“في السياسة ليس هناك عدو دائم أو صديق دائم، هناك مصالح دائمة”، مقولة قالها تشرشل ذات يوم، وصارت بعدها نبراسا لكل ساسة العالم بمختلف أيدلوجياتهم وتوجهاتهم، ليبرروا بها تصرفاتهم أو تناقضاتهم – إن صح التعبير- في قول شيء وممارسة ضده بعد حين. فحكاية المشاورات الجديدة التي فتحها ابن كيران مع عدوه اللذوذ سياسيا صلاح الدين مزوار، ليرمم الأخير ما انفرط من عقد الحكومة نصف الملتحية بعد انسحاب شباط، لا يمكن إلا أن تكون إعادة إحياء لمثل تشرشل الإنجليزي بقوة. فالرجلان قالا في بعضهما ما لم يقله الفرزدق وجرير في هجاء بعضهما البعض ذات زمن قديم.. فماذا حدث حتى أصبح قلبا الرجلان على هوى واحد؟ وهل غواية الكرسي أهم من المبادئ وصداعها؟ أم أن مصلحة الوطن ترتفع فوق كل شيء؟ “مشاهد” ترصد في هذه الزاوية كرونولوجيا لخطاب الرجلان في حق بعضهما البعض قبل أن تأتي متغيرات جديدة لتدعهم يتركوا لعبة القط والفأر تلك. حروب داحس والغبراء لا يوجد زعيم حزبي في المغرب نال من سباب ابن كيران وهجوماته اللاذعة أكثر مما ناله صلاح الذين مزوار، الأمين العام لحزب التجمع الوطني للأحرار. فابن كيران كان يعتبر مزوار لقيطا سياسيا ولد فجأة ليرأس حزبا سياسيا دون أن يملك “شرعية” نضالية و”عقدا” تاريخيا يثبت به سلامة بنوته للسياسية أو للحزب الذي جيء به إليه حسب تعبير ابن كيران. وبالرجوع إلى موقع “يوتوب” الشهير لن يجد المرء عناء صعوبة وهو يضع كلمة (مزوار وبنكيران) في محرك بحثه، ليجد عدة فيديوهات تؤرخ لقاموس اللغة بين الرجلين والذي يكون أحيانا أقرب إلى حقل لغوي آخر لا علاقة له بلغة السياسة التي دائما ما يحاول الساسة أن يتركوا من خلالها “خط الرجعة” مع من لا يتفقون معه. لكن كل ذلك التحفظ غاب عن خطاب الرجلين، كأنهما يقولان في قرارة أنفسهما، “أنا وأنت خطان متوازيان لا يلتقيان أبدا”. ففي سنة 2011 وفي عز الصراع بين الرجلين إبان الإنتخابات البرلمانية التي ستأتي بعبد الإله بنكيران رئيسا للحكومة، خاطب الأخير مزوار قائلا: “أقول لسي مزوار، غادي ننصحك نصيحة لله، ابتعد عن رئاسة الحكومة راها بزاف عليك.. رئاسة الحكومة باش تدير لفلوس داز وقتها، رئاسة الحكومة ديال الوجاهة داز وقتها، اليوم راه أخوايا القضية سخونة وصعيبة، والشعب المغربي قهر الخوف، ويطالب بحقوقه ويريد من يتحدث معه بوضوح وبصراحة، ماشي اللي يتخفى في التليفزيونات”. بنكيران أضاف في هجوم آخر على مزوار وبالضبط يوم 23 نونبر من تلك السنة قائلا: “اسمح لي نقول ليك أ السي مزوار كيف المغاربة غادي يتيقوا فيك وهم لم يكونوا يعرفنوك حتى للبارح؟ هل سينسون كيف أصبحت رئيسا لحزبك؟ لو كان السي المنصوري نقولو بعدا ممكن، السي المنصوري حيدو ليك إلياس العماري باش تولي أنتا أمين عام ديال الأحرار، لأن المنصوري رفض يطيع إلياس العماري وفؤاد عالي الهمة أكثر من لقياس. منين غادي تجيب الاستقلالية ديال القرار ومن غادي تجيب القوة لتتحمل مسؤوليتك في رفض التعليمات التي تأتي من أناس يدعون القرب من المحيط الملكي. أنت لا تملك هذه القوة وما عندكش، اسمح ليا ما فيدكش”. ويوم الأحد 25 نونبر قال بنكيران: “السي مزوار قال حنا ماشي بحال تونس ومصر ولن نترك الإسلاميين يصلون إلى السلطة وأنا أقول لسي مزوار: واش هاذ الكلام ديالك بعدا ولا قالوه ليك؟ بنكيران يقول لك: أنت مهزوز سياسيا”. بنكيران بدهائه السياسي تيقن أن فوز حزبه في تشريعات 2011 مضمون أكثر من أي وقت مضى، لذلك حاول أن يترك منفذا يمكن أن يعود به إلى مزوار في حال احتاجه ذات يوم كحليف فخطابه قائلا: ” خاص المعقول أ السي مزوار، لا انت ولا الناس اللي كيدفعوك، راكم غالطين، بعدوا من هذه الانتخابات راه من مصلحتكم. احنا إذا انتصرتم بطريقة شفافة ونزيهة، أنا غادي نقول ليك من اليوم هنيئا لك، ولكن ما تعولش عليا نكون فالحكومة ديالك، لأنني متصلاحش ليا. منرضاش وماشي في المستوى. إذا كنا حنا في رئاسة الحكومة وبغتي تولي وزير معنا ممكن نفكر فهذا، وزير ممكن أما رئيس الحكومة غير ممكن”. وحتى عندما استقر الأمر لعبد الإله بنكيران بعد فوزه في الانتخابات، لم يهدأ الأخير ولم ينسى لمزوار أنه شكل تحالفا من أجل قطع الطريق على حزبه كي لا يصل الحكومة، فتحداه أن يكون رجلا ويطيح بحكومته. قال بنكيران لمزوار بمدينة وجدة يوم 30 شتنبر 2012: “هذا الشعب وعى ولم يعد يخاف من المفسدين والمشوشين. واحد منهم الله يهديه ويترأس واحد الحزب ولم تكن له علاقة برئاسة ولا بأي شيء، قال يجب الإسراع بتحييد حكومة بنكيران. إذا كانت أخويا في يديك حيدها من دابا، لا تخليها حتى دقيقة. هذه حكومات جاءت بإرادة المواطنين، أنا أتحداك أ السي فلان وما بغيش نذكر سميتك نظرا للتقدير للي عندي ليك، أجي لوجدة وجمع هاد الناس بلا فلوس بلا سلطة…”. ولأن بنكيران يعرف أن بيت مزوار من زجاج فقد قذفه بوابل من الحجز، محاولا أن يحطم البيت بما فيه على رأس خصمه فقال مخاطبا إياه: “أنا ما بقاوش فيا لفلوس، هاذوك لبريم في الوزارة المالية كاينين، ولكن أنت وقعتي لموظف واحد يأخذ 8 مليون أنا قابل، لكن أنت عطيتي لموظف يوقع لك علاش؟ ياك تدير حاجة قانونية وقع لراسك وديرها دالي الرجال وكون راجل”. رد محتشم رغم أن مزوار لم يظل ساكتا أمام هجومات بنكيران العنيفة، إلا أن ردوده اتسمت بقليل من الهدوء أو بلغة خطابية مخففة نوعا مقارنة مع بنكيران الذي يعرف عنه أنه سليط اللسان. فلغة مزوار أقرب إلى لغة سياسي محنك لا يحبذ أن يدخل في صراعات جانبية أو يفتح حروبا على عدة جبهات. والتعليق الوحيد الذي ظل عالقا في الأذهان هو عندما وصف بنكيران “بالحلايقي”، وهو مصطلح ينهل من لغة بنكيران “الشعوبية” كما يحلو لخصومه أن يعيروه بها. مزوار خاطب بنكيران يوم 11 نونبر 2011، قائلا: “كاين السياسي اللي كيتعامل مع السياسة بحال لحلايقي، يقول إذا لم يفز حزبه في الإنتخابات بالمرتبة الأولى، راه مكيناش الديمقراطية. عندما تسأله عن البرنامج الاقتصادي ديالو يرد هو النموذج التركي. وكينسا بأن تركيا بلد علماني وحنا دولة مسلمة”. وإذا كان مزوار أول ما بدأ به عندما تولى الأمانة العامة لحزبه بعد الإطاحة بالمنصوري هو مهاجمة حزب المصباح، فإن اللغة التي يستعملها زعماء الأخير هي المنفذ الذي ولجه الزعيم الجديد لحزب الأحرار عندما وصف خطاب البيجيدي بالخطاب المزدوج: قال مزوار يوم 2 فبراير من سنة 2010 في برنامج تلفزيوني بعيد انتخابه أمينا عاما لحزبه: ” نحن نختلف مع إخواننا في حزب العدالة والتنمية، لأننا نرفض أن يقحم الدين في السياسة، ولأننا نرفض ازدواجية اللغة وازدواجية الخطاب”. وفي 31 ماي من السنة الجارية، وصف مزوار أداء حكومة ابن كيران بأداء العاجزين عندما قال: “هناك بطء بعد مرور سنة ونصف، فيما ليست هناك اليوم سوى عناوين فقط، متسائلين بدورنا عن مدى وجود رغبة في تفعيل الدستور وبناء دولة المؤسسات في ظل هذا العجز التدبيري”. شباط والكرسي يجمعان الغريمين مباشرة بعد صعود حميد شباط إلى الأمانة العامة لحزب الإستقلال، تحول الصراع بين عبد الإله بنكيران ومزوار إلى صراع بين بنكيران وشباط. فالأخير كثيرا ما يوصف أنه الشعبوي القادر على مواجهة بنكيران بأسلوبه وطريقته في الهجوم. فكان أن انطلقت بينهما غزوات كلامية اختفى من خلالها اسم مزوار، وأصبح اسما شباط وابنكيران يعلو صفحات الجرائد والمواقع الإخبارية الإلكترونية ومواقع التواصل الاجتماعي المختلفة. وفجأة تحول مزوار إلى الرجل المفضل لدى بنكيران وهو يبحث عن بديل يعوض به مقاعد شباط الوزارية الفارغة بعدما تأكد رسميا أن الملك قبل استقالة وزراء حزب الإستقلال. مزوار وبنكيران سيجدان أنفسهما الآن أصدقاء جمعتهما السياسة والمصالح بعدما فرقت بينهما السياسة والمصالح ذاتها، لكن في وقت آخر غير الوقت الحاضر. وإذا كان الهدف المعلن من فتح مشاورات مع حزب الأحرار من طرف ابن كيران، هو الحفاظ على المصلحة العليا للوطن تجنبا للذهاب لانتخابات مبكرة لن تفرز خريطة سياسية جديدة مادامت القوانين لا تمنح أحدا الأغلبية المطلقة أو النسبية على الأقل، فإن المضمر من كل ذلك أن صناع القرار الحقيقيون هم من لهم مصلحة في الذهاب لانتخابات سابقة لأوانها لأسباب عدة منها ما هو سياسي ومنها ما هو اقتصادي. غير أن التخوف الذي عبر عنه عبد الله بوانو في حواره مع “مشاهد” لهذا العدد من أن يفعل مزوار بالحكومة ما فعل شباط هو الغائب عن ذهن رئيس الحكومة وهو يسعى جاهدا لترميم حكومته بحزب كال له من الاتهامات إلا ما نسيّ.