سيوقع كتاب "مناديل وقضبان" للراحلة ثريا السقاط بمناسبة الذكرى ال20 على وفاتها يوم الأحد على الساعة العاشرة صباحا بمعرض الكتاب في الدارالبيضاء، والكتاب عبارة عن مراسلات خطتها بيديها السقاط في طريقها بين السجن والمستشفى على درب النضال في فترة سياسية حرجة من تاريخ المغرب. الثريا هي النجمة وقد استحقت ثريا السقاط لقب نجمة اليسار اسما على مسمى. ليس مهما إن اكتمل شهر فبراير أم لا، لكن لم لا ننحني له قليلا؟ فبراير يأتي بالشتاء، ويأتي بالأحزان أيضا. كان يا ما كان، عفوا لستم الآن في مدرسة أفلاطون أو في جلسات زرياب، تمر السنوات فترسم جدارا اسمنتيا يبدو عاليا وقويا، لكن العلامات لا تنمحي، والسيَر لا تموت، والإشارات لا تذوب، والآثار تبقى كما لو أن صاحبها ما يزال هنا .. بيننا .. يعيش، فمن قال إنها رحلت؟. ألا يذكركم 19 فبراير بي؟ أنسيتم جلساتي إلى جنباتكم في المقرات الباردة أيامها؟ أنسيتم كم تشاركنا قطع الخبز البسيطة ونحن نحلم بقراءات الشعراء وهي تدفئنا؟ هل تتذكرون صور الجلادين وهم يرقصون حول النيران في عز البرد ويعتقدون أننا سنهلك؟ لا، لم أمت. لا، لم نمت، وها هو القدر الذي يربط ذكرى رحيلي بولادة جيل قرر أن يحلم. دعونا من 19 حيث رحلت ومن 20 فبراير حيث نسمات الربيع العربي وصل. كنت مثلهم، وإن اختلفت البدايات، ولن أزايد أو أزيد إن قلت لكم أن كل شيء كان جمرا في الأعماق إلى أن أخرجه الاستعمار من تحت الرماد، وكنت حينها بفاس، وما زلت أتذكر أزقتها البسيطة كما سكانها، وكانت فاس كما أطراف وطني يئن من وطأة الاستعمار، مر الجينرال وجاء الآخر، هذا عذب والآخر قتل، لكن أبناء جيلي في منتصف الثلاثينيات لم يكونوا يعرفون الخنوع، لماذا؟ لأننا لم ندرسه، ومن يستطيع حينها أن ينحني برأسه للذل إلا أولئك، ومن يكونون؟ لا تسألوا كثيرا، لأنهم يعرفون أنفسهم جيدا. غيثة أمي ووالدي محمد، وكلاهما يعرفان معنى الحياة ومعنى الوطن، ولذلك كان علي أن أشرب كثيرا من كأس الحياة ومن نضالاتها، فكانت البداية في فاس، قبل أن أنتقل إلى جارتها مكناس، هناك درست المرحلة الابتدائية على أيدي وطنيين، لكن القدر والحب وكثير من العشق سيجرفني إلى أستاذي محمد الوديع الأسفي وعمري لا يزيد عن 15 سنة. إنني ثرية. إنها ثرية التي جمعت الكثير من المعاناة في قلبها حتى دون أن تكمل عقدها الثاني. كانت تعرف أن الزوج هو الرجل والأستاذ، لكنها كانت تعرف بالضبط أنه المقاوم والسياسي والوطني والمناضل، وكانت تعرف أن كل هذه الأوصاف والصفات والسمات والميزات قد تجعله يوما بعيدا عنها وعن صغارهما، لا يهم، العشق حينما يختلط بهدوء مع واجب الوطن، لا بد أن ينبث بذرا تصلح. لا يهم إن جاؤوا سنة واحدة بعد زواجهما ليعتقلوه، ولا يهم إن كتب عليها الطواف القاسي إلى مختبرات التعذيب التي لم تكن تعرف الطريق إليها، ليلا أو نهارا، من مكناس إلى سلا حيث سجن لعلو ثم الرباط والقنيطرة والجديدة، ومن الجديدة إلى وجدة. تقول ثرية بعد عقود من اللقاء العاطفي في كتابها "مناديل وقضبان":"اللقاء الأول بيني وبين زوجي كان قاسمه المشترك معاناة، فبمجرد أن تم زواجنا ونحن في سن مبكر، جاء قرار النفي في حق زوجي الذي أبلغ أثناء غيابي عن المنزل بقرار الإبعاد"... لا يهم كل ذلك، فالقلب يسع كل الجراح، محمد وغير محمد، لكل اللواتي علمت عن اختطاف أزواجهم، في سلا وفي غير سلا التي أصبحت مستقرنا. في 16 يوليوز 1963، كانت الشابة الوسيمة ثريا تنتظر الوديع، لكنه تأخر، فقالت إن السبب خير، لكنه تأخر كثيرا، لدرجة أنه لم يعد حتى في الصباح الموالي، ولذلك توجهت إلى مقر الحزب الذي لم يكن طبعا غير الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، فأخبرها الحارس المناضل طبعا أن زوار الليل اعتقلوه ومعه العشرات من الرفاق الذين كانوا في اجتماع اللجنة الإدارية للحزب، لكن ثريا لم تقلق وإن غضبت من تلك الآلة التي لم تكن ترحم، فثريا كانت بدورها المناضلة التي قصت مشوارها بجلسات محو الأمية والدفاع عن حقوق عائلات المعتقلين والسهر على راحة كل من حولها. هكذا كانت البداية مع الشقاء المفروض من رجالات أوفقير وغيرهم، ولذلك ظلت قوية حتى حينما خرج زوار الليل ليعتقلوا أبناءها الثلاثة أسماء سجنت 40 يوما، وصلاح وعزيز 10 سنوات سنة 1974، وتقول ثرية في أحد كتبها وهي تبحث عن ابنها عزيز الذي انهار بفعل اشتدادا القهر والتعذيب حتى تم نقله للمستشفى بالرباط وظل به لمدة خمسة أشهر:"كنت أنتقل يوميا وبشكل منتظم بين السجن والمحكمة والمستشفى، فإدارة السجن تقول بأنها أرسلته إلى المستشفى، وإدارة المستشفى تقول إنها لم تتسلمه، والمحكمة تقول بأنها أعطت أوامرها لنقله إلى المستشفى، إلى درجة أن المعتقلين السياسيين دخلوا في إضراب عن الطعام". أما حينما أخبرها رفيقها في الحياة محمد أن المحكمة قضت بسجن أبنائها ب10 سنوات سجنا ردت بشموخ:"وإن يكن، ذلك أفضل من المؤبد أو الإعدام". هي رفيقة محمد الزوج ورفيقة اخويها فاطمة وعبد الرحيم ورفيقة ولديها صلاح وعزيز ... وعبد الرحيم بوعبيد والكثير من رفاق الاتحاد الوطني وبعده الاتحاد الاشتراكي الذي قالت في مؤتمره الاستثنائي ما هز الجالسين في القاعة:"إن كل المهتمين بدراسة تاريخ الشعوب والحركات السياسية، سيلاحظ أن العديد من النساء عبر التاريخ ساهمن بكل جدارة وقدرة في جل الميادين الثقافية والاجتماعية والسياسية، بل حتى الحربية منها ... لماذا لم تتطور الحركة النسائية بعد الاستقلال؟ ... من المسؤول عن الفراغ المخجل الذي تعيشه المرأة المغربية في المرحلة الحالية؟...لقد كنت من جملة من فسح لهن المهدي بنبركة المجال للعمل بجانبه، فهل وقع التفكير في شأن المرأة من طرفهم؟ وهل وضعتم لذلك تصميما لفتح مجال العمل لها داخل حركتنا؟ علما أن المرأة اليوم تحمل مكان الصدارة في مختلف الحركات الثورية عبر العالم، ولقد اتفق المفكرون والقادة على اختلاف مبادئهم السياسية على أن مشاركة المرأة في الميدان السياسي لا يمكن الاستغناء عنها أبدا لأنها المدرسة الأولى لتكوين الشعب وتوجيهه". ثريا كانت في بداية الصفوف لمحاربة الأمية، وكانت في المقدمة لتأسيس القطاع النسائي في نفس الحزب، ولم يكن يهمها إن فازت أو فشلت في انتخابات 1777 وفي انتخابات 1983، لكن الشغل الشاغل الذي انتصب أمامها هو القضاء على الحي القصديري بمنطقة باشكو بعدما أصبحت عضوا في جماعة المعاريف. هذه هي ثريا التي خرجت إلى جانب رفيق الحياة محمد الوديع الأسفي في الحملة الانتخابية لسنة 1984 حينما ترشح في منطقة سيدي عثمان بالدارالبيضاء. عرفت بوعبيد واليوسفي وياسر عرفات ومحمد منصور وعبد الرفيع الجواهري، بل حينما غضب بوعبيد في المؤتمر الوطني الخامس في سنة 1989 بسبب كثرة الخلافات بين الرفاق، ثريا هي من أقنعته بالرجوع لمنصة الرئاسة... في 19 فبراير 1992 رحلت ثرية.