تحفيزات مؤسسة علال الفاسي للمثقفين والباحثين والطلبة    بين مطرقة واشنطن وسندان الجزائر .. تونس أمام اختبار السيادة    شركة للطيران تمتنع عن نقل ثلاثة جثامين لمغاربة مقيمين بهولندا    إطلاق الشعب المتخصصة في فنون الزجاج بالمعهد المتخصص في الفنون التقليدية بمكناس، في سابقة على المستوى الوطني    الحوامض المغربية تغزو اليابان.. انفتاح استراتيجي على أحد أصعب أسواق العالم    وهبي يعلن قائمة المنتخب المغربي لأقل من 20 سنة للمشاركة في "كان مصر 2025"    عاجل.. سعيد الناصيري يكذب لطيفة رأفت "تَعَرّفَت على المالي قبل حفل زاكورة"    الناصيري: "لم أتوسط لأحمد أحمد في شراء الفيلا إلا بعد حصولي على موافقة الجهات الرسمية"    وفاة الفنان المصري سليمان عيد    الدورة التاسعة إياب من بطولة القسم الوطني الممتاز لكرة السلة : .ديربي محلية بالعاصمة بين الفتح والجيش    فوربس: المغرب يضع لبنات مونديال 2030 بإشراف ملكي وتخطيط شامل    أولمبيك خريبكة يوضّح واقعة محاولة انتحار أحد لاعبيه    مغرب الحضارة : نداء من أجل المستقبل … شبابنا كنز المملكة ومستقبلها    مقتل شخصين وإصابة 5 في حادث إطلاق النار بجامعة فلوريدا الأميركية    منظمة بوليساريو الإرهابية ، الوجه الآخر للأجندة الجزائرية    المعدن الأصفر يلمع أكثر من أي وقت مضى .. الذهب يلهب الأسعار في المغرب    لجنة الأعمال السينمائية تعلن عن مشاريع الأفلام المستفيدة من الدعم    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الجمعة    مُذكِّرات    روبيو: على أوروبا أن تقرر ما إذا كانت مستعدة لإعادة عقوبات إيران    رغم التأهل.. فليك غاضب من أداء لاعبي برشلونة أمام دورتموند ويطالب بمزيد من الانضباط    ممثلون عن اليهود في بريطانيا يدينون العدوان الإسرائيلي في غزة    احتجاجات بالمزونة التونسية تنديدا بمصرع 3 تلاميذ وبتهميش المدينة    توقعات أحوال الطقس ليوم الجمعة    منظمات تدق ناقوس الخطر وتدعو لتحقيق دولي في جرائم إعدام بمخيمات تندوف واتهامات مباشرة للجيش الجزائري    وضع المعايير لملء استمارة الإحصاء لأداء الخدمة العسكرية برسم فوج المجندين لسنة 2025    مهرجان "تيم آرتي" يختار مواهب الراب الشابة في دورة جديدة    وفاة مفاجئة للممثل المصري سليمان عيد عن عمر ناهز 64 عاماً    وفاة الفنان المصري سليمان عيد عن عمر 64 عامًا    الرئيس الصيني يختتم في كمبوديا جولته الدبلوماسية في جنوب شرق آسيا    مجلس الأمن يدعو إلى وقف دائم لإطلاق النار وعملية سياسية شاملة في السودان    ولاية أمن أكادير: هذه حقيقة ادعاءات إحدى منظمات المجتمع المدني حول مزاعم بسوء المعاملة    دي ميستورا يستشعر نهاية "المينورسو" .. ضغوط مالية وتغيرات دولية    استشهاد 15 فلسطينيا في غارة إسرائيلية جديدة على غزة    توظيف مالي لأزيد من 46 مليار درهم من فائض الخزينة    بعد ستة أشهر من الغياب.. الصحفي حمزة رويجع يكشف الحقيقة بشجاعة: نعم، أصبت باضطراب ثنائي القطب    منتخب الفتيان يستعد لنهائي "الكان"    من بينها طنجة.. وزارة الداخلية تتابع تقدم الأشغال المتعلقة بملاعب كأس الأمم الإفريقية 2025 في المدن المستضيفة    عاجل | هزة أرضية قوية تُثير الهلع بمراكش وتامنصورت    الاعتداء على أستاذ يسلب حرية تلميذ    تطوان.. توقيف شرطي وشقيقين ضمن شبكة لترويج الأقراص المهلوسة وحجز 3600 قرص مخدر    ندوة وطنية تتدارس تجربة محمد الشيخي في رؤيا وتشكيل الشعر المغربي    قيادي في حماس: لا نقبل الصفقات الجزئية وسلاح المقاومة حق وموجود طالما بقي الاحتلال    تدشين الشعب المتخصصة في فنون الزجاج بالمعهد المتخصص في الفنون التقليدية بمكناس    ارتفاع معدل التضخم بالمغرب.. والمواد الغذائية على رأس الأسباب    تمغرابيت... كتاب جماعي لمغاربة العالم    الأمير مولاي رشيد يترأس بالرباط افتتاح الدورة ال 30 للمعرض الدولي للكتاب    وزارة الصحة تخلّد اليوم العالمي للهيموفيليا وتطلق حملة تحسيسية وطنية لمكافحة هذا المرض    الأبيض ‬والأسود ‬من ‬تقرير ‬دي ‬ميستورا (2)    العمال الموسميون يرفعون حالات الإصابة ببوحمرون بإسبانيا    نصائح طبية لمرضى حساسية الحيوانات الأليفة دون الحاجة للتخلي عنها    تسجيل ثالث حالة إصابة بداء الكلب في مليلية خلال أقل من أسبوعين    كلب مسعور على حدود المغرب .. والسلطات الإسبانية تدق ناقوس الخطر    قصة الخطاب القرآني    المجلس العلمي للناظور يواصل دورات تأطير حجاج الإقليم    العيد: بين الألم والأمل دعوة للسلام والتسامح    أجواء روحانية في صلاة العيد بالعيون    طواسينُ الخير    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عملية اغتيال المهدي بن بركة جريمة القرن 20 و ما بعده

تعتبر عملية اغتيال المهدي بنبركة الجريمة السياسية التي عرفها القرن 20 و ما بعده . وستظل هذه الجريمة، التي نفذت على أرض فرنسا في 29 أكتوبر 1965، وشما للعار في جلد النظام المغربي، ولن يزول إلا بزواله كما قال المهدي. كما أنها جريمة ستظل موضوع إدانة أممية للنظام المغربي و لفرنسا التي لا يمكن استثنائها من هذه الجريمة ومعها الدول التي كانت تريد زوال المهدي من الساحة السياسية الدولية، ومن بين هذه الدول إسرائيل و أمريكا. كلما حاول النظام المخزني المغربي تحويل هذه الجريمة إلى جريمة عادية ، و أنها لا تعنيه مستعملا كل الوسائل كي يتجاوزها الشعب المغربي و معه شعوب العالم ، كلما تشعبت تداعياتها و استقطبت الرأي العام العالمي والرأي العام الوطني ، كما لم تستطع فرنسا الراعية لارتكابها على أرضها وشركائها الحد من تداعياتها التي أخذت كل يوم تكتشف الشركاء المباشرين وغير المباشرين في تنفيذها حتى صارت لها امتدادات عالمية و أصبحت تحتل مكانة بارزة في صك الجرائم التي عرفها القرن العشرون و ما بعده .لأنها لم تكن من فعل طرف واحد ولأنها كذلك لم تكن تدخل في التصفيات التي يقوم بها نظام أو جماعة بناء على خلافات مادية أو مذهبية ، بل كانت جريمة من فعل عدة أنظمة أطراف وفي مقدمتهم النظام المغربي. لقد أصبحت قضية أجيال و وأجيال. فهي أقوى من قضية القبطان الفرنسي Dreyfus الذي اتهم بتسريب معلومات لألمانيا سنة 1894م و التي شغلت الرأي العام الفرنسي عدة سنوات واعتبرت قضية جيلها فقط. كما أن جريمة اغتيال المهدي تعتبر كذلك أقوى من قضية ستافيسكي stavisky التي تعرف بتزوير العملة الفرنسية و بنهب المال العام و التي أدت إلى انتحار ستافيسكي و سقوط حكومة كاميل شوتان camille Chautemp . و هي قضايا انتهت تداعياتها مع جيلها ، و هي أيضا أقوى من جريمة اغتيال الرئيس الأمريكي جون كنيدي من حيث احتوائها في وقت وجيز بالمقارنة مع جريمة اغتيال المهدي . أو جريمة اغتيال باتريس لومومبا سنة 1961 الذي كان أول رئيس وزراء منتخب في تاريخ الكونغو أثناء الاحتلال البلجيكي لبلاده، فقتله البلجيكيون في يناير1961 وهي جريمة كان فيها الطرف الفاعل معلوما وغير متنكر .
إن جريمة اغتيال المهدي ستظل قضية الرأي العام الوطني و الدولي، ولن تنتهي تداعياتها حتى و إن تم الكشف عن الحقيقة كلها ، وذلك لعدة أسباب :
1 السبب الأول :
لأنه كان زعيما أمميا يمتلك القدرة على الإقناع والشجاعة في اتخاذ المواقف و بسط الأمور . ولأنه كذلك يتناول قضايا الجماهير وفق تطلعاتها، ولا يقبل بأنصاف الحلول أو بالخنوع. و كان من كبار المفكرين حيث كان يؤسس مواقفه على قواعد علمية تجعله في مقدمة الزعماء العالميين . و لقد قالت فيه أخته سعيدة لقد جاء المهدي قبل أوانه . كان قويا أكثر من اللازم ،ولذا كان القصر خائفا منه . و اعتبره المقيم العام الفرنسي بالمغرب سنة 1951 بالخطير على فرنسا . ولأنه قد تغدي بالفكر الاشتراكي و بقيمه الإنسانية و التحررية والتقدمية ، كما تغدي من خلال المبادلات مع الفكر المناهض للإمبريالية البريطانية في إفريقيا للزعماء الأفارقة مثل جومو كنياتا و كوامه نكروما وجوليوس نيريره. وهم قادة ناضل المهدي إلى جانبهم ضد الاستعمار الإمبريالي .
2 السبب الثاني :تداعيات المحيط الدولي :
كان العالم في بداية الستينات حافلا بالأحداث على مستوى المعسكرين الشرقي و الغربي حيث الحرب الباردة أخذت ذروتها بين القطبين. وظهرت بوادر تكتلات و أحلاف عسكرية غذت الحرب الباردة و سباق التسلح ولاسيما في مجال أسلحة الدمار الشامل و السلاح النووي، في الوقت الذي كانت معظم شعوب آسيا و إفريقيا تعاني من الاستعمار و مخلفاته من خلال استنزاف ثرواتها، مما جعلها تعيش التخلف الاقتصادي و الثقافي والفقر والنزاعات الناشئة فيما بينها. هناك أيضا ظهور بعض الاهتزازات في الكتلة الشيوعية، والحملة العسكرية الموسعة لفرنسا على الجزائر و على تونس فيما يعرف بأحداث بنزرت . كما أن حركات التحرّر الوطني في آسيا وأفريقيا عرفت تصعيدا على مستوى العمليات الفدائية مما أربك المعسكر الغربي، وعرفت في نفس الآن أمريكا اللاتينية تصعيدا على مستوى المقاومة مع امتداد هذه الموجة لتطال المستعمرات البرتغالية في إفريقيا. بالإضافة لهذا التحول قرر المؤتمر الرابع لمنظمة التضامن بين إفريقيا وآسيا خلال اجتماعه في أكره (غانا) بين 6 و9 مايو 1965، ضمّ أميركا اللاتينية والأخذ في الاعتبار في المؤتمر التأسيسي للقارات الثلاث الذي سينعقد في هافانا خلال شهر كانون يناير 1966. في خضم هذه التحولات كان بن بركة يكرّس كل أوقاته للجنة “لجنة الاستعمار الجديد” و التحضير لمؤتمر القارات الثلاث، حيث يترأس لجنته التحضيرية، و التحرك المتواصل من أجل العمل على إقناع الاتحاد السفياتي و الصين لانضمام لهذا المؤتمر. لم يكن المهدي بن بركة غائبا عن هذه التحولات على جميع مستوياتها. لقد كان حضوره حضورا وازنا في كل المحطات الحاسمة التي كانت تنظمها حركة التحرر العالمية.هذا الحضور جعل الأنظمة الإمبريالية تعتبر المهدي بن بركة خطرا عليها. كما اعتبرته فرنسا و النظام المغربي خطرا عليهما معا .
3 السبب الثالث :
يتجلى السبب الثالث في اجتهاد المهدي من أجل بلورة أهدف مؤتمر القارات الثلاث و التي حدده فيما يلي :
دعم حركات التحرّر الوطني، في مقدمتها حركة التحرير الفلسطينية،
دعم تضالات الشعوب بما فيها العمل المسلّح على مستوى القارات الثلاث،
مساندة كوبا في نضالها ضد الطغيان الأمريكي،
تصفية القواعد العسكرية الأجنبية المتواجدة خارج ترابها،
معارضة الأسلحة النووية والتمييز العنصري.
ولفقد زار بن بركة العاصمة الكوبية في إطار التحضير للمؤتمر من أجل الافتتاح في 03 يناير 1966. وكان سعيه إلى تحرير حقيقي يجعل حركات التحرر في الموقع الطليعي للقارات الثلاث و وتوحيد قدراتها التقدمية من أجل الحرية و ألأمن و السلام العالميين. إنّ هذا البعد التحرّري هو الذي كان مُستهدَفاً باغتيال المهدي بن بركة و ليس المهدي كشخص، بل كفكر و كعزيمة.
4 السبب الرابع :
لأنها جريمة ليست في حق المهدي بت بركة و أسرته و وطنه بل هي جريمة في حق شعوب العالم الثالث التي ارتبط اسمه بها و بتحركاته من أجلها في إطار مناهضة الاستعمار بكل أشكاله و التحضير لمؤتمر القارات الثلاث . هذا المؤتمر الذي كان يهدف إلى تأسيس تحالف قوي لهذه القارات هدفه تصفية الاستعمار و الوقوف ضد المد الإمبريالي و ضد برنامجه الرامي إلى السيطرة على العالم الثالث أرضا و ثروة.
5 السب الخامس :
لأن عملية اغتيال المهدي هذه تمت بصيغة الجمع، إذ شاركت فيها عدة دول إلى جانب المغرب، ومنها أمريكا و فرنسا و إسرائيل ،فأمريكا كانت تسعى من خلال اغتيال المهدي تخليص المغرب من عدو لها و للنظام المغربي ، لأنه كان دائما يعارض الهيمنة الإمبريالية و ويكافح من أجل مغرب متحرر من كل أشكال التبعية الاقتصادية و الثقافية ، كما أن أمريكا كانت تسعى من وراء هذه العملية إفشال المساعي إلى عقد مؤتمر القارات الثلاث و أيضا خلق متاعب للرئيس الفرنسي ديغول الذي كان يرفض الانضمام إلى الحلف الأطلسي (الناتو) و إتاحة الفرصة لليمين الفرنسي المناهض للسياسة الديغولية.
6 السبب السادس :
أما السبب السادس فهو إسكات صوت مؤثر في المحيط الدولي بالنسبة للقضية الفلسطينية و استمراره في انتقاد السياسة الإسرائيلية التي تتخذ من المغرب مجالا لمعلومات عن مصر العدو المباشر لإسرائيل ، مما سيجعل الكيان الصهيوني يشارك حسب الدور المنوط به في هذه الجريمة ، ذلك لأن الملك الحسن الثاني كان و قد ساعد على تنقل 13000 يهوديا من المغرب نحو إسرائيل ما بين 1956 و 1964 مما دفع إسرائيل إلى ترقية أفقير. و كان الوسيط بينهما هو” إيلي ترجمان” الذي كانت له علاقة مع إسرائيل بعد تخلي دافيد بنغريون عن رئاسة الوزراء 1965 وهاربل عن الموساد الذي التمس منه ادليمي مساعدته على اغتيال بن بركة .إن اهتمام أمريكا بنشاط المهدي على أكثر من صعيد ، كان بالنسبة إليها يتجاوز تحركات شي غيفارا في أمريكا اللاتينية الشيء الذي جعلها تخطط لعملية الاغتيال.
فتورط أمريكا و إسرائيل و فرنسا و المغرب في عملية الاغتيال لن يترك الحقيقة تطهر ،و إذا تم ذلك فإن حربا سياسية و حقوقية ستندلع لمحاكمة الأنظمة المتورطة و ليس فقط الأشخاص الذين هم أدوات للتنفيذ.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.