مرة اخرى يظهر المتفاعلون مع القضايا العامة في الاردن وغيره تلك المستويات المتدنية في تأمل أي مشهد وبناء مواقف متشنجة وغريبة لا مبرر لها وتجلس دائما خارج السياق . بدلا من التركيز على الجانب الفني وعناصر الصوت عند النجمة الشابة الجديدة التي حظيت بلقب» ذا فويس» مؤخرا نداء شرارة انشغل القوم في وسائط التواصل الاجتماعي بقشور المظهر والمسألة . أحدهم وهو من محيط معارفي للأسف يعمل شخصيا في القطاع الفني .. رغم ان رزق عياله كما يقال يصدر عن فعاليات الفن الهابط الا انه وجد الفرصة لكي ينقض باسم الدين والمجتمع والتخلف ايضا على تلك الفتاة الشابة معتبرا انها تمثل انحدارا أخلاقيا . قريبي الذي يفتي بذلك لم ارصد له طوال ثلاثين عاما ولو موقعا أخلاقيا واحدا بأي معنى، لكن سيف الكلام في المجتمع الذي يقدس النميمة ويعلي من شأنها مسلط دوما خصوصا على رقاب الناجحين والمتفوقين . مدرسة نعلم بأمورها وبإهدارها الدائم لأوقات طلابها وتضليلهم بالمعلومات السخيفة تصدر هي الاخرى فتواها وتلوم الشابة شرارة لأنها اساءت للزي الاسلامي وكأن غطاء الرأس اصبح المثال الوحيد للفضيلة وليس ما يوجد فعلا داخل الرأس . الوقار الديني الحقيقي لا يفرضه حجاب او خمار .. تلك مسألة خلافية بطبيعة الحال لكن الوقار الاخلاقي برأيي الشخصي يبدأ بحجاب اللسان وتخمير الأفكار النبيلة والاخلاقية في الدماغ وليس بغطاء بائس في الرأس لا يعني شيئا. قلت وازيد واعيد : من له الحق في الدفاع عن حرية المظهر بحجاب او بدونه ينبغي ان يقر للمحجبات برأيهن وحريتهن فليس كل سافرات الرأس مدهشات وليس كل المحجبات وقورات واكتشاف هذه الحقيقة لا يتطلب اكثر من التجول في ازقة وشوارع الجزء الغربي من العاصمة الاردنيةعمان . الفتاة شرارة موهوبة وصوتها جميل وفازت بمسابقة مشهورة .. ليس اكثر ولا أقل لكن مسلسل الافتاء والنميمة متواصل على طريقة دور السينما التي تعرض بصورة متواصلة بنفس التذكرة وسط بؤس في التعليق وسقم في التحليل دون تركيز على اي من القضايا الحقيقية والجوهرية . احدهم طالب المصفقين للشابة المتسابقة بالاسترخاء لأن اسرائيل لازالت تحتل فلسطين وكأن التصويت لشرارة او عدم التصويت لها يؤثر في تحرير الوطن السليب. حجم التعليقات التي صدرت في بلادي لتحجيم انجاز فتاة بسيطة موهوبة لا يوازي اطلاقا اصحاب اللحى المتشددين فيسبوكيا من الذين تضامنوا مع المسجد الاقصى واسرائيل تنتهكه يوميا . تحرير فلسطين مهمتنا جميعا وليس مهمة الفتاة شرارة حصريا واغلب التقدير ان فوز شرارة او عدمه.. انطلاق موسم برنامج احلى صوت من عدمه ليس من العناصر التي تمنع تحرير فلسطين اصلا، فشرارة تقول لنا جميعا انا فتاة بسيطة واغني .. لماذا يؤثر هذا الامر بالقضية الفلسطينية ؟. قالوا في الفتاة ما يزيد ويعيد ويكرر انتاج الغبار المغلف بالثرثرة : مثلا تم نجاحها لأن السفارة الامريكية في عمان دعمتها . لو كانت الادارة الامريكية معنية بفوز فتاة فقيرة مثل شرارة لأعلنت وزارة الخارجية الاردنية الطوارىء ول»حظيت» بالحد الادنى مثل هذه المشاركة بمساحات واسعة من التغطية في الصحافة والاعلام الرسميين ول»نظمت « لها حملات المساندة والتصويت المجاني . لام كثيرون الفتاة لأنها لم تضع العلم الاردني على اكتافها علما بان وجود هذا العلم في مثل هذا الموقع مسألة تخص السفارة الاردنية وكادرها كما تفعل بقية السفارات . الفتاة شرارة تعبر عن لحظة فرح وبصرف النظر عن الخلفية التجارية لبرامج من هذا النوع من حق الاردنيين ان يفرحوا بنجمتهم الوليدة ومن حقنا كبشر أسوياء بعد الآن التخلص من تلك العادة المملة التي تدقق بتفاصيل وحيثيات الاصل والمنبت .. المظهر والشكل.. النشأة والجهة «كلما دق الكوز بالجرة» كما يقال. قبل شرارة نسي القوم في جدالهم الفيسبوكي والالكتروني البائس كل التفاصيل المتعلقة بآخر ظهور للسفيرة الامريكية في عمان وبدأ خبراء الخيوط والتطريز يتجولون في الفضاء الالكتروني ويحاولون الاجابة على السؤال التالي : هل الثوب الذي اهدي للسفيرة اردني ام فلسطيني ؟. عند كل مناسبة يسيطر ايقاع ثقافتنا في النميمة وترسيم الجهات وشغفنا في الجغرافيا والمظاهر على كل التفاصيل الشكلية ونسقط من الحسابات فورا المضامين الجوهرية . لم يعد مهما اطلاقا تحديد القرية التي خرجت منها عقدة التطريز في الثوب المهدى لسفيرة واشنطن . ولم يعد مهما غطاء رأس الشابة شرارة .. المهم ان تركيزنا على تفاصيل صغيرة وانقسامية تدلل على مستوى الهبوط الثقافي العام . والمهم لازال هو ما نعيشه في بلد كالأردن منذ سنوات لا على صعيد النخبة والدولة فقط لكن على صعيد المجتمع والناس ايضا فالأزمة أخلاقية بامتياز لأن فتاة بسيطة مثل المطربة الشابة اتهمت مبكرا وبعد فوزها وليس قبله بالإساءة للزي الاسلامي فيما تسامح المجتمع ولم ينكر على شيخ متدين طول لحيته متران على الأقل كان يقدم للناس الالبان مخلوطة بمادة تحنيط الموتى ثم يدفن موتاهم ويخطب في مساجدهم.