هلل الكثيرون لتجمع الآلاف في مسيرة مساندة الريف التي عاشتها الرباط يوم الأحد المنصرم، وتنافس الفيسبوكيون وغيرهم في وصفها بأضخم وأفخم النعوت. إنها المسيرة التي يمكن وصفها بكل ما وصفت به، إلا كونها تمثل المجتمع المغربي وتطلعاته. هل يمكن أن نغطي الشمس بالغربال ؟ هي مسيرة جماعة العدل والاحسان التي عبأت تابعيها أو بالاحرى مريديها وأتت بهم إتياناً من جميع اقاليم المملكة لتوجيه رسالةً ليس فقط لمن يهمه الأمر كما يقال، بل لجميع مكونات المجتمع المغربي وذلك خلافاً لما كان عليه الأمر في 20 فبراير2011، حيث اكتفت بتعبئة مناصريها بالرباط والدار البيضاء، أما باقي الهيآت المشاركة من جمعيات واحزاب أقصى اليسار، فهي بالأحرى شاركت مشاركة تابع لمتبوع. فهل هناك ما يدعو للافتخار والتباهي والحالة هذه، لاسيما وأنه لو أرادت السلطة فبمقدورها الإنزال إلى الشارع ضعف ما أنزلته العدل والإحسان. فهل هذا هو التحدي اليوم ؟ أليس من بين مطالب الديمقراطيين المهللين إبعاد الدين عن السياسة، فأين أنتم من هذا الشعار ؟ في المغرب أصبحت لكل قوة سياسية ذراعها الديني! فإذا وصلت الامور مداها وكان التحدي الوحيد الذي يلوح في الافق هو من ينزل الأكثر عددا من المناصرين، فإن السلطات ستدعو أيضاً فاعلاً دينياً مهماً موالٍ لها، له نفس القوة وذات الصيت، إذا لم يكن أكثر، لإنزال مريديه لمناصرتها، وأقصد هنا الزوايا الصوفية وعلى رأسها الزاوية البودشيشية. إذاك ماذا عسانا نفعل؟ مسيرة الرباط إنتصار لجماعة العدل والإحسان، أكيد لا للقوى اليسارية أو غيرها من التي تدعي التقدمية وتنشد إرساء الديمقراطية، وإلا فالجميع مصاب بالعمي السياسي. لقد تسلقت هذه القوى بجماعة لها إنتشار وسط طبقة إجتماعية معينة ومرجعيتها الدينية الأصولية، فهل يمكن الإتكال عليها لترجمة شعارات تنشد بناء مغرب حداثي إلى واقع، والحالة أن هذه الأخيرة متناقضة مع أدبيات شيخ الجماعة ومنظرها عبد السلام ياسين ؟ هل يمكن الإعتماد على الجماعة لإرساء الديمقراطية، بما فيها محاربة الإستبداد وهي التي تهدف تغيير « إستبداد » اليوم بإستبداد ماضوي أكثر شدةً و تعسفاً وانغلاقاً، الكلمة فيه أولاً وأخيراً للمرشد العام، وهي تسمية سيعيدونها إلى الوجود حتماً وما علينا اذاك سوى السمع والطاعة والعمل على محاولة تحقيق على أرض الواقع نهاراً ما رآه المرشد في منامه ليلاً ! جماعة العدل و الإحسان تنادي بالحرية. فهل مفهومها للحرية هو نفس مفهوم الديمقراطيين لها ؟ هل من الحرية في شيء، أن تمنع نساء مشاركات في المسيرة من إعلاء صوتهن جهراً لترديد شعارات المطالبة بالحرية والكرامة والعدالة، بحجة أن صوت المرأة عورة ؟ جماعة تقدمت صفوف مسيرتها نساء يسقن العديد من عربات أطفال رضع، ليذكروننا نحن النساء بمهمتنا الاولى في هذه الدنيا، أي الانجاب والخنوع، ويفتخر المفتخرٌ بنجاح مسيرة الرباط! فقط للجماعة وحدها الحق أن تفتخر. لقد وصل المغرب مرحلة وجب تسمية الأشياء بمسمياتها للخروج من النفق. تقدم الوطن يقتضي النظر في نفس الإتجاه والعمل على إرساء ركائز تصمد في وجه تجار السياسة والدين ونصيري تصفية الحسابات والعدميين لبناء أرضية صلبة وواقعية دون غض الطرف عما أنجز. الهدف الأسمى يبقى طبعاً الوصول لملكية برلمانية، لكن السؤل هل المغرب مستعد لها الآن ؟ هل أفرزت الأحزاب أدبيات ووجوه ونخب جديدة تقنع الشعب بماهية هذا الاختيار ؟ ماذا فعل المنادون بها منذ 2011 ؟ ماذا قاموا به لوضع الشروط على المستوى السياسي والاجتماع وخصوصاً الثقافي لاقامتها على أسس صلبة، والحالة هذه أن تحقيق هذا الهدف يستدعي نفسا طويلا يمتد لسنين وليس ثرثرة ديماغوجية لا تغني ولا تسمن من جوع، ثرثرة ال »فيك fake نضال » ! غير ذلك، وفرضاً أن الملكية البرلمانية ستحكمنا الآن ، فستصبح مؤسسات الدولة الأساسية محكومة برجال دين (بما أن الملك سيبقى فقط أمير المؤمنين ) فيصبح المرشد العام، وليس عمر بلافريج !، وزيراً أولاً والمعارضة بيد حزب العدالة والتنمية ومن يدور في فلكه. التصور قد يكون كاريكاتوريا لكن، ليس بعيداً عما قد تؤول إليه الأمور. فقد سحب البساط من تحت أقدام الأحزاب التقليدية والأسباب لا مجال لتناولها فهي معروفه وقيل وكتب عنها الكثير. لكن لمن تحكي يا جارة ! إذ لا زالت دار لقمان على حالها رغم الظروف الحرجة التي تمر بها البلاد. التطاحن وتبادل الإتهامات وتصفية الحسابات عبر وسائل الاعلام وشبكة التواصل الاجتماعي تبقى، لحد الآن، سيدة الموقف كالعادة، ولا حياة لمن تنادي. لقد تعرض قبر الزعيم السياسي الكبير عبدالرحيم بوعبيد للتخريب، كما كان عليه الشان بالنسبة لقبر الحقوقي المحترم إدريس بنزكري، ولم نسمع ولو حتى دعوة لوقفة احتجاجية لإدانة هذا الفعل الهمجي والمطالبة بمحاكمة لمرتكبيه، ولا حتى بيان من حزب من تدثر بسلهامه يوم تدشين دخوله البرلمان، وقد قال يومها أنه لبسه تيمناً بالزعيم الفقيد.