بعد المسيرة الحاشدة التي جابت كبريات شوارع مدينة العيون، مساء يوم السبت الماضي، ورفعت فيها بكثافة أعلام جبهة البوليساريو وردّد المتظاهرون جميع الشعارات الانفصالية والمناصرة للجبهة؛ تسود حالة من الصدمة والذهول في الأوساط السياسية والفاعلين المحليين في أقاليم الصحراء. مصادر متطابقة عبّرت لنا عن دهشتها للتحوّل الكبير الذي أبان عنه المغرب في الأيام القليلة الماضية، معتبرة أن الأمر أثار تساؤلات عديدة حول ما يخفيه هذا التحوّل وما إن كان ينبئ بتطورات سياسية يتم التحضير لحدوثها في ملف الصحراء على المستويات السياسية والدبلوماسية.
وكشفت مصادر محلية موثوقة عن انتشار حالة من الذهول في الأوساط السياسية والمدنية المحلية، «حيث باتت وسائل الإعلام العمومية وحتى الإذاعات الخاصة المستقرة في الدارالبيضاء، تجد صعوبة كبيرة في إيجاد من يُدلي بتصريحات إعلامية حول ما يقع، لأن الجميع ينتظر اتضاح الموقف وفهم حقيقة التطورات التي جرت في الأيام القليلة الماضية». فيما رفعت السلطات الأمنية حالة الاستنفار مخافة صدور ردود أفعال من جانب سكان المدينة المتحدرين من شمال المغرب، والذين يقطنون في أحياء لا يفصلها عن الأحياء الملتهبة سوى بضعة أمتار.
ميدانيا، سادت حالة من الهدوء الحذر والترقّب، غداة المسيرة الحاشدة غير المسبوقة التي شهدتها العيون مساء يوم السبت. مصادر من داخل الأحياء الملتهبة في عاصمة أقاليم الصحراء، قالت إن تطويقا أمنيا غير مسبوق قامت به السلطات الأمنية ليلة الأحد، «حيث قامت قواتها وسياراتها بإغلاق بعض الدروب والشوارع ومراقبة تحركات المواطنين بشكل دقيق ودائم». فيما قال مصدر حقوقي متابع للتطورات الميدانية، أن محاولات جرت مساء الأحد الماضي حوالي الساعة السابعة، لخروج بعض المجموعات الصغيرة للتظاهر والاحتجاج في الشارع، «إلا أن تدخلا أمنيا مبكرا قام بتفريقها داخل حي مولاي رشيد ومنعها من الوصول إلى الشارع حيث يتجمّع المتظاهرون في العادة».
وفيما يُنهي وفد الإعلاميات الأمريكيات والبريطانيات المنتميات إلى كبريات الصحف والمنابر الإعلامية الأنغلوساكسونية زيارته إلى المدن الصحراوية أمس الاثنين؛ ينتظر مطار الحسن الأول يمدينة العيون، وصول مزيد من الوفود الأجنبية الممثلة لهيئات سياسية وحقوقية وإعلامية، في استمرار لضغط دولي غير مسبوق في تاريخ ملف الصحراء، وهو ما يعني استمرار التظاهر والاصطدامات مع القوات العمومية. رئيس مركز كينيدي للعدالة وحقوق الإنسان، التي تعتبر أحد أكبر الداعمين لانفصاليي الداخل؛ تواصل الترويج لعريضة موجّهة إلى كل من الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، والرئيس الأمريكي باراك أوباما. العريضة المنشورة عبر أحد المواقع المتخصصة، يصاحبها شريط فيديو تظهر فيها كيري كينيدي وهي تناشد الجميع للتوقيع على العريضة، مقدمة المغرب كدولة محتلة لشعب مظلوم. وفاقت عدد التوقيعات التي نالتها العريضة حتى زوال أمس، 6100 توقيع.
مصادر محلية بمدينة العيون ومتابعة لتطورات القضية، قالت إن كلّ هذه التطورات ترتبط بشكل كبير بفترة ما بعد تعيين الدبلوماسي الأمريكي كريستوفر روس ممثلا شخصيا للأمين العام للأمم المتحدة في هذا الملف. وربطت هذه المصادر بين جميع التطورات الأخيرة في ملف الصحراء والدور الأمريكي فيه، «حيث لاحظنا الحملة القوية التي أوصلت أمينتو حيدر إلى شاشة قناة «سي إن إن» الأمريكية، ثم جاء المقترح الأمريكي في مجلس الأمن الدولي لتوسيع صلاحيات المينورسو، والذي يبدو الآن لم يقدّم إلا لكي يُسحب، أي بعد أدائه لوظيفة معينة لم تتضح بعد، ثم يأتي الآن هذا الضغط الإعلامي والسياسي الكبير عشية استئناف روس لمشاوراته في المنطقة، والتي يرجّح أنه سيقوم بها بشكل سري بين الفاعلين الأساسيين ابتداء من منتصف شهر ماي الجاري».