اتسمت جلسة غرفة الجنايات الابتدائية المكلفة بقضايا مكافحة الإرهاب بمحكمة الاستئناف بالرباط ب «سخونة» بالغة بفعل الحرارة الطبيعية في غياب مكيفات هوائية، واكتظاظ قاعة الجلسات عن آخرها، سواء بالمتهمين، أو عائلاتهم، والتي لوحظ أنها «القاعة» هُجرت منذ أمد بعيد من طرف ذوي الأظناء إلا في بعض الحالات، كما أن «سخونة» هذه الجلسة مرتبطة بطبيعة الأحكام التي وصلت من جهة إلى سنة حبسا في حق شباب «الفايسبوك» مع غرامة مالية بلغت قيمتها 10 آلاف، درهم، بمن فيهم التابعون لحزب العدالة والتنمية، الذين أكد دفاعهم أن الأمر يتعلق بتصفية حسابات سياسية بعد الانتخابات الجماعية، ومن جهة ثانية صدور أحكام في حق 11 عنصرا من خلية اعتبرتها النيابة العامة من أخطر الخلايا الارهابية، والتي بلغت أحكامها 20 سنة في مواجهة المتهم الرئيسي، الذي من مواليد 1993 ، يعمل صباغا، و18 سنة سجنا نافذة لكل واحد من حارس ليلي، وعاطل، وبائع وجبات سريعة، مزدادين سنة 1976 و1990 و1995، و10 سنوات سجنا نافذا لكل واحد من جباص، ومياومان وكهربائي من مواليد 1992 ، و1994 و1997، في حين وزعت 5 سنوات سجنا نافذة في مواجهة كل واحد من تلميذ، ومسير قاعة للألعاب الالكترونية، وعاطل، وهم من مواليد 1997 و1994 و1983. واعتبر ممثل النيابة العامة، الأستاذ ميمون العمراوي، أن الأفعال التي اقترفها شباب الفايسبوك الثلاثة على إثر مقتل السفير الروسي في تركيا ينطبق عليها قانون مكافحة الإرهاب رقم 03.03 ، المعدل وذلك في الشق المتعلق بالإشادة وليس التحريص، لأنهم وصفوا القاتل التركي بالبطل، واعترفوا أن ما تعرض له السفير الروسي يعد جريمة إرهابية، بل إنهم تفاعلوا مع ذلك وتحمسوا له وأعلنوا مباركتهم لهذا الفعل الجرمي، مما أدى إلى تفاعل الغير مع تدويناتهم، بل إن واحدا منهم تمنى لو أن الرصاصة التي أصابت القتيل لأصابت شخصية أخرى. وأكد ممثل الحق العام أن المشرع المغربي يعتبر أن التفاعل مع الجريمة الارهابية والترويج لها، خاصة على وسائل التواصل الاجتماعي يعد تمجيدا للجريمة الإرهابية، وأفرد لها المادة 218 – 2 ، مشيرا إلى أن هذه الدعاية والتوجيه يندرج في إطار الإشادة بأفعال إرهابية. من جهته قسم دفاع المتابعين، المنتمين لحزب العدالة والتنمية، المرافعات فيما بينهم، حيث تطرق الأستاذ بوبكر نور الدين إلى القرار الأممي رقم 1536 المؤطر للجريمة الإرهابية وسياق الظاهرة الإرهابية وطنيا ودوليا، مؤكدا أن واقعة الاعتداء على السفير الروسي في تركيا هي جريمة سياسية لها إطار صراعاتها الدولية ولايوجد لحد الآن ما يجزم بأنها فعل إرهابي بعيد عما يتناوله الإعلام، مُعرجاً من جهة على ما أسماه «البيان المشؤوم» لوزيري العدل والداخلية، الذي كان سببا في تحريك هذه النازلة، ومن جهة ثانية اعتبر السياسة الجنائية تنحو نحو الغلو، ولا تبشر بالخير لضمان الحقوق والحريات، وأنه يراوده قلق كبير، مطالبا بتحمل المسؤولية أمام الله والشعب، والحكم ببراءة موكليه، لكون النية الإجرامية، التي هي عنصر أساسي في المتابعة غير متوفرة، وأنهم ضد كل أشكال العنف، ولا وجود أصلا لما سُمي بالمساس الخطير بالنظام العام… أما الأستاذ محمد نكرز فاستعرض مقتضى الفصل 218-1 لأنه غير منطبق على واقعة الجريمة، التي ذهب ضحيتها السفير الروسي في تركيا، استنادا حتى إلى مجموعة من الاتفاقيات، بما فيها الاتفاقية العربية لمكافحة الإرهاب، التي لم توقع عليها تركيا، مبرزا مفهوم عناصر جريمة التحريض في الاجتهاد القضائي والقوانين المقارنة، وأن لا أحد من موكليه يدعو للقيام بفعل جرمي، مطالبا القضاء بمسايرة فلسفة وروح المشرع المغربي لسنة 2016، الذي حذف العقوبة السالبة للحرية في هذا المجال من قانون مدونة الصحافة والنشر، وتجاوز عقلية ومنطق 2003 و2004 ، مع ضرورة مراعاة وضعية عنفوان هؤلاء الشباب، وانتفاء النية الجريمة… أما الأستاذ عبد الصمد الإدريسي فاستعرض بتفصيل الطابع السياسي لهذه النازلة التي صنعها شخص واحد، وامتثل له العديد من المسؤولين، وذلك بعد الانتخابات الجماعية الأخيرة على إثر إنشاء هؤلاء الشباب صفحة «العدالة والتنمية» التي وصل عدد زوارها في أقل من 3 أشهر إلى 100 ألف، مما أدى إلى «اشتعال البولة الحمراء»، واضطر معها ابن كيران للتدخل ووصفهم ب «الصُّكوعَا» وطلب منهم عدم دعمه حتى لا يدخلوا السجن، لكنهم دخلوه بعد 6 أشهر، بل تم البحث معهم حول حزب العدالة والتنمية وعقد «نكاح داعشي» كان واحد منهم قد نشره منذ سنوات في حساب تم إغلاقه… وأشار الأستاذ عبد الصمد إلى أنه حينما اعتقل هؤلاء الشباب اعتقدوا كدفاع أنهم أمام جهة قانونية وفتحوا نقاشا حول إعمال مقتضيات مدونة الصحافة والنشر بعد قانون مكافحة الارهاب، لكنهم كانوا كدفاع أغبياء لكشفهم عن خطة النقاش القانوني، مما أدى إلى إضافة تهمة التحريض على جريمة إرهابية، التي لم تعد النيابة العامة مقتنعة بها بعد 7 أشهر من اعتقال المتابعين، موضحا أن الدفاع ارتكب خطأ حينما أثار النقاش القانوني في مرحلة البحث التمهيدي، وأن قرار الإحالة لقاضي التحقيق هو امتداد لمحاضر الشرطة القضائية «كوبي كولي». في هذا الصدد أشار الدفاع إلى كون وزير العدل والحريات لم ينتبه للمتابعة التي تحكم في تحريكها وزير الداخلية، وأن الوضع في البلاد أضحى معه المسؤولون يعتبرون معه حتى استعمال القوة العمومية تهييج، حتى في الافراغات، كما حدث في حالة شركة بسلا رفض وكيل الملك تسخير القوة العمومية، التي سُخرت في مواجهة ملف زعيم سياسي ، مطالبا بتصحيح هذا الوضع، والحكم أساسا ببراءة مؤازريه، واحتياطيا الحكم بما قضوا لردع كل من يمكن أن يُفكر في الكتابة في هذا الإطار، لأن دور القضاء هو تصحيح أخطاء المجتمع، وكذا أخطاء النيابة العامة، التي كان قد اعتقد أن التماسها مهلة للترافع في جلسة سابقة كان في سياق إيجاد حل مجرد لهذا الملف، خاصة وأن الجهات المعنية مطالبة بالتفكير في حل الملفات التي تصنعها. وكان وزيري الداخلية والعدل والحريات قد صدر بلاغ مشترك يوم 22 دجنبر 2016، أفاد « أن الإشادة بالأفعال الإرهابية جريمة يعاقب عليها القانون الجنائي، وذلك على خلفية قيام مجموعة من الأشخاص بالتعبير صراحة على مواقع التواصل الاجتماعي، عن تمجيدهم وإشادتهم بحادث اغتيال السفير الروسي بتركيا ». وسجل البلاغ « أنه على إثر اغتيال السفير الروسي بتركيا، قام مجموعة من الأشخاص على مواقع التواصل الاجتماعي بالتعبير صراحة عن تمجيدهم وإشادتهم بهذا الفعل الإرهابي ». وبعد أن ذكر البلاغ المشترك بأن « الإشادة بالأفعال الإرهابية تعد جريمة يعاقب عليها القانون، طبقا للفصل 2-218 من القانون الجنائي، أبرز أنه تم فتح بحث من طرف السلطات المختصة، تحت إشراف النيابة العامة، لتحديد هويات الأشخاص المتورطين وترتيب الجزاءات القانونية في حقهم »، معتبرا أن هذه « التصرفات المتطرفة وغير المقبولة تتناقض والتعاليم الإسلامية السمحة المبنية على نبذ الغلو والتشدد، وتتعارض وثوابت المجتمع المغربي المؤسسة على الوسطية والاعتدال وترسيخ قيم التسامح والتعايش، حسب وكالة المغرب العربي للأنباء. من جهة أخرى فإن النيابة العامة اعتبرت المتابعين ال 11 في الملف الثاني من أخطر الخلايا التي تم تفكيكها من قبل الأجهزة الأمنية بالمغرب، وأن 3 من عناصرها يشكلون العمود الفقري في التخطيط للقيام بأعمال تخريبية بالمغرب، بعد حصولهم على 3 حقائب من الأسلحة » مسدسات وبنادق وخراتيش » فضلا عن حجز مواد كيماوية في غاية الخطورة والتي تشكل خطرا على الانسان ومحيطه البيئي. وكانت هيئة الحكم تتشكل من الأساتذة: عبد اللطيف العمراني: رئيسا، وعضوية بلاز والهيدوري، وميمون العمراوي: ممثلا للنيابة العامة، والجيلالي لهدايد: كاتبا للضبط.