تتناسل أسئلة كثيرة حول الهدف من تأسيس أحزاب مدعومة من الدولة أو ما يسمى ب « أحزاب الإدارة » أو « الموالاة »، وهل تخشى الدولة من أحزاب لها امتداد شعبي ؟ ولماذا تعمل على تدجين هذه الأحزاب ؟ ، وهكذا فقدت عمد الدولة منذ الاستقلال على تأسيس أحزاب داخل مطبخ صناع القرار. وانطلق مسلسل تفريخ هذه الأحزاب مع إنشاء جبهة الدفاع عن المؤسسات الدستورية ثم التجمع الوطني للأحرار فحزب الاتحاد الدستوري وصولا إلى الأصالة والمعاصرة في العشرية الأولى من الألفية الثالثة. وقال العربي ايعيش ،باحث في القانون العام والعلوم السياسية بجامعة محمد الخامس بالرباط، بخصوص سؤال » لماذا أحزاب للإدارة؟ » « يمكن القول بأن الدولة لا يمكنها أن تعيش بدون حزب، وهذا الحزب يؤدي في نظرها وظيفة التوازن داخل النظام السياسي المغربي، حيث البورجوازية لا تتوفر فيه على حزب تعبر به عن مصالحها كما هو في الغرب، لذلك كانت هذه الأحزاب تضم في تركيبتها الأعيان ورجال الأعمال وأصحاب المصالح، في مقابل أحزاب شعبية تدافع عن القضايا الاجتماعية ». وأكد الباحث في العلم السياسية أن الإدارة «خلقت النوع الأول للدفاع عنها ومصالحها داخل القوانين والسياسات العامة وذلك في مواجهة أحزاب لها امتداد جماهيري ». وأضاف ايعيش « هذه الأطروحة تجد سندها في احتلال أحزاب « الإدارة » لجميع الاستحقاقات طيلة ثلاثين سنة بين 1963 و1993، وبعد التوافق مع أحزاب الكتلة سنة 1996 رفعت الدولة يدها نسبيا عن تزوير نتائج الانتخابات لكنها لم ترفع يدها عن أحزابها وتدعمها بأشكال مختلفة، مع ملاحظة أن هذه الأحزاب تتقدم وتتراجع حسب السياق العام دون أن تموت كما وقع لحزب الفديك سنة 1963″. وأشار نفس المتحدث الى أنه « لما وقع التوافق أصبحت أحزاب الكتلة عادية بل إن جزءا منها « ممخزنا » وبالتالي لم تعد الدولة في حاجة مباشرة لحزب إدارة بدليل نتائج الأحزاب التي « خلقتها » في الانتخابات التشريعية والمحلية ». وتابع « لكن بعد ملاحظتها تمدد حزب العدالة والتنمية وسط المجتمع، وعجز الأحزاب الأخرى التي أنهكها التدبير الحكومي عن وقف هذا الزحف، هنا عادت الدولة لعادة تأسيس حزب إداري لكن بتركيبة مخالفة بل ومتناقضة تضم الليبراليين واليساريين المتطرفين ونخب صحراوية وريفية بقيادة صديق الملك الذي حصل على أزيد من 6000 مقعد ». وأشار الباحث في العلوم السياسية إلى أن » المغرب لم يعرف ميلادا طبيعيا للدولة وللأحزاب السياسية كما عرفتها التجارب الأوربية بشكل أساسي، بل إن ميلاد الدولة والأحزاب السياسية تم بشكل قسري كرد فعل على الاستعمار، وليس كنتاج طبيعي لديناميات القوى الاجتماعية والسياسية والثقافية والاقتصادية في البلاد ». وحول ظروف إنشاء هده الأحزاب قال ايعيش » أن تأسيس أحزاب من لدن الإدارة يأتي في سياق أزمات بين القصر والمعارضة القوية التي يمثلها أساسا حزبي الاستقلال والاتحاد الوطني ثم فيما بعد الاتحاد الاشتراكي، بهدف خلق توازن وعدم ترك المؤسسة التشريعية والتنفيذية بين يديهما لذلك يكون تأسيس الدولة لحزب مدعوم من لدنها هو المدخل لخلق هذا التوازن عن طريق تزوير الانتخابات وإرهاب أعضاء الأحزاب الأخرى ». وتابع » تم تأسيس حزب الفديك والتجمع الوطني للأحرار من شخصية من القصر ولها ارتباط مباشر به، تم تجاوزه سنة 1983 مع حزب الاتحاد الدستوري باستدعاء شخصية كانت سابقا في الاتحاد الوطني للقوات الشعبية ». وفي نفس السياق أضاف » تم تأسيس حزب الأصالة والمعاصرة لكن هذه المرة بتركيبة مخالفة/هجينة إيديولوجيا ضمت اليسار والليبراليين ورجال الأعمال .. لمواجهة خصم له إيديولوجية محافظة وتمدد شعبي، وكان المدخل هو الانتخابات المحلية حيث القرب من المواطنين، وليس التشريعية بالدرجة الأولى ». وخلص ايعيش إلى أن « الإدارة تخلق أحزابا سياسية كجواب على أزمة الثقة التي تطبع علاقتها بالمجتمع وباختياراته السياسية بالمغرب من جهة، ومن جهة أخرى لضمان مصالحها والدفاع عنها وسط المؤسسة التشريعية والتنفيذية ». من جهته قال عبد العالي حامي الدين ، القيادي في حزب العدالة والتنمية ، في تدوينة له على صفحته بموقع التواصل الاجتماعي فيس بوك ، « ظاهرة صناعة الأحزاب الموالية للسلطة من الأسباب الجوهرية التي أفسدت العمل الحزبي وجعلته لصيقا بثقافة الريع وشهوة القرب من السلطة وما تجلب لها من منافع، وكان هذا من أهم مداخل إفساد النخب الحزبية، بما فيها من نشأ في ظل أحزاب وطنية ». وأضاف المستشار البرلماني عن حزب المصباح » بعد الاستقلال كانت الدولة تقليدية، واستمرت بنيتها تقليدية، رغم استخدامها للعديد من المفاهيم التي تنتمي إلى الدولة الحديثة، وهذه المفارقة هي التي تدفع السلطة القائمة لكي تحافظ على استمراريتها بعمقها التقليدي ومظهرها الحداثي إلى التدخل في الأحزاب السياسية وتوجيه تحالفاتها ورسم مواقفها، وإفراغها من عمقها التمثيلي وامتدادها الشعبي ». ومضى نفس المتحدث يقول » وحتى مع حرص السلطة على تنظيم انتخابات، فإنها انتخابات بدون ديموقراطية ولارهانات سياسية حقيقية، وإذا نجحت أصوات الناخبين في تحدي هذه القواعد وأفرزت نتائج من شأنها إعادة الثقة للمواطن في صوته الانتخابي ، فإن أدوات السلطة تتدخل بمختلف الوسائل لوقف هذا المسار ». وختم حامي الدين تدوينته بالقول « وهذا هو المفتاح لفهم الاحتقان السياسي الذي ساد في البلاد بعد نتائج 7 أكتوبر وما تلاه من وقائع وأحداث تؤكد أن أزمة الأحزاب السياسية لا يمكن فصلها عن أزمة النظام السياسي ككل ».