توصل موقع « فبراير.كوم » بمقال تحليلي للإعلامي عبد الصمد بن شريف حول تصدع الثقة بين المغرب والأممالمتحدة، على خلفية تصريحات أمينها العام، بان كي مون، حول الصحراء المغربية، هذا مضمونه: عندما تتصدّع الثقة بين المغرب والأممالمتحدة كشفت الحشود المليونية التي تظاهرت في شوارع الرباط يوم 13 مارس/ آذار الجاري، احتجاجا على تصريحاتٍ للأمين العام للأمم المتحدة، بان كي مون، وصف فيها المغرب دولة محتلة للصحراء، كشفت عن وجود تصدّع كبير في جدار الثقة بين المغرب والرجل الأول في المنتظم الأممي، وخصوصاً أن بان كي مون ارتكب أخطاء جسيمة عندما سقط في فخ يكتنفه لبس كثير، بدءاً من اللعب على ورقة موعد زيارته مخيمات اللاجئين الصحراويين، وصولاً إلى تقويض مبدأ الحياد وإدراجه منطقة « بير لحلو » في برنامج زيارته، وهي بلدة تقع على شرق الجدار الأمني، تم الاحتفاظ بها لتخفيف حدة التوتر بين المغرب والجزائر، وتجنب أي تصعيد أو احتكاك، كما حدث عام 1976 عندما تواجه جيشا البلدين. وتعد هذه الخطوة سابقةً في مسارات الأمناء العامين للأمم المتحدة. وهذا ما دفع المغرب إلى التحذير من أن تستغل زيارة بان لبير لحلو جبهة بوليساريو وحليفها الاستراتجي والتاريخي الجزائر. ولطمأنة الرباط، قدمت الأمانة العامة للأمم المتحدة ضمانات والتزامات، معلنة أن هدف الزيارة هذه المنطقة يقتصر على تفقد عناصر بعثة الأممالمتحدة في الصحراء « مينورسو » هناك، غير أن الوعد الأممي سرعان ما تبخر، ولاحظ المغرب أن بان كي مون رضخ لابتزازات الأطراف الأخرى ومناوراتها، حيث تخلى الأمين العام للأمم المتحدة عن حياده، واستعمل وصف احتلال لاسترجاع المغرب أقاليمه الجنوبية، ما يعطي « بوليساريو » شرعية هجوم مسلح ضد المغرب. أليس إلصاق كلمة محتل بالمغرب مقدمة للزجّ بالمنطقة في تصعيدٍ غير مضمون النتائج؟ وكانت مقدمات هذا الانحراف الذي يمس وظائف الأممالمتحدة وموقع أمينها العام مع الارتباك الذي واكب تحديد تاريخ زيارته المنطقة، فقد طلبت الأمانة العامة من المغرب تحديد موعد ملائم، فاقترحت الرباط شهر نوفمبر/ تشرين الثاني 2015، ووافقت عليه الأمانة العامة، ثم غيّرته بدعوى مستجدات طارئة في مواعيد الأمين العام. وتعامل المغرب مع التأجيل بروح رياضية، ليقترح موعداً في يناير/ كانون الثاني الماضي، وقُبل الاقتراح ثم تم التخلي عنه، ليستقرّ مزاج الأمين العام على مارس/ آذار الجاري، علما أن هذا الموعد لم يناسب أجندة الملك محمد السادس، لتزامنه مع زيارة عمل رسمية خارج المغرب، ما يعد عدم احترام لرئيس دولة تعد قوة إقليمية أساسية، وشريكاً للمنتظم الأممي في حفظ السلام والأمن والاستقرار في أكثر من بؤرة توتر في العالم، ونموذجا في محاربة الإرهاب والتطرف. لم تأخذ الأمانة العامة في الاعتبار ذلك، بل تمسكت باقتراحها، ونفذ بان زيارته مخيمات تندوف وبير لحلو، على أن يزور المغرب بعد تقديمه تقريره إلى مجلس الأمن، الأمر الذي رأى فيه المغرب مؤامرةً مدبرةً، بتنسيق بين عدد من الأطراف، بغية فرض الأمر الواقع، والإجهازعلى مقترح الحكم الذاتي في إطار السيادة المغربية الذي تقدمت به الرباط حلاً جدياً وواقعياً وذا مصداقية. وما يفترض وجود سوء النية، منذ البداية، في سلوك بان كي مون عدم قبول نوفمبر 2015 موعداً لزيارته. ومن المحتمل أن الجزائر وأطرافاً أخرى كانت وراء هذا التأجيل، فإحياء ذكرى المسيرة الخضراء التي استرجع المغرب فيها أقاليمه الجنوبية عام 1975، يوافق السادس من نوفمبر، وخصوصاً أن الاحتفال بالذكرى الأربعين للحدث تميّز بخطاب مباشر وجّهه الملك محمد السادس، من العيون، كبرى مدن الصحراء، وبالإعلان عن إطلاق نموذج تنموي في جهة الصحراء، رصد له حوالي 8 مليارات دولار. ومنذ أدلى بان كي مون بتصريحه الجارح والمستفز للمغاربة، تسارعت الأحداث بوتيرةٍ لم تكن متوقعة، حيث عقد البرلمان المغربي دورة استثنائية، انتصرت فيها كل الكتل والمجموعات لموقف الإجماع والوحدة وتعزيز الجبهة الداخلية. وفي مشهدٍ غير مألوف، أدت الأغلبية والمعارضة النشيد الوطني المغربي، فلا يمين ولا يسار ولا وسط ولا محافظين، عندما يتعلق الأمر بالقضية الأولى للمغاربة. وكانت لافتةً مخاطبة رئيس الحكومة المغربية، عبد الاله بنكيران، بان كي مون، « الأجدر بالسيد الأمين العام للأمم المتحدة أن يقدّر مخاطر الإرهاب وعدم الاستقرار التي تحيط بالمنطقة، وأن يعترف، كما الدول العظمى، بالنموذج الديمقراطي والفريد الذي يشكله المغرب، والذي يعتبر مثالاً يحتذى به، بما يحققه من تزاوج بين الأمن والاستقرار وترسيخ الديمقراطية وحقوق الإنسان، عوض تشجيع الكيانات الوهمية ومنطق التجزيء الذي لا يمكن أن يؤدي سوى إلى مزيد من عدم الاستقرار ». وعوض التفكير في رد الاعتبار وتقديم اعتذار للشعب المغربي، عمد الأمين العام للأمم المتحدة إلى التمسك بتصريحاته وتبريرها، بل وصل به عناده إلى حد الاعتراض على مشاركة وزراء في الحكومة المغربية في المسيرة المليونية التي نظمت ضده، وكأنه وصي على سيادة المغرب، ونسي أن الوزراء مواطنون أولا وقبل كل شيء. وأمام هذا السلوك غير المفهوم، انتقلت الحكومة المغربية من لغة التنديد إلى التصعيد، باتخاذ إجراءات وخطوات، منها تقليص موظفي بعثة « المينورسو » ووقف مساهمة المغرب التطوعية في هذه الآلية الأممية، وإغلاق مكتب الاتصال العسكري التابع لها في مدينة الداخلة، وبحث صيغ سحب وحداته العسكرية المشاركة في مهام حفظ السلام والأمن في العالم. ويعتبر رد الفعل المغربي، رسمياً وشعبياً، ترجمة لمقتضيات السيادة الوطنية والمصالح الحيوية للبلاد، ورسالة إلى أكثر من جهة، في مقدمتها الأمين العام للأمم المتحدة التي تعتبر آلية لترسيخ السلام والأمن والاستقرار، وليس منظومة تحرّكها هواجس إيديولوجية لم تتبدد، على الرغم من خفوت الحرب الباردة، وكأن عيون بان كي مون تتطلع إلى تغيير الواقع والوقائع على الأرض، والتأثير على مسار أي مفاوضاتٍ في المستقبل، بما يرجّح الكفة لصالح الجزائر وجبهة البوليساريو، ثم تطويق مقترح الحكم الذاتي، بتضييق الخناق أممياً ودولياً على المغرب. وسيحمل تماسك الجبهة الداخلية للمغرب، ووجود حالة من الإجماع الوطني حول قضية الصحراء المغربية التي تعد قضية شعب ومجتمع بكل مكوناته وأطيافه، سيحمل المغرب على استعمال كل الوسائل للدفاع عن حقوقه المشروعة والتاريخية، تبعا لما ستستقر عليه الأممالمتحدة في تعاطيها مع قضية الصحراء. كما أن تمتع مدن الصحراء بالاستقرار والأمن، حيث تسجل أعلى نسبة مشاركة في الاستحقاقات الانتخابية، يدل دلالة صريحة على أن الصحراويين الوحدويين، ويشكلون الأغلبية، هم الممثل الفعلي والحقيقي لسكان الصحراء، وليس جبهة البوليساريو التي تخشى من إحصاء سكان المخيمات، ومن تقصّي الحقائق بشأن مصير المساعدات الإنسانية الموجهة إلى سكان المخيمات المحتجزين بشكل غير قانوني، وفي خرقٍ سافر لحقوق الإنسان، إضافة إلى أن مدن الصحراء تعيش نهضة شاملة، وثورة تنموية جذرية في ظل تنزيل مشروع الجهوية المتقدمة التي انخرط فيها المغرب، منذ الانتخابات الجماعية في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، وذلك في أفق تنزيل الحكم الذاتي خياراً مستقبلياً، علما أن الجهوية المتقدمة تعتبر بمثابة تمرين في الحكامة والتدبير الترابيين، لتأهيل ذاته، وتوفير شروط تطبيق مقترح الحكم الذاتي بتواز مع، وبالمراهنة على، كل ما سبق. وأخذاً في الاعتبار عدم مجاراة عدد من القوى العظمى تصرفات بان كي مون، وجديدها تأكيد وزير الخارجية الأميركي، جون كيري، للملك محمد السادس، في مكالمة هاتفية بينهما، يوم 23 مارس/ آذار الجاري، أن الموقف الأميركي لم يتغيّر بخصوص القضيّة، وهو يندرج في الإطار الذي حدّده، بشكل مشترك، العاهل المغربي والرئيس باراك أوباما، في نوفمبر/ تشرين الثاني 2013 في واشنطن. ولطمأنة المغرب، أوضح الوزير كيري للملك أن الحوار بين واشنطنوالرباط سيستمر حتى يتم التوصل، على هذا الأساس، إلى تسوية نهائية لهذا النزاع الإقليمي. وخصوصاً أن على الأممالمتحدة اعتماد حل قابل للتطبيق وتبنيه، لا أن تبقى سجينة المبادئ الأممية الفضفاضة، على الرغم من أنها آليات قانونية، وخصوصاً إذا أدركنا أن التفاوض الحقيقي يحب أن يكون بين المغرب والجزائر التي انخرط مسؤولون فيها، وإعلامها من أقصاه إلى أقصاه، في حرب نفسية ضد المغرب، ولم تتردد مختلف الصحف والقنوات والمواقع الإلكترونية هناك في توجيه ضرباتها ضد القضية الأولى للشعب المغربي، ووصل الأمر إلى حد التهجّم على شخص الملك. كما أن الجزائر كثفت من حملات التشويه والتضليل والتحريف، واستنفرت كل مكوناتها للدعاية لجبهة بوليساريو، ونشر الأخبار المناهضة للمغرب. وفي المقابل، تخصيص مساحات إخبارية واسعة لأنشطة قادة « بوليساريو » والأجانب المتعاطفين معهم.