"السفر الحقيقي ليس هو السفر للبحث عن أماكن جديدة بقدر ما هو البحث عن اقتفاء لأثر ونظرات جديدة" قولة للكاتب الفرنسي مارسيل بروست وجدت صداها وترجمتها على أرض الواقع الفنانة الفوتوغرافية ليلى غاندي التي سخرت عدسة آلتها لجولة عبر العالم، وجعلت "المتذوق" لصورها يسافر بالذهن والروح لأماكن تبعد بآلاف الكيلومترات. ليلى اختارت رواق "فضاء التعابير" لمؤسسة صندوق الإيداع والتدبير بالرباط مرتعا لضخ شغف الصورة بين الناس وانتقت له عنوان:"من حياة لأخرى" (فيزافي)، وما اختيار يوم الافتتاح بالتزامن مع اليوم العالمي للمرأة لدليل على أهمية هذا اليوم بالنسبة للفنانة الشابة ليلى التي جابت العالم وطوعت آلتها لخدمة تنوع التجربة الإنسانية عبر الأمكنة. صور ليلى غاندي "تهز" مكنون الذكريات والشجون، جعلت المشاهد لصورها المعروضة والتي يقارب عددها سبعين صورة يسافر في لحظات معدودة لدول من مختلف جهات العالم الأربع، من التيبت إلى سيبريا مرورا بالهند وكوبا والصين وفرنسا والسنغال والكويت وتركيا وغيرها... خيط ناظم نستشفه، فمهما اختلفت الأمكنة هناك نقاط عديدة توحد التجارب الإنسانية وتجسد الحوار بين الثقافات. عدسة ليلى حركت وبعثت للتساؤل حول النظرة التي يحملها عموما كل واحد منا عن الناس والأشياء بطريقة أضفت الجديد للتجربة الفوتوغرافية. غاندي سارت على نهج ابن بطوطة، فأحيت ذاكرة الأمكنة ، ذاكرة النبش في ثقافات أخرى برسم سيرورة الحياة من خلال أزقة ومطاعم وساحات عمومية وبيوت وعلاقتها بالإنسان وتحركاته. ليلى سافرت فوجدت عالما آخر، اكتشفت وأخرجت للوجود إيداعا جمع ما بين المتعة واللمسة الجمالية والإتقان. تجد صورها تارة بالأبيض والأسود، وتارة أخرى بألوان زاهية وتارة تميل إلى تقنيات اللقطات السينمائية وترى الشيء المصور بعيد وفي إطار عام، ما يجعله كنقطة في بحر مؤثث داخل فضاء متجانس يعطي للصورة رونقا خاصا . الرائي للوحات غاندي لا يستمتع بالموضوع المصور فقط، بل ينجذب إلى ذلك الحس الرهف الذي تخلقه الصورة. هو حس جمالي وليد لحبكة ليلى سواء على المستوى الكرافيكي أو على المستوى التأطيري، الشيء الذي ينعكس على توزيع كل جزء مكون للصورة ما يجعلها متراصة ومتوازنة. غاندي نجحت في الوصول إلى خلق جو انفعالي مع الإنسان بغض النظر عن ثقافته ومكوناته فجعلت السفر يمر عبر لحظات تأملية تتداخل فيها الحركة مع قوة التأثير. يقول الفوتوغرافي والأستاذ الباحث في الفوتوغرافية الصحافية جعفر عاقيل في كلمة تضمنها دليل المعرض إن: "ليلى غاندي تميزت منذ بداياتها بأسلوب فني يجمع ما بين الأشكال التعبيرية والبعد التوثيقي في تأطير واحد للتعبير عن حالات ووضعيات أقل ما يمكن القول عنها أنها مشحونة بالأحاسيس الصافية وغنية بدفء العلاقات الإنسانية وموشومة بالتساؤلات عن دلالات الذاكرة والتاريخ. ابنة مدينة الدارالبيضاء شغوفة بالكتابة والتصوير والإخراج وهي حاصلة على شهادة في العلوم السياسية من باريس، متخصصة في البرامج الوثائقية وهي على الخصوص مؤلفة "يوميات من الصين". ليلى غاندي نالت جائزة الأدب من الوكالة الأمريكية للتنمية سنة 2009، وانضمت إلى برنامج الأممالمتحدة لتحالف الحضارات، وفي سنة 2011 تم اختيارها لتمثيل شمال افريقيا في قمة الاتحاد الإفريقي الذي أقيم في أديس أبابا. الرحلة حول العالم لازالت مستمرة بفضاء "رواق التعابير" إلى غاية 13 من شهر أبريل المقبل.