عرف بها أو مهمة عرفت به. رجل يحب الفعالية ويصر على تحقيق نتائج بدون بهرجة، ولا تعني سريته أنه يخشى المواجهة، قد يغضبه الانتقاد لكنه يتقبله بذكاء، العماري إنسان ذو شخصية منسجمة ومتوازنة».
المحلل محمد البرودي يرى بدوره أن إلياس شخص متوازن ومعتدل، و«يتضح من خلال سمات هذه الشخصية بأن صاحبها يتمتع برزانة العقل وبأنه سعيد ويتمتع بنشاط كاف. واستغلال كامل لقابليته وبتكامل مقوماته النفسية مما يحرره من قيام الصراعات. ويجمع صاحب هذه الشخصية في نفسه معدلا متوازن التركيب من الخصائص الإنسانية التي يتقبلها المجتمع بأنها في حدود الاعتدال، وتظهر خصائص شخصيته بصورة متكاملة، وبأنه يستطيع توجيه هذه الخصائص بشكل متوازن نحو تحقيق هدفه»
الأستاذ عبد الرحيم عمران يرى من جانبه يرى أن العماري « يحمل معادلة متناقضة، في الوقت الذي ينحدر هو من سيكولوجية الصراع فإنه يحاول الفرار إلى تذويب هذه الدينامية، يحاول الجمع بين الشيء ونقيضه، وتدبير التناقضات وتحويلها إلى تدبير سياسي، مثل حوادث انتقاله إلى مواقع الصراع في محاولة لحل الإشكاليات، إنها أيضا تدبير نشوز نفسي، بالدخول في قناعة مغايرة تماما لما يجول داخله، إنه يعيش صراعا لابد من حله رغم محاولاته النفسية تبرير وعقلنة ما يقوم به، من خلال عملية نفي الواقع إنه وضع نفسي صعب».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.