كذب الفيسبوكيون ولو صدقوا، نعم، لأنهم التحقوا بفصيلة المنجّمين وبدؤوا يسحبون بساط «الفهامات» والتحليل الرياضي من تحت أقدام رواد المقاهي المجرّبين. لحظات قليلة قبل انطلاق مباراة أول أمس بين المنتخب المغربي ونظيره الجنوب إفريقي، كان فيسبوكي يُخبر أصدقاءه بنبوءة ستثبت الدقائق الموالية صحتها. ولأن المنجّمين يُتقنون لغة الإشارات، فقد جاءت النبوءة عبر صورة يظهر فيها الرئيس الجنوب إفريقي السابق نيلسون مانديلا، وهو يضع أصابع يديه فوق خديه، وفوقه عبارة «ها وجهي يلا تأهلتو». أما إحدى «الشوافات» الفيسبوكيات، فاختارت رموزا أخرى لتبليغ نفس الرسالة، من خلال وضع ثلاث صور، الأولى ليد لاعب من لاعبي المنتخب الوطني موضوعة فوق قلبه، والثانية للكأس الإفريقية التي تتنافس حولها الأمم السمراء، والثالثة لطائرة نقل الركاب. ووضعت «الشوافة» تحت الصورة الأولى عبارة «ها قلبي»، وتحت الثانية «ها تخمامي»، وفوق الثالثة «ها باش ياتيني الله»، أي أن المصير المحتوم هو العودة بخفي حنين، تماما كما أعلن أحد الفيسبوكيين حين قال، قبل انطلاق المباراة، إن كلا من المغرب وتونس والجزائر اتفقوا مع نفس «الخطاف» كي يعيدهم إلى بلدانهم بأقل تكلفة. إعطاء حكم المباراة صافرة الانطلاق، كان إيدانا بانطلاق حناجر مئات الآلاف من الخبراء والمحليين الرياضيين المتزاحمين داخل المقاهي؛ وقسم كبير من هؤلاء لم يعد يكتفي بتبادل «الفهامات» والتعاليق مع مجالسيه في المقهى، بل تسلّح بهاتفه المحمول المرتبط بالإنترنيت، وراح يتبادل التمريرات الفيسبوكية مع جيش من المعلّقين افتراضيا. هذا يسبّ اللاعب الفلاني، وذاك يلعن المدرّب الذي قام بالتغيير الخاطئ، وثالث يدعي اللامبالاة معلنا أنه يتفرّج على مباراة «البارصا» ولا يهتم بمنتخب المغرب. هؤلاء جميعا سوف توحّدهم النتيجة النهائية، والتي تنبأ بها صاحب صورة مانديلا منذ البداية، أي الإقصاء رغم الحماس والأداء الجيّد في المباراة الأخيرة. وجيش المحللين الرياضيين سيتحولون فجأة إلى فرقة كبير لمحترفي الفكاهة السوداء. فاطمة الزهراء من الرباط، اختارت التعليق على عبارة قالها المعلّق التلفزيوني أثناء المباراة، «المعلق قال خاصهم يتعلمو يطيحو باش يربحو الوقت وهاد الشي متعارف عليه، اه هاد الشي متعارف عليه ولكن ما نعلموهمش الغش، إذن خصنا نزيدو فالتداريب واحد الحصة ديال التمثيل». فيما ارتأى سعيد المقيم في إحدى دول الخليج العربي، أن «الله استجاب لدعاء مدرب جنوب إفريقيا وتجاهل دعاء الطاوسي وسجوده». زهور، المتحدرة من مدينة طنجة، عبّرت عن غضبها الشديد بالقول إن المغاربة «شعب مازوشي يعشق العيش تحت الكرامة، تحت الصفر، تحت العبودية والتخلف.. يعشق كل ما هو سلبي وذميم ويقدسه إلى درجة العبادة.. شعب إن أريته النور يحسبه نارا.. وإن أريته العلم يحسبه كفرا وإن أريته الحرية يحسبها مجونا...». فيما كان نادلو المقاهي يستغلون انشغال بعض الزبناء بكتابة تعاليقهم الفيسبوكية لاستخلاص ما بقي من ثمن المشروبات التي وزعوها. أما أصحاب نظرية التجاهل، فكانوا يعلنون أن «ميسي سجّل البيت الرابع فماتش واحد. ناس ليها حظوظ وناس ليها النحس الله يستر». وداد التي كانت أحد الوجوه البارزة لحركة 20 فبراير، خلصت باختصار إلى استنتاج مفاده أننا «شعب لا يستحق الفرح»، ثم أضافت أنه لا يستحقّ حتى الحزن لأن «جهاز عواطفنا مهترئ ومتهالك».. وهنا أستحضر فقرة من رواية حين تركنا الجسر لعبد الرحمن منيف: «نحن بحاجة إلى كمية ضخمة جدا من الموت». فيما قرّر آخرون تسييس الحدث حدّ التخمة. خالد علّق قائلا: «ما يبقاشي فيكم الحال.. ربحنا التضامن المغربي الجزائري في الإقصاء.. راه النقطة الحدودية بين المغرب والجزائر سميتها جوج بغال». أما عائشة فتساءلت لماذا لا يتم توزيع الملايير التي وعدت بها الجامعة اللاعبين في حال الفوز بالكأس، «على الفقراء والمحتاجين وأصحاب العاهات والمرضى الضعفاء والمسنين والمتسولين وأطفال الشوارع والمدمنين»، لتقترح هذه الفيسبوكية الغاضبة «على كل الأصدقاء المجنونين والمعصبين بحالي نتافقو ونمشيو نتلاقاو الفريق فالمطار بالسبابط ومطيشة». توتّر واجهه آخرون بصنوف من السخرية، حيث قال المحجوب معلقا على مشاهد سجود المدرب الوطني رشيد الطاوسي ودعائه: «لو فقط كانت الأمور تحسم بالصلاة». أما صفحة «مغرب المجانين»، فهوّنت على نفسها بالقول إن «واحد الحاجة مؤكدة من دابا....2015 ماغديش نشدو الطيارة». ليذهب حمادة إلى أن «النظام» نجح «في تخدير الشعب بكرة القدم لساعات». وفيما تحدّث حاتم عن أعضاء المنتخب قائلا إن «الطاوسي وبنيتاتو يحلون بمطار الداخلة: إن الوطن غفور رحيم!»، اكتفى أمين بالقول: «اللي دّا شي داه، واللي زلق جا على عين قفاه»... لو أنكم فقط صدّقتم المنجّمين