مكتب الرجل الكبير فى المقطم يشغل الدور الثانى من مبنى فخم للغاية يقولون إن إنشاءه تكلف أربعين مليون جنيه. فى العادة يصل الكبير إلى مكتبه بعد أن يؤدى صلاة الفجر مباشرة.. يستقبله أفراد من جماعته بحب وحماس، يتزاحمون على تقبيل يده، بينما يحييهم مبتسماً ويربت عليهم بعطف أبوى. جدول الكبير مزدحم دائماً. مقابلات واجتماعات وتقارير يتلقاها من كل مكان فى مصر. اليوم ما إن وصل إلى مكتبه حتى طلب كوباً كبيراً من السحلب باللبن والمكسرات. يحب هذا المشروب لأنه يعطيه طاقة للتفكير والحديث. استغرق الكبير فى قراءة تقارير مطولة كتبها مسؤولون فى قطاعات مختلفة، ثم التقى أحد السفراء الأجانب لمدة ساعة، وحوالى الساعة الحادية عشرة جاءه صوت مدير مكتبه عبر اللاسلكى: - سيادة اللواء وصل. - خليه يتفضل. دخل رجل جاوز الستين، متين البنيان، ملامحه الجامدة تنم عن مزاج صارم. صافحه الكبير بحرارة، ثم جلس أمامه ودار بينهما الحوار التالى: الكبير: لقد استدعيتك لأننى أحس بقلق. مازالت هناك اضطرابات فى بورسعيد والمنصورة ومدن عديدة أخرى. المسؤول: نحتاج إلى وقت، لكننا سوف نستعيد الأمن قريباً بإذن الله. الكبير: أشكرك على المجهود الكبير الذى تبذله مع رجالك. جزاكم الله خيراً، لكننى أريد المزيد منكم. المسؤول: لا شكر على واجب. تحت أمر فضيلتك وسوف ترى النتيجة قريباً. الكبير: خلى بالك إن الوقت محدود. لازم البلد تهدى قبل الانتخابات. المسؤول: تعودنا من فضيلتك أن تثق فى رجالك. الكبير: لو لم أكن واثقاً فى قدراتك لما اخترتك لمنصبك. أنا أريد أن أسمع منك الخطوط العامة لخطتك حتى يطمئن قلبى. المسؤول: أنا قضيت فى الخدمة أربعين سنة. اشتغلت فى معظم محافظات مصر. عندى تجربة كبيرة مع الشعب. شعبنا طيب ومطيع وأهم شىء عنده الاستقرار. شعبنا خوّاف بطبيعته ويكره المشاكل. معظم المصريين ماشيين على رأى المثل «من خاف سلم».. و«اللى يتجوز أمى أقوله يا عمى».. اللى حصل فى ثورة يناير شىء استثنائى.. طفرة.. شوية عيال على «فيس بوك» و«تويتر» قاموا بتهييج الناس والأمن تعامل معهم بغباء. أعوذ بالله من الغرور، لكننى لو كنت مسؤولاً أيام الثورة كنت عرفت أقضى عليها فى يومين اتنين. بعد ما مبارك تنحى معظم المصريين صدّقوا إنهم ثوار وافتكروا إن أى حاجة ما تعجبهمش ممكن يغيروها بالمظاهرات.. دلوقت لازم يفوقوا. لازم يرجعوا يخافوا. لازم الشعب يرجع لطبيعته. لازم الكل يعرف إن الاعتراض على السلطة له ثمن باهظ. كل واحد ينزل مظاهرة يبقى عارف إنه حيتقتل أو يُعتقل وينضرب لغاية لما يتمنى الموت. أى بنت حتتظاهر لازم تعرف إنها حتتبهدل وتتسحل فى الشارع وتتقلع هدومها والناس بتوعنا حيتحرشوا بها وممكن يغتصبوها. الكبير: تمام. المسؤول: إحنا عندنا أسماء العناصر المتزعمة للمظاهرات. خطتنا إننا نصطادهم واحد واحد. بدأنا التنفيذ وفضيلتك شفت بنفسك. رصاصة فى دماغ الواحد منهم فى زحام المظاهرة ونخلص منه. الكبير: الله يفتح عليك. المسؤول: بالنسبة للمشاغبين من الصف الثانى بنعتقلهم وبنضغط عليهم جامد. بنعمل فيهم حاجات تخلى الواحد منهم يطلع عينه مكسورة ومذلول وما يقدرش يعترض على السلطة مهما عملت فيه. الكبير: شوف شغلك لكن من غير فضائح. المسؤول: إحنا محترفين. كل أماكن الاعتقال ليست تابعة لنا إطلاقاً، حتى القوات اللى بتعتقل العناصر المشاغبة بتبقى لابسة ملكى، وبتعتقلهم فى ميكروباصات. مفيش أى دليل إن الدولة مسؤولة.المستشفيات متعاونة معنا، والطب الشرعى بيكتب تقريره زى ما إحنا عايزين.. النيابة أيضا بتؤدى دور عظيم. الكبير: النائب العام ده ابنى. أنا مربيه على إيدى. المسؤول: بأمر الله نقضى على المشاغبين فى أسبوع أو أسبوعين بالكتير. الكبير: أنا مستعجل. لازم البلد تهدى قبل الانتخابات. استمرار الشغب بهذه الطريقة حيحرجنا قدام أصدقائنا فى الخارج. إنت عارف إن الإدارة الأمريكية بتثق فينا. وزير الخارجية الأمريكى كان عندى من يومين، وقالى بوضوح إن الأمريكان حيوافقوا على أى إجراءات نأخذها ضد المشاغبين، لكن بشرط إننا نحقق السيطرة بسرعة. المسؤول: أنا عندى رأى وأرجو من فضيلتك إنك تتقبله بصدر رحب. الأمريكان معروف عنهم الغدر. أرجو من فضيلتك ألا تثق فيهم أو تعتمد عليهم. الأمريكان دعموا مبارك لما احتاجوه وساعة الجد تخلوا عنه وانقلبوا عليه. الكبير: ماتخافش المرة دى الأمريكان بيدعمونا بجد. رجالك قتلوا المتظاهرين بينما وزير الخارجية الأمريكى فى القاهرة، والرجل مانطقش بكلمة اعتراض واحدة. عاوز دعم أكتر من كده؟! المسؤول: كانوا بيعملوا نفس الشىء أيام مبارك. الكبير: جماعتنا غير مبارك. إحنا لحمنا مسموم. وبعدين إحنا فاهمين طريقة التعامل مع أمريكا. المسؤول: اشرح لى فضيلتك. الكبير: تخيل إنك طبيب بتشتغل فى مستشفى. طبيعى إنك تحب ترضى مدير المستشفى. لو اكتشفت إن مدير المستشفى بيحب سكرتيرته وتزوجها سراً. معنى كده إنك لو أرضيت السكرتيرة وراحت موصية عليك المدير لازم يسمع كلامها، صح؟! هو ده وضعنا مع أمريكا بالظبط. أمريكا هى المدير وإسرائيل السكرتيرة. إحنا تفاهمنا مع إسرائيل، وهى بقت مطمئنة من ناحيتنا وتأكدت إن بقاءنا فى مصلحتها..من هنا لا يمكن الأمريكان ينقلبوا علينا أبداً. لكن فى نفس الوقت لو استغرقت وقت طويل لغاية لما تسيطر على البلد حتحرجنا كلنا. المسؤول: أنا التزمت قدام فضيلتك إنى أسلمك البلد هادئة قبل الانتخابات. الكبير: بارك الله فيك. المسؤول: عندى طلب من فضيلتك. نهض المسؤول ومدّ يده عبر المكتب ببضع ورقات ثم قال: عاوزين أسلحة جديدة. أنا كتبت لفضيلتك الأنواع المطلوبة، وأتمنى إننا نحصل عليها فى أقرب فرصة. التقط الكبير الأوراق وبدأ يطالعها باهتمام وقال: إحنا مش جبنالكم قنابل غاز جديدة من أسبوع؟! رد المسؤول قائلاً: صح فضيلتك. بس الغاز اللى إحنا طالبينه مش مسيل للدموع، ده أشد بكثير. دى غازات خانقة بتشتغل على الجهاز العصبى. فى ثوان المتظاهر يفقد الوعى ويتشنج وممكن يموت. هزّ الكبير رأسه وهو يقرأ وقال: خلاص نجيب لك الغازات دى مادامت فعّالة. إنت عاوز بنادق قناصة ثانى؟! رد المسؤول بسرعة: استعمال رصاص القناصة ضد المتظاهرين له تأثير حاسم. جربناه فى بورسعيد والنتيجة كانت عظيمة.. القناصة بيأخذوا مواقعهم ويصطادوا المتظاهرين زى العصافير ومفيش دليل عليهم. ابتسم الكبير وبدا عليه الرضا وقال: بنادق القناصة مكلفة جداً، لكن ولا يهمك. إن شاء الله نوفر لها ميزانية. استطرد المسؤول قائلاً: عندى طلب ثانى لفضيلتك. بالنسبة للضباط الملتحين. همّ عاوزين يربوا ذقونهم اتباعا لسنة النبى، صلى الله عليه وسلم. أنا ماعنديش اعتراض طبعاً. فضيلتك عارف إنى ملتزم دينياً. الحمد لله أنا أديت الحج مرتين غير عمرات كثيرة ربنا كرمنى بها. لا يمكن أقف ضد إنسان متدين أبداً. المشكلة إن لوائح الشرطة لا تسمح بإعفاء اللحية.. أتمنى إن فضيلتك تقابل الضباط الملتحين وتحاول تقنعهم إنهم يأجلوا المشكلة دى لغاية لما نسيطر على البلد. ساد الصمت لحظة واربدّ وجه الكبير وقال: لولا إنى عارف علاقتك بربنا سبحانه وتعالى لكنت شككت فى دينك. كيف تتوسط عندى لكى أمنع سنة مؤكدة للرسول، صلى الله عليه وسلم؟! رد المسؤول بصوت خافت: كل ما أطلبه تأجيل الموضوع حتى لا تحدث بلبلة بين الضباط. صاح الكبير غاضباً: اقرأ الفقه الإسلامى يا بنى قبل ما تتكلم. هل تعرف معنى أن أمنع أمراً شرعياً؟! والله إنى أفضل أن تقطع يدى أو أموت قبل أن أكون سبباً فى منع سنة رسول الله، صلى الله عليه وسلم، إعفاء اللحية واجب فى المذاهب الأربعة. هؤلاء الضباط يجتهدون لإرضاء الله سبحانه وتعالى، يجب أن نشجعهم لكى يكونوا قدوة لزملائهم. أتمنى أن أرى كل الضباط ملتحين وأولهم أنت. ضحك المسؤول ليجارى الكبير الذى نظر إلى ساعته وقال: أنت على وضوء؟ - الحمد لله. - يلّه بنا نلحق صلاة الظهر. نهض الكبير وقبل أن يخرج تفحص المسؤول بنظرة قوية وقال: افتكر إنك وعدتنى تسلمنى البلد من غير متظاهرين قبل الانتخابات. كلامى واضح. أنا مش عاوز المخربين دول فى البلد. هؤلاء المتظاهرون خارجون على الشرعية وموتهم حلال شرعاً.. حكمهم فى الشرع الحنيف تطبيق حد الحرابة عليهم. يعنى المفروض نقطع أرجلهم وأيديهم من خلاف. أى شىء حتعملوه فيهم حيكون قطعاً أقل من الحكم الشرعى عليهم. حتى لو قتلتوهم تبقوا بتنفذوا حكم الشرع. عاوزك توصل رسالة واضحة لكل ضباطك. أنا منحتهم صلاحية مطلقة يعملوا فى المتظاهرين ما يشاءون. إياكم تخافوا. إياكم إيديكم ترتعش على الزناد. أنا أعطيتكم كلمة شرف: لن يُعاقب ضابط واحد حتى لو قتل ألف متظاهر.. لو كان ثمن الاستقرار إنك تقتل عشرة آلاف أو حتى مائة ألف. اقتلهم. أنا موافق. كل المخربين لازم يترموا فى السجن أو يموتوا عشان الشعب يعيش فى أمان. هزّ المسؤول رأسه ثم هرول خلف الكبير الذى نزل على درجات السلم حتى لا يضيع دقائق فى انتظار المصعد. كان أذان الظهر قد ارتفع. دخل الكبير مسرعاً إلى المسجد فاستقبله المصلون من أفراد الجماعة بحفاوة وراحوا يقبّلون يديه، ثم انحنى أكثر من شخص لكى يخلع حذاءه ويحمله عنه. بعد دقائق كان الكبير يقف أمام المحراب يؤم المصلين وقد أغمض عينيه وراح يهمس بآيات القرآن فى خشوع تام. الديمقراطية هى الحل