بدا المشهد غريبا للطلبة الوافدين على خزانة كلية الآداب والعلوم الإنسانية بجامعة القاضي عياض بمراكش، وهم يشاهدون الأستاذ بشعبة الدراسات الإنجليزية، عبد الله الحلوي، يرتدي بذلة عمال النظافة ويعكف على تنظيف أرضية ومرافق الخزانة التي يشرف على محافظتها، والأكثر من ذلك يكمم فمه بشريط لاصق، ويقوم بتنظيف حذاء أحد الطلبة الوافدين على خزانة الكلية،عن هذه الحادثة الغريبة وحيثياتها يتحدث لنا الدكتور عبد الله الحلوي. "فبراير.كوم" تنفرد بمحاورة الأستاذ الذي خلق الاستثناء. دكتور عبد الله الحلوي ما قصة تحولك بين عشية وضحاها إلى عامل نظافة بالخزانة التي تشرف عليها؟
كل ما في الأمر أنني قمت بعمل رجل نظافة لتمرير رسالة معينة، مستلهما في ذلك مبادئي التي لا تنبني على العنف وإنما على الخلق والإبداع ونهج الطرق الحضارية من أجل الدفاع عن حقوقنا وكل ما يهمنا.
لقد تعرضت للطرد من مكتب المسؤول عن الصيانة بالكلية، بسبب مطالبتي إياه باحترام العقدة التي تجمع بين الكلية وبين شركة التنظيف التي يقوم بمراقبة عمالها وتوجيه عملهم داخل فضاءات الحرم الجامعي، وهي العقدة التي تقضي بتنظيف خزانة الكلية مرتين في الأسبوع، يومي السبت والأربعاء، وهو الأمر الذي يقوم به عمال النظافة بتوجيه من مسؤول الصيانة بنوع من الإهمال والتقاعس عن أداء واجبهم بأمانة.
حيث أن الخزانة التي يفترض بها أن تكون فضاء صحيا رحبا يحتضن الطالب، تحولت إلى مكان تزكم الأنوف فيه روائح الأزبال المنبعثة من سلال مهملات لم تفرغ لمدة 15 يوما، وتتراكم فيه على سلالمها الأغبرة والتراب، لذا عزمت على تنظيف أجزاء من خزانة الكلية لم تصلها يد المنظفين، من أجل إيصال رسالة مفادها أنه على المؤسسات أن تكون في خدمة الأشخاص، وأن تنظيف المكان التي يتواجد فيه محافظ الخزانة ليس هو المهم وإنما المهم هو احترام تواجد الطالب في كافة مرافق الخزانة، وبالتالي تنظيفها جميعها، فالمؤسسة والخزانة أحدثتا لأجله أولا.
لا شك أنك تابعت صدى نشر صورك على المواقع التواصل الاجتماعي، خاصة وأنك نشرت مجموعة من الصور مع فيديو مرافق على صفحتك الشخصية على الفايسبوك، ماذا كان رد الفعل؟ وهل يمكن أن ننفي وجود أي دافع شخصي لديك وراء قيامك بعملك الرمزي، خاصة بعد الشجار الذي نشب بينك وبين المسؤول عن الصيانة بالكلية؟
البادرة لاقت استحسانا كبيرا يثلج الصدر لكن ليس لأجل تخليد لحظة قيامي بذلك العمل الرمزي، وإنما لأنني أردت مشاطرة رسالة معينة مع أكبر قدر ممكن من الناس، فالجميع طلبة وموظفون وزوار لاحظوا حالة الإهمال التي ظلت تعاني منها خزانة كلية الآداب، وكم كان جميلا أن يعرض علي العديد منهم يد المساعدة من أجل تنظيف الخزانة.
وللحقيقة فقد كان هناك عدد كبير من المتطوعين طلبة وموظفين، وهناك أمر آخر لا بد من ذكره وهو أن السيد المسؤول عن الصيانة بالكلية، رد على حديثي إليه بشأن مصلحة عامة، الجملة التالية "سير عطيني بالتيساع وإلى ما قداتك العميدة فوتها لهيه"، وهو تعنت مرفوض، لذا قمت بوضع إعلان قمت فيه بالإعلان عن نيتي بالاعتراض على هكذا سلوكات خاصة أنها لا تحترم الحرم الجامعي أولا والطالب ثانيا ودفتر التحملات الموقع بشأنه عقدة بين الكلية ومؤسسة نظافة خاصة، وهو ما دفع بذلك الشخص إلى العمل على تنظيف كافة مرافق الخزانة بطريقة لم يسبق أن نظفت بها من قبل، يومين فقط قبل قيامي ببادرتي الرمزية، التي أصررت عليها، ونظفت بذلك الجناح الأيسر في الرواق السفلي للخزانة، وتقدمت من تلميذ منظفا ما علق على حذائه من غبار تأكيدا على أن المؤسسة خادمة للطالب.
كيف تلقت عميدة الكلية بادرتك هذه؟ وما الذي طالبت به في حال لقاء جرى بينك وبينها أو أي من مسؤولي شركة النظافة؟ السيدة عميدة الكلية الدكتورة وداد التباع، سيدة متعاونة وودودة ودعمت مختلف بوادر الخلق والإبداع والتغيير داخل الكلية، بدءا بتخصيص مكتبة الكترونية ضخمة متاحة لاستعمال الطلبة، مرورا بدعم تمكين الطلبة من خدمة "الويفي" داخل فضاء الخزانة، وإلى تخصيص حصص أسبوعية للقراءة الجماعية لكتاب واحد، أو تنظيم قراءات في كتب مختلفة، لذا لم يكن غريبا عنها أن تندد بتصرف المسؤول عن الصيانة بالكلية، وأن تطالب معي باحترام دفتر التحملات الموقع بين الكلية وبين شركة النظافة.
ان كل ما أرجوه، هو إحقاق القانون واحترام كرامة الطالب وكرامة الموظف وكرامة الأستاذ، خاصة أننا في زمن ينادي بالعدالة الاجتماعية وبالكرامة الإنسانية.