أجلت المحكمة الابتدائية بالرباط الجمعة الماضي، الاستماع إلى مرافعات الدفاع في ملف تعويضات كل من صلاح الدين مزوار، وزير المالية السابق، ونور الدين بنسودة، الخازن العام للمملكة، إلى الجمعة المقبل، حيث ينتظر أن تدخل القضية إلى المداولة. وعرفت الجلسة الأخيرة مرافعات مثيرة سواء من محامي الحكومة، المطالب بالحق المدني، الذي تحول إلى «مغرق»، وهاجم الصحافة، واعتبر تعويضات مزوار وبنسودة، حق لهما، بل ذهب إلى حد القول إنها تعويضات لا تؤخذ من المال العام، فيما أثبت الدفاع بالحجج أن تلك التعويضات «غير قانونية» ودعا إلى محاكمة مزوار وبنسودة بتهمة «الغدر» و»خيانة الأمانة». تعويضات غير قانونية تكيف في باب «الغدر» عبد الرحمان بنعمرو، النقيب والمحامي بهئية الرباط، بدأ بمرافعة سياسية، قال فيها، إن هذه التعويضات تعد فسادا، وأن الربيع العربي، وحركة 20 فبراير التي أدت إلى تعديل الدستور، رفعت شعارات تطالب بإسقاط الفساد والاستبداد، معتبرا بأن هذه العلاوات المتبادلة بين مزوار وبنسودة إهدار للمال العام، مشيرا إلى أن وزير العدل الحالي طلب النيابة العامة بفتح بحث حول قانونية هذه العلاوات، وتساءل «لماذا لم نسمع عن انطلاق البحث مع مزوار وبنسودة حول هذه العلاوات». وواجه بنعمرو، في مرافعته، ادعاءات محامي الحكومة بوجود مرسوم صادر سنة 1984 ينظم الحصول على علاوات. وطلب النقيب بنعمرو من محامي الحكومة، تسليم نسخة من هذا المرسوم للمحكمة، لكن هذا الأخير، بدأ يبحث وسط ملفاته دون أن يسلم نسخة من المرسوم. وهنا كشف بنعمرو، أنه تمكن من الحصول على نسخة مما يدعي محامي الحكومة، أنه مرسوم، وقال للمحكمة إن «الأمر يتعلق بقرار وليس مرسوم»، حيث اتضح أن محامي الحكومة، إما أنه سعى إلى تضليل المحكمة، أو أنه لا يميز بين القرار، والمرسوم. هذا، وكشف بنعمرو، أن التعويضات التي حصل عليها مزوار وبنسودة «غير قانونية»، وشرح ذلك قائلا «إن التعويضات والعلاوات، تحدث بمرسوم وليس بقرار، وبالتالي اعتبر قرار سنة 1984 «غير قانوني». وأكد بنعمرو، أن قرار 1984، غير منشور في الجريدة الرسمية، وهو ما يتعارض مع الفصل 6 من الدستور الذي ينص على نشر جميع القرارت والمراسيم في الجريدة الرسمية. بل اعتبر بنعمرو، أن مجرد إصدار قرار باللغة الفرنسية، وليس باللغة العربية الرسمية، يطعن في شرعيته، وقال «القضاة في فرنسا يرفضون القرارات التي تصدر بغير اللغة الفرنسية». بالعودة إلى مضمون القرار، الصادر سنة 1984، قال بنعمرو، إنه يتحدث عن توزيع فوائد الودائع لدى الخزينة، بين الموظفين والمحاسبين، حسب معايير. وتساءل «هل هناك معايير توضح كيفية توزيع هذه العلاوات؟» و»هل هناك معيار يشير إلى منح الخازن العام 10 ملايين، وزير المالية 8 ملايين أو 20 مليونا. ثم خلص إلى أن «قرار التعويضات كان باطلا ويمكن بسهولة إلغاؤه أمام المحكمة الإدارية، علما أننا ألغينا قرارات أهم منه أمام المحكمة». وبين المحامي بنعمرو، أن التعويضات والعلاوات، الخاصة بالوزراء والكتاب العامون، والمديرون العموميون، ينظمها القانون، والمراسيم ولا تنظم بالقرارات. وتحدث مثلا عن أن أجور وتعويضات الوزراء ينظمها ظهير 23 أبريل 1975، واعتبر أنه عندما يصدر الوزير أو الموظف قرارا يمنح لنفسه تعويضا ماليا من ميزانية الدولة، فإن ذلك يعتبر، «جريمة غدر» تتطلب عقوبات جنائية وتأديبية، وإدارية. وبين بنعمرو، أن التبليغ في هذه الحالة عن هذه الجريمة يبقى مشروعا، وبالتالي فإن الأمر هنا لا يتعلق بسر مهني. ورفض بنعمور، اعتبار النيابة العامة، الأجور مسألة شخصية، وقال «الأجور والعلاوات التي تمنحها الدولة، «ليس مسألة شخصية» لأنها تمنح من ضرائب المواطنين وهي ليست حياة خاصة». ودعا بنعمرو في ختام مداخلته، المحكمة إلى أن تسجل بأن قرارات تعويضات مزوار وبنسودة «غير قانونية»، وأنها «لم تنشر في الجريدة الرسمية»، كما طالب المحكمة اعتبار هذه القرارات غير سرية والحكم ببراءة المتهمين. هل نريد أن نكون أقل شأنا من تونس وموريتانيا؟ النقيب محمد التوزاني، ركز خلال مداخلته على نفي القرائن التي اعتمدت لتوجيه الاتهام لكل من ألويز ومحمد رضى، وقال إن شهادة الموظفين بوزارة المالية، البوعزاوي، وعبد الإه الزهير، وعاشق، بينت أن ألويز لا علاقة له بإنشاء أو تنفيذ قرارات تعويضات مزوار، وبنسودة، وأن علاقة ألويز بمثل هذه القرارات توقفت منذ سنة 2008. واستغرب المحامي التوزاني كيف تم حصر الاتهام في هذين الرجلين، مشيرا إلى أن الوثيقة التي تشير إلى التعويضات أنشئت في إدارة وزارة المالية، وانتقلت إلى الخزينة العامة، وأنه لابد أن يكون لها نظير في محفوظات الوزير. وخلص المحامي إلى أن الحجج التي تم التركيز عليها في الاتهام منعدمة، وأنه تم الاعتماد على قرائن قضائية وليست قانونية. وتساءل المحامي عن مدى مصداقية الادعاء بأن صداقة ألويز، مع محمد رضى، وصداقة هذا الأخير مع توفيق بوعشرين مدير جريدة «أخبار اليوم» كافية لتوجيه التهم، داعيا المحكمة إلى الاستماع إلى بوعشرين، وتساءل «لماذا لا تستمع المحكمة للسيد توفيق بوعشرين، وهو حاضر في المحكمة؟». وعبر المحامي عن أسفه، لاستعمال عبارة سر الدولة، في مواجهة الحق في الولوج للمعلومة، وتساءل «هل بعد أزيد من 50 سنة، من الاستقلال نعود إلى التذرع بأسرار الإدارة، هل نريد أن نكون أقل شأنا من تونس وموريتانيا». ودعا المحامي المحكمة إلى تسجيل حكم تاريخي، يرفع السرية عن المال العام. هل كان مزوار في حاجة إلى علاوات لتنفيذ مشروعه السياسي؟ من جهته، أدلى المحامي، عبد العزيز النويضي، خلال مداخلته بوثيقة عبارة عن «باريم» معروف في وزارة المالية، يخص توزيع العلاوات داخل وزارة المالية، لكن علق قائلا بأن «هذا الباريم توقف في مستوى معين، وأصبح سريا بالنسبة إلى المسؤولين الكبار» واعتبر النويضي أن التعويضات التي استفاد منها مزوار غير مشروعة، وأن الخازن العام شريك في الجريمة. وقال «مزوار مسؤول في حزب سياسي وأنشأ تحالفا من 8 أحزاب وله مشروع يقول إنه يهدف إلى خدمة البلاد، فهل يحتاج إلى علاوات من وزارة المالية، لتنفيذ مشروعه السياسي؟ ليجيب، بل كان على مزوار أن يضحي بأجرته من أجل الصالح العام. وأكد النويضي أمام القاضي أن مزوار نفسه صرح بأن التعويضات التي تقاضاها ليست سرية. وكشف النويضي أنه من خلال بحثه تبين له أن مجموع التعويضات تصل إلى 6 ملايين شهريا، وأنه تم خلق مصطلحات عديدة لهذه التعويضات، فتمت تسميتها، «تعويضات إضافية» و»تعويضات تكميلية»، و»تعويضات استثننائية». واعتبر أن هناك نية لردع كل من تحدث عن هذه التعويضات، قائلا «لولا الربيع العربي لما تمت متابعة المتهمين في حالة سراح، بل لتم اعتقالهم وتعذيبهم، وصياغة محاضر اعتراف لهم وسجنهم». واستغرب النويضي كيف أن المغرب صادق سنة 2007 على الاتفاقية الدولية حول محاربة الرشوة، والتي تحث على الشفافية، في حين تستمر ممارسات من قبيل أن الخازن العام، هو نفسه من يحدد العلاوات. وللرد على ادعاءات النيابة العامة بأن الأجور والتعويضات مسألة شخصية، أدلى النويضي باجتهاد قضائي لمحكمة النقض الفرنسية، جاء فيه أن «الذمة المالية لشخص يمارس حياة عامة، أو شبه عامة، لا تدخل في الحياة الخاصة» وأن نشرها «لا يعتبر محميا بالسر المهني». وذهب النويضي إلى اعتبار منح الخازن العام تعويضا لوزير بمثابة «اختلاس للمال العام». و»غدر» و»خيانة للأمانة». أين البحث الذي أمر به وزير العدل؟ وتدخل المحامي، طارق السباعي، ممثلا للائتلاف المغربي لهيئات حقوق الانسان، الذي يضم عددا من المنظمات الحقوقية، منها الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، وترانسبارانسي المغرب، والهيئة الوطنية لحماية المال العام،.. وغيرها. وقال السباعي إن الائتلاف يدين متابعة المتهمين، ويطالب بمحاكمة الفاعلين الأصليين مزوار وبنسودة. واعتبر السباعي أن تعويضات مزوار وبنسودة، «خيالية، وضبابية ومفبركة، لأنهما كانا يتبادلان التعويضات، مشيدا بنشر «أخبار اليوم»، لوثائق التعويضات. وتساءل بدوره عن سر عدم تحريك البحث الذي أمر به وزير العدل في قضية التعويضات، وقال «لو كنا في المدينة الفاضلة لتوقفت هذه المتابعة، ولتمت المطالبة بإحضار البحث الذي كلفت به الفرقة الوطنية». وأكد السباعي أن من حركوا المتابعة، يخشون الفضيحة، لذلك لجؤوا إلى السر المهني. واعتبر أن ما اقترفه مزوار وبنسودة «جريمة موصوفة»، وقال «أنا أطلب من السيد الوكيل العام فتح تحقيق مع مزوار وبنسودة». وبخصوص مطالب الحق المدني، قال السباعي إنه ينزه رئيس الحكومة عبد الإله بنكيران، أن يكون مطالبا بالحق المدني في هذا الملف، مشيرا إلى أن هذا الأخير، قال لمزوار «إلى كليتي شي حاجة كولها»، قبل أن يتدخل المحامي خالد السفياني، ليطلب من القاضي، الاستماع إلى فيديو على الهاتف يتضمن تصريحا لبنكيران في مهرجان قال فيه لمزوار «كن راجل ووقع لراسك».