دائما يردد رئيس الحكومة، عبد الإله بنكيران عبارة: «واش فهمتوني ولا لا؟»، حرصا منه على إيصال رسائله إلى من يعنيهم الكلام. يوم الأحد رفض أهل ضحايا انهيار منزل آخر في المدينة القديمة بالدار البيضاء ركوب الحافلات التي جاءت بها السلطة لنقلهم إلى المقبرة لحضور جنازة الضحايا، وأكثر من هذا واجهوا وزير الداخلية بغضب شديد، وتحولت الجنازة إلى تظاهرة احتجاج... السيد عبد الله بنكيران.. «واش فهمتيهم ولا لا؟»... قبل شهر واحد توفي خمسة مواطنين تحت الأنقاض، وهذا الشهر توفي ثلاثة، والشهر المقبل يعلم الله كم سيموت في أحياء بكاملها قابلة للانهيار في مدن عدة في المملكة. الإحصائيات الرسمية، وهي عادة غير دقيقة إن لم نقل كاذبة، تقول إن حوالي 124 ألف منزل قابلة للانهيار في أية لحظة في المدن العتيقة والحديثة، وهذا معناه أن أكثر من نصف مليون مغربي ينامون تحت سقوف عنكبوتية لا يعرفون متى تنهار فوقهم. حكومات عدة متورطة في هذه «الجريمة» التي يمكن تكييفها بسهولة على أنها «امتناع عن مد العون لشخص في حالة خطر». لعدة سنوات كانت السياسات العمومية للحكومات المتعاقبة تقول إنها تواجه السكن غير اللائق، وتضع البرامج لمحاربة السكن العشوائي دون أن تنتبه إلى أن المنازل الآيلة للسقوط فوق رؤوس مئات الآلاف من المغاربة أخطر من دور الصفيح والبراريك التي لا تقتل على أية حال... الأكثر مدعاة للسخرية السوداء أن تجتمع لجنة مشتركة على عجل، بعد أن تدخل الملك محمد السادس، وتضع على جدول أعمالها إحصاء المنازل الآيلة للسقوط. بمعنى أن كل الذين ماتوا منذ سنوات لم يحركوا ولو شعرة في الحكومات المتعاقبة تدفعهم إلى إحصاء مشاريع الأموات المستقبليين. مجرد إحصائهم فكرة لم تراود وزراء الإسكان والتعمير والداخلية والمنتخبين. فعلا، البشر في هذه البلاد بلا قيمة. رجال ونساء وأطفال يموتون تحت الطوب والخرسانة كالجرذان والمسؤولون لا يتحركون، وكل ما تخسره الدولة هو قصاصة في وكالة الأنباء، وخبر في نشرة الثامنة والنصف يقال في آخره: «إنا لله وإنا إليه راجعون». الدولة توزع آلاف الهكتارات على حيتان العقار الضخمة، والبسطاء يموتون تحت سقوف بيوت نخرها الماء أو الغش أو القدم... يقولون إن فوضى التعمير في البلاد سببها كثرة المتدخلين وغياب الرؤية وعجز ممثلي السكان، وينسون أن أكبر متدخل في العقار هو الرشوة والفساد والريع. هذا الثلاثي الذي صنع ثروات خيالية من رواء التلاعب بالعقار، ومن وراء انسحاب الدولة من أهم رقعة مجال حيوي ترسم فيها سياسات المدن ومخططات التنمية ومشاريع المستقبل... إن الفشل في التخطيط يقود حتما إلى التخطيط للفشل. هذا الفشل لم تنتج عنه اليوم بنايات عشوائية ومدن بشعة بلا روح للمدنية فيها فقط، بل صار هذا الفشل يقود المغاربة إلى القبر... أما كان أولى أن ينزل رئيس الحكومة إلى درب «المعيزي» ليعزي عائلات الضحايا، ويطمئن الباقين إلى أن الحكومة لن تسمح بتكرار ما جرى، وأن على باقي المغاربة القاطنين في دور آيلة للسقوط أن يجمعوا أمتعتهم ويمروا إلى الإدارة لتسلم قيمة سكن اجتماعي... حياة البشر ليس لها ثمن، ولو كنا في بلاد بها قانون وعدالة وإنصاف لحصل الضحايا، الذين قضوا تحت «ركام الدمار»، على أحكام إدانة وتعويض ضد الدولة.