جاء العدد الأخير من سلسلة دفاتر وجهة نظر التي يديرها الدكتور عبد اللطيف حسني، منشغلا بقضية اختطاف واغتيال الشهيد المهدي بن بركة، وذلك عبر عنوان مثير يجسد مسارا ملتهبا و نوعيا من أداء الراحل و حضوره في المشهد السياسي المغربي والدولي. فقد اختارت وجهة نظر أن تطلق اسم «المهدي بن بركة: الموروث المشترك من منظمة القارات الثلاث إلى حركة العولمة البديلة»، على منجزها الجديد الذي كان من توقيع عدد من الباحثين والمفكرين والمناضلين، من معاصري الشهيد ومن محبيه. وهو المنجز الذي نسقه نجل الراحل البشير بن بركة. فبمناسبة ذكرى مرور أربعين سنة على اختطاف و اغتيال المهدي، انعقدت بمدينة كليمونسو بمجلس الشيوخ الفرنسي بباريس، يومي 29 و 30 أكتوبر 2005 ندوة دولية في موضوع: من منظمة القارات الثلاث إلى حركة العولمة البديلة. و قد تم تنظيم هذه الندوة من طرف الفيدرالية الدولية لحقوق الإنسان و معهد المهدي بن بركة ذاكرة حية، و العصبة الفرنسية لحقوق الإنسان و الذاكرة و الحقيقة و العدالة حول الاغتيالات السياسية في فرنسا، و بتعاون مع لوموند ديبلوماتيك و كونفلياس المتوسطية و بدعم من مؤسسة جان جوريس. في ظهر الكتاب نقرأ نصا لمحمد برادة يؤكد فيه أن حياة المهدي غير منتهية، لأن اختطافه في 29 أكتوبر 1965 بباريس، لم يضع حد لوجوده الرمزي المتغلغل في قلوب من عرفوه، و في ذاكرة المغرب الذي كان يعيش فترة صراع محتدم بين قوى الرجعية و تيار التقدم و الانفتاح، يضيف برادة قائلا، و لأن المهدي كان يحتل الصدارة في ذلك الصراع بوصفه قائدا و مربيا و رمزن فإن تغييبه القسري لم يوقف سيل الأسئلة التي كان وراء صياغتها و بلورتها، و التي انطوت على احتمالات المستقبل. و يعد هذا الكتاب الصادر في نحو 312 صفحة من القطع الصغير، تجميعا لمختلف العروض التي قدمت خلال هذه الندوة ، و التي كانت على درجة كبيرة من الأهمية بسبب انفتاحها على المسكوت عنه و اللا مفكر فيه، أملا في تشفير مختلف ألغاز العلب السوداء التي ما زالت تحيط بقضية المهدي بن بركة، و التي لم يشفع مرور أزيد من 44 سنة على حلها و كشف من يقف وراء حياكة خيوطها. في هذا الكتاب الذي جاء بثلاث افتتاحيات لكل من ليلى شهيد و صديكي كابا و هنري لوكلريك، نقرأ عن الاغتيالات السياسية و جرائم الدولة و المصلحة العليا للدولة، كما نقرأ مساهمة لموريس بوتان عن المسؤوليات المغربية و الفرنسية، و أخرى لفيكتوريا بريتين عن اللجوء إلى الاغتيال السياسي ضد حركات التحرير، ثم جرائم الدولة و الإفلات من العقاب لباتريك بوادان. نقرأ أيضا في هذا الكتاب مساهمات أخرى من قبيل الاغتيالات السياسية و الإفلات من العقاب و الصمت و تواطؤات الدولة، فضلا عن أعمال أخرى تتحدث عن المهدي بن بركة أو ضمير الوطن لمحمد عواد و بن بركة و استباحة الإنسان لجونيفيف شفرولا و المهدي بن بركة المربي للمهدي المنجرة و شهادات متعددة في حق الراحل من توقيع الأخضر إبراهيمي وهنريان دي شابوني و جيل مارتيني و جيل بيرو و محمد منصور و محمد بن سعيد أيت يدر. الكتاب تطرق أيضا إلى منظمة القارات الثلاث التي كان المهدي من أبرز منظريها ومهندسيها، بالإضافة إلى حركة العولمة البديلة والأشكال الجديدة للتضامن الأممي، بدءا من التضامن الإفريقي الأسيوي إلى تضامن شعوب أفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية، وامتدادات هذه الحركة البديلة في تصفية الاستعمار ومقاومة الجرائم السياسية. جدير بالذكر أن هذا الكتاب هو عبارة عن ترجمة بتصرف للطبعة الفرنسية التي أخرجتها في نفس الوقت منشورات طارق بالبيضاء ومنشورات سيليبس بباريس عام 2007 . و قد جاء في حلة أنيقة بغلاف دال من توقيع المخرج الفني طارق جبريل، و قد نزلت منه إلى الأكشاك و المكتبات المغربية 10000 نسخة في طبعة أولى. يذكر أخيرا أن كتاب المهدي بن بركة الموروث المشترك يعد الكتاب رقم 17 في سلسلة دفاتر وجهة نظر التي يديرها باقتدار الدكتور عبد اللطيف حسني، الذي يصدر أيضا كراسات استراتيجية التي تتمحور حول تقديم تقرير شامل عن حالة المغرب في مفتتح كل سنة، فضلا عن المجلة الفصلية وجهة نظر التي احتفلت السنة الفائتة بذكرى صدورها العاشرة.