كانت ذكرى «تأسيس» ما تسميها جبهة البوليساريو ب»الجمهورية الصحراوية»، التي حلت هذا الأسبوع ، مناسبة لحلقة جديدة من المواجهات الكلامية «عن بعد» بين الرباطوالجزائر العاصمة حول نزاع الصحراء المتواصل منذ أزيد من 37 عاما. فإذا كان المغرب يجدد التأكيد مرة أخرى على أن حل هذا الصراع رهين بإيجاد حل مع الجزائر، فإن هذه الأخيرة تصر بأن لا علاقة لها بالقضية في العمق رغم أنها تأوي على أراضيها قيادة البوليساريو ومخيمات اللاجئين الصحراويين. وتضيف أن الأمر يتعلق بما تسميه «مبدأ تقرير مصير الشعب الصحراوي». هذا، وفي حوار مع القناة الفرنكوفونية «تي في 5» والصحيفة الفرنسية الشهيرة «لوموند»، جدد عبدالإله بنكيران، رئيس الحكومة، التأكيد على أن الحل في يد الجارة الشرقية وقال بالحرف «إذا قررت الجزائر حل مشكل الصحراء، فإن ذلك سيتم في يوم واحد لا غير»، مشيرا إلى أن هذا النزاع ينتمي إلى «منطق قديم» في إشارة إلى عهد الحرب الباردة. ويبدو أن هذا التصريح المقتضب أثار المسؤولين في الجارة الشرقية، فردت الخارجية الجزائرية على لسان الناطق الرسمي باسمها بالقول إن الجزائر «تجدد التزامها الراسخ بتطبيق مبدأ الأممالمتحدة، بشأن تصفية الاستعمار»، من جهة أخرى، جدد الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة، الذي قل ظهوره بشكل ملحوظ في الشهور الأخيرة، في رسالة وجهها إلى محمد عبد العزيز، رئيس جبهة البوليساريو، ما سماه «تمسك الجزائر بمبدأ تقرير مصير الشعب الصحراوي طبقا للشرعية الدولية»، كما أكد أن بلاده تدعم الأمين العام للأمم المتحدة وممثله الشخصي في الصحراء، كريستوفر روس. ويحاول روس، منذ تسلمه لهذا الملف في بداية يناير 2009 ، البحث عن سبل للوصول إلى توافق بين المغرب والبوليساريو. ولكن لحد الآن يجد صعوبة في ذلك. ويذكر أن المغرب تقدم منذ ما يقرب من ست سنوات بمقترح للحكم الذاتي في المناطق الصحراوية حظي بدعم قوي من طرف فرنسا ولم تخف الولاياتالمتحدة ترحيبها به، إذ اعتبرته الخارجية الأمريكية في عدة مناسبات مقترحا «جديا وذا مصداقية». ولكن الجزائر مافتئت ترفض هذا المقترح وتتشبث بما تسميه «مبدأ تقرير المصير» عبر الاستفتاء الذي تعتبره الرباط «غير ممكن»، وترى أن الحكم الذاتي نفسه نوعا من تقرير المصير. وإذا كان الحل رهين في جزء كبير منه بالعلاقات المغرب والجزائر، فإن مصطفى ناعمي، عضو المجلس الملكي الاستشاري لشؤون الصحراء والأنتربولوجي الخبير في شؤون الصحراء، يرى أن جانبا من الحل له علاقة بطريقة تدبير الرباط للملف من البداية. وقال إن الرباط لم تستوعب بعد جوهر مشكل الصحراء، الذي يكمن حسب قوله في «الاختلالات والفساد الذي ينخر الإدارة المغربية منذ سنة 1956»، وهذا، يضيف الباحث المغربي، «زاد من تعميق الشرخ بين الإدارة المغربية والصحراء»، التي تعيش على «إيقاع سيطرة الهاجس الأمني، واستمرار معاملة جزء من الصحراويين على أنهم خونة حتى تتبث براءتهم». وأوضح ناعمي أن الصحراء تعيش على إيقاع اختلالات وتمايزات واضحة بين النسيج الجمعوي الصحراوي، والإدارة المغربية، مشيرا إلى أن حل مشكل الصحراء بيد المغرب، وذلك من خلال إعادة النظر في السياسة المتبعة حاليا من طرف الإدارة المغربية تجاه الصحراء، مع ضرورة نهج سياسة الحكامة والاهتمام بالجانب الهوياتي والثقافي للصحراويين، وإعادة النظر في مفهوم تنمية الأقاليم الصحراوية وتقريب المجتمع الصحراوي من الدولة. وكان تقرير للمجلس الاقتصادي والاجتماعي قد أماط اللثام، في بداية يناير الماضي، عن الاختلالات العديدة التي شابت وتشوب النموذج التنموي الذي اعتمدته الإدارة المغربية في الصحراء منذ المسيرة الخضراء التي جرت في 6 نونبر 1975. من جهته يرى عبدالمجيد بلغزال، الناشط الجمعوي الصحراوي، أن مشكل الصحراء لايزال معقدا نظرا لأن الأطراف المتدخلة في الملف «لاتزال تعالج النزاع انطلاقا من أولوياتها وخلفياتها الخاصة، عوض معالجة المشكل بنوع من العقلانية والتدبير»، مبرزا أن الإشكال يكمن في من له المصلحة في عدم حل النزاع لحد الآن. ويشير الناشط الجمعوي بشكل واضح إلى ما سماه «استمرار الفساد في الجزائر»، واستفادة الكثير من جنرالات الجارة الشقيقة مما تذره الورقة الصحراوية من أرباح.