قبل تنصيب حكومة عبد الإله بنكيران، ظلت الإضرابات القطاعية متواصلة باستمرار، فما إن تدعو نقابة إلى إضراب عن العمل حتى تسارع باقي النقابات الأخرى إلى مساندتها، بل إنه في قطاع الجماعات المحلية، مثلا، كانت كلما دعت نقابة معينة إلى الإضراب إلا وانخرط فيه جميع الموظفين حتى ولو لم يكن لهم انتماء نقابي. ومع توالي الإضرابات القطاعية، أصبحت مصالح المواطنين معطلة، فعمال الجماعات المحلية أيضا كانوا يشنون الإضرابات المتوالية عن العمل لأيام، تاركين المواطنين يضربون أخماسا في أسداس في مصالح تصحيح الإمضاءات، وشوارع المدن تعج بأكوام النفايات. الصورة نفسها تكررت في قطاع التربية الوطنية مع إضرابات أعضاء هيئة التعليم، وفي محاكم المملكة مع الإضرابات المتوالية لكتاب الضبط، لكن، وبعد مجيء حكومة عبد الإله بنكيران، بدأت الأمور تتخذ مسارا آخر. فقد أصدر وزير الداخلية، امحند العنصر، مرسوما يقضي بالاقتطاع من أجور الموظفين المضربين عن العمل، وبالقيام بإحصاء عدد الموظفين لتمييز العاملين منهم عن الأشباح، كما أظهر وزير التربية الوطنية، محمد الوفا، صلابة في التعامل مع رجال التعليم المضربين عن العمل والمستفيدين من الريع، ليقرر نشر لوائح المستفيدين من المساكن الوظيفية الذين يوجد بينهم نقابيون، أما وزير العدل والحريات، مصطفى الرميد، فقد بدا أكثر حزما في مواجهة كتاب الضبط وهو يطبق شعار: «الأجر مقابل العمل». هذه القرارات الوزارية المسنودة بدعم الحكومة لسياسة الأجر مقابل العمل، وبعدم التراجع عن قرار الاقتطاع من أجور المضربين، جعلت النقابات تنكمش على نفسها بعد أن أصبح الكثير من الموظفين يحسبون قيمة الاقتطاعات المالية من أجورهم قبل أن يفكروا في خوض إضراب عن العمل بدون أجر. لكن ميلودي موخاريق، الأمين العام للاتحاد المغربي للشغل، وعبد الرحمن العزوزي، الكاتب العام للفيدرالية الديمقراطية للشغل، يعتبران أن قرار الحكومة الاستمرار في سياسة الاقتطاع من أجور الموظفين والمستخدمين المضربين عن العمل، لن يدفع النقابات إلى التخلي عن الإضراب للدفاع عن مطالبها. واعتبر المسؤولان النقابيان أن الحكومة تقوم بصب الزيت على النار، وشددا على أن سياسة الاقتطاع من أجور المضربين عن العمل لا ترهب النقابات، بل ستدفعها إلى الاستمرار في التصعيد. وأوضح موخاريق أن المركزيات النقابية عندما تدعو إلى القيام بإضراب عن العمل، فإنها لا تفعل ذلك من باب المزايدة أو محاولة منها للضغط على المشغلين، بل إنها تتدخل قبلا بشكل حبي بين العمال والمقاولات المشغلة لحل المشاكل بطريقة حبية، والقيام بالمراسلات الإدارية للمصالح المعنية، وعندما لا تتلقى هذه النقابات أي جواب، وتجد أبواب الحوار موصدة أمامها، فإنها تلجأ إلى الإضراب عن العمل كوسيلة من وسائل الاحتجاج. وقال موخاريق إن الحكومة تقوم بخرق الدستور في تعاطيها مع مطالب النقابات، وزاد قائلا: «نسجل في الاتحاد المغربي للشغل أن من بين 47 حكومة تعاقبت على المغرب منذ حصوله على الاستقلال، كانت حكومة عبد الإله بنكيران الحكومة الوحيدة التي اتخذت قرار الاقتطاع من أجور العمال المضربين عن العمل، ونعتبرها سابقة في تاريخ المغرب المعاصر، فحكومة بنكيران، التي تتشدق بالدستور الجديد الذي يضمن الحق في الإضراب، هي نفسها التي تقوم بخرق هذا الدستور الجديد.. وإصرارها على الاقتطاع من أجور المضربين أمر غير مقبول، ونقول لها إن الاقتطاع لا يرهبنا، بل سيزيد من شد عزيمتنا على الاستمرار في النضال». أما عبد الرحمن العزوزي، الكاتب العام للفيدرالية الديمقراطية للشغل، فاتهم الحكومة بالانقلاب على اتفاق 26 أبريل 2011، والتنكر لجميع بنوده التي التزمت بتطبيقها، مشددا على أن استمرار الحكومة في عدم الاعتراف بالاتفاقية الدولية رقم 78، المتعلقة بالحريات والحقوق النقابية والتي مازال المغرب لم يصادق عليها، من بين الأسباب التي تجعل بلادنا قابعة في مراتب متدنية في مجال الحقوق والحريات.