تعددت حولها الأخبار المنقولة من سفوح منعرجاتها المميتة، وتحدثت عنها كبريات القنوات والوكالات الإخبارية الدولية في أكثر من فاجعة يذهب ضحيتها العشرات. وأنت تدخل أول منعرج في طريقك من مراكش نحو ورزازات تبدأ في تحسس دقات قلبك وتشعر بإفرازات الأدرنالين وهي تزداد داخل خلايا جسمك، بفرط ما كدسته داخل مخيلتك الانفعالية عن وقائع مرتقبة لحادث سير لن تكون أنت سببها بالضرورة. إنها " تيزن تيشكا " شبح الموت على رصيف السفر الممتد على طول 146 كيلومتر. كانت ليلة ماطرة في 8 من شهر نونبر الجاري، الساعة تشير إلى التاسعة ليلا، ضباب كثيف يخيم على كل شبر من الطريق. عند مدخل المسلك المؤدي إلى طريق ورزازات، تستقبلك ما يشبه كثيبة من الدرك تزين جنبات الطريق بإشارات زرقاء تعلن عن أوامر بتخفيض السرعة والتوقف الإجباري، لغرض القيام بتفتيش إلزامي، إنك مقبل على " تيشكا " وكل ما يطلب منك مباح من مراقبة و" تدقيق " في الحمولة والحالة والميكانيكية للسيارة. أو لم تدفع رئيس الحكومة يوما للتفكير في الاستقالة ؟ شح في علامات الاتجاهات والتشويرات الطرقية. يوم تحدث عبد العزيز الرباح وزير حكومة بنكيران في النقل والتجهيز عن العامل البشري كسبب رئيسي في فاجعة" تيشكا " والتي أزهقت 43 روحا وأسقطت العديد من الجرحى، نسي أن يتصل بكل مهندسي الوزارة وخبرائها، ليمتطوا سيارتها ويتجهوا نحو الممر، ليستمتعوا بشح علامات الاتجاهات التي تخبرك بقليل من الأدب والوضوح أين توجد وكم تبقى لك لتصل إلى النقطة المقبلة. وليست وحدها اتجاهات القرى الممتدة على طول الممر من تعنينا، بل هناك ما هو أهم: علامات التشوير الطرقي. لن تتمكن وأنت في عمق " تيشكا " من معرفة كم من الوقت والمسافة ستقضي في ضيافتها، لأنك لن تصادف عند مدخل منعرجات الموت، ما يخبرك بالمعلومة! أما وانت تجوب مغامرة رحلة ممطرة تخيم عليها أجواء الضباب، فلن تميز بين المنعرج المنفرد عن اليمين أو الشمال أو المزدوج، فالرؤية تحجب عنك أي تفاصيل لأقل من متر، تاركة أمامك الخط الابيض كحل أخير يقيك شر الانزلاق إلى الحافة!! كان حريا كما ذكرنا سابقا، أن يختبر وزيرنا بصره وسط تلك الأجواء وفي حضن " تيشكا " ليقول لنا: هل تستحق علامات التشوير ألوانا أو أضواء تميزها للمغامرين قسرا ؟. وليكتمل مشهد المهمة بنجاح، أنصح السيد الرباح ولجنته المتخيلة بعدم استعمال سيارات رباعية الدفع أو تلك الاستثنائية من حيث الخدمات المتوفرة داخل أقسام الوزارة، فليتجه صوب أهالي الممر ويستأجر منهم عرباتهم التي تفك عزلتهم كل يوم. شاحنات تتحول لمقاتلات " أف 16 ". وصف أقرب للحقيقة. الشاحنات تتحول لمقاتلات، تظهر لك من أسفل المنعرجات وهي تقاوم خطورة المنحدرات، لا مكان للسهو وضعف البصر أو قلة الخبرة فكل ما سبق قد يتسبب في كارثة، قد تحول عناوين الصفحات الأولى للصحف والمواقع نحو الممر " لتضرب الطر" للوزارة وبنيتها التحتية البريئة ". وللأمانة، ليس وصف المقاتلات ملحقا بالشاحنات والحافلات بمنظرها فقط، بل لتصرفات بعض سائقها " لا سامحهم الله "، والذين يرون في الخط المتصل دائم التقطع ويسمح لهم بالتجاوز وقت ما يشاءون. الحاجة إلى النفق قبل " تي جي في " دون التنكر لقرى الممر. نفق " تيزن تيشكا " مشروع كان بالأمس استعماريا لربط صحراء المغرب الشرقية بباقي ربوع الوطن، وهو المشروع الذي لم يشأ له أن يكتمل. اليوم أصبح المشروع ضرورة بشرية للقطع جذريا مع مخاوف الاستفاقة على خبر فاجعة جديدة، ولو لم ينطبق المثل الشعبي كما جاء على لسان المستشار البرلماني دعيديعة " رأس لي ما يدور كدية " على زعماء " البيجيدي " بخصوص مشروع القطار الفائق السرعة لغيرت وجهة الميزانية ( بديونها ) المرصود له نحو مشروع نفق بين مدينة النخيل وهوليود المغرب، والذي وضع قيد الدراسة سنة 1974 ثم أقبر بعد ذلك. لكن، يجب أن تكون النصيحة ها هنا كاملة، فأغلب القرى الممتدة على جنبات الممر تعيش بشكل يوم وعلى مدار ال 24 ساعة من ما يسوقونه للعابرين قربها، وأغلبهم يقيمون اضطرارا داخل منازلها الشبيهة بالكهوف، فلا مجال مستقبلا للحديث عن تنمية مجالية وتجهيزية دون الالتفات إلى بني البشر. أيت ورير، التوامة، ويسكدو، أيت حمان، توفليحت، تادارت، وغيرها من القرى الصغيرة وساكنتها الهشة أمانة في أعناق المدافعين عن نفق " تيشكا". هجرت " فبراير.كم " أحضان المنعرجات بسلام على أمل تكرار نفس الرحلة ونفس السلامة لجميع مستعمليها، وأمل تشييد النفق. ملحوظة لها علاقة بما سبق : أحول الطقس والضباب الكثيف حجبا الرؤية وقللا من فرصة التقاط صور ومقاطع فيديو لقرائنا.