أكد المحلل الفرنسي المتخصص في التاريخ المغاربي، « بيير فيرميرن »، أن منطقة الريف بالمغرب شكلت « مشتلا » لتفريخ الجهاديين والمتطرفين في اتجاه أوربا، مشيرا إلى أن الظروف والمعاناة التي عاشها أبناء المنطقة خلال فترة الاستعمار الاسباني للمغرب، والتهميش الذي عانوا منه في عهد الملك الراحل الحسن الثاني، دفعهم إلى الاتجار في المخدرات، وتشكيل مجموعات اعتبرت بمثابة « فريسة » للتنظيمات المتطرفة. وأشار أستاذ التاريخ المغاربي المعاصر بجامعة « باريس 1 « ، في حوار مطول مع صحيفة « لوموند » الفرنسية، إلى أن بلجيكا، التي ليس لها ماض استعماري مع العرب والبربر، استقبلت مهاجرين مغاربة من شمال فرنسا، عندما توقفت مناجم الصلب عن توظيفهم هناك، مضيفا أنه يوجد في بلجيكا 700 ألف مهاجر من أصول مسلمة، من بينهم 500 ألف ينحدرون من الريف المغربي هاجروا إلى ضواحي المدن الكبرى – أنفير، روبيكس، بروكسيل، أميان، أميان، لييج، روتردام- ليلتحقوا بالمهاجرين، الذين طردهم نظام الملك الراحل الحسن الثاني عقب أحداث الشغب في الحسيمة في عام 1984. وأوضح الخبير البلجيكي، أن « المهاجرين القادمين من الريف كونوا مجموعات كبيرة تعاطت لجميع أشكال الاقتصاد غير المشروع، وعانت من الفقر والعولمة، وهي الوضعية التي أثارت الدعاة السعوديين والإيرانيين، الذين أصبحوا أكثر اهتماما بهؤلاء »، يقول المحلل البلجيكي، الذي شدد على أن الدعاة السلفيين القادمين من الشرق الأوسط، خصوصا السعودية، عملوا على تحويل جزء من هؤلاء الشباب إلى أصوات معارضة ومعادية لمخزن الحسن الثاني ». « في الريف، كانت هناك دائما أسر وعشائر أدانت بولائها للمخزن، كما أن الشرطة والجيش المغربيين لم يستطيعوا مراقبة شبكات تهريب المخدرات »، يستطرد الخبير البلجيكي، الذي أكد أن المخابرات الفرنسية، التي تشتغل بتعاون مع نظيرتها المغربية، تمتلك معلومات عن هذه الشبكات، على عكس بلجيكا التي لا تتوفر على معطيات معمقة حول أنشطتها، مؤكدا أن الطبقة السياسية في بلجيكا تعاملت بنوع من « اللامبالاة »، و »التساهل »، إزاء جنوح الشباب القادم من الريف المغربي نحو التطرف الديني، حيث تركتهم « فريسة » في أيدي الدعاة السعوديين والإيرانيين، مدعية بأنها يمكنها معالجة هذه القضايا والإشكاليات بمقاربة اجتماعية وسياسية من خلال السلطات المحلية المنتخبة التي لا تتوفر على الوسائل التي تتوفر عليها هولندا في مجال إدماج المهاجرين. من جهة أخرى، قال الخبير البلجيكي في الحوار ذاته، إن الأسر الريفية شكلت « مصدرا » للتجنيد والاستقطاب لكون العلاقات داخلها تتأسس على الولاء والطاعة بين الآباء والأبناء بعيدا عن كل أشكال الرفض، مما يؤثر بشكل سلبي على شخصيتهم التي تصبح مع مرور الوقت قابلة ل »الشحن » بأفكار التطرف وتنفيذ أوامر التنظيمات المتطرفة الإرهابية دون تساؤل أو تعليق. وأوضح « بيير فيرميرن »، أن بنية المجتمع الريفي تتميز بانتشار قيم « الشرف »، « الانتقام »، « العرض »، و « الانصياع للأوامر »، « الثورة » وهي القيم التي تدفع العديد من الشاب إلى رفض الآخر ومن ثمة يشكلون « فريسة » للتنظيمات الإرهابية المتطرفة، مشيرا إلى أن شباب الريف لازال يعيش على أنقاض بطولات عبد الكريم الخطابي وانتصاره في معركة « أنوال »، و القمع الذي تعرضوا له في عهد الملك الحسن الثاني، وأفكارهم الثورية المعادية للنظام والدول المستعمرة، وحرب الريف التي تعرض فيها السكان هناك للقصف بالغازات السامة. يشار إلى أن المؤرخ الفرنسي عاش 8 سنوات في بلدان شمال أفريقيا، و 7 سنوات بالمغرب، وألف العديد من الكتب حول الدول المغاربية، وتاريخ المغرب. وألف مؤخرا كتابين هامين الأول يحمل عنوان « صدمة الاستعمار »، والثاني بعنوان « من حرب الجزائر الى الربيع العربي ».