بقلم – عبد الله النملي. الحرب على الإرهاب فكرة ابْتَدَعَها جورج بوش سنة 2001 ليحقق بها قوة شرعية وتأييدا دوليا في الوصول إلى أهداف لم تكن تصل لها واشنطن لولا هذه السياسة المشؤومة. واليوم باتت الحرب على الإرهاب بمثابة العبارة السحرية التي لها فروع في كل قارات ودول العالم. وهي تُهمة يلصقها الأقوياء بالضعفاء كذريعة ليمارسوا ضدهم أبشع أنواع الإرهاب. وإذا أراد أي حاكم أن يستأثر بالسلطة، فما عليه إلا أن يشن حربا على معارضيه باسم الحرب على الإرهاب. وفي الحرب على الإرهاب ليس هناك من سلطة سوى العسكر والمخابرات، وباقي الشركاء تُمْلأ بهم واجهات الحكم. وباسم الحرب على الإرهاب دمّرت أمريكا أفغانستان والعراق، وباسم الحرب على الإرهاب يُدمر بشار سوريا، وباسم الحرب على الإرهاب اجتاحت إسرائيل غزة، وباسم الحرب على الإرهاب يشعل السيسي بمصر حربا دموية ضد الإخوان المسلمين وأنصار الشرعية. إنها الطريقة الفعالة التي تُجَمّدُ بها القوانين والدساتير وتُعْلَنُ بها حالات الطوارئ، والأداة التي يُنْتَقَم بها من الفكرة الإسلامية و الرغبة في النهوض و استقلال الإرادة والقرار. ولما أسفرت الإنتخابات النزيهة بمصر عن فوز الرئيس مرسي الذي لم يأت على هوى خصومه السياسيين، عجزوا عن مواجهة الأمر بالديمقراطية فعادوا للسلطة عبر الإنقلاب العسكري الدموي وحملات شيطنة الإخوان واتهامهم بالإرهاب، معيدين الخطاب القديم لنظام مبارك وبصورة أبشع، مصر ضد الإرهاب..الإخوان إرهابيون.. الإخوان يحرقون الكنائس..، وهي تُهَم مخيفة يسهل تلفيقها، كما أنها تجعل صورة الجيش وهو يتصدى لكل ذلك أكثر نُبْلا و ووطنية. إن سياسة إلصاق تهمة الإرهاب بالإسلاميين هي مبدأ أصيل في سياسة الرئيس المخلوع مبارك، عمل على تكريسه عبر مناهج التعليم وأفلام السينما ومسلسلات الإذاعة والتلفزيون. ومن رموز تلك السياسة المدعومة الكاتب وحيد حامد، والممثل عادل إمام الذي لا يكاد يخلو عمل من أعماله من مسألة الإرهاب والتطرف على أنهما من لوازم الدين الإسلامي. وكذلك كان الشأن بوزارة الأوقاف في التضييق على المساجد وإغلاقها وتحويل جميع المُدرسين المُنتمين إلى أية تيارات دينية إلى وظائف إدارية، وإغلاق المعاهد الدينية أو حصر نشاطها في تعليم القراءات أو العبادات دون المعاملات أو العقيدة . وكان مبارك ورجاله ضالعون في تدبير حوادث الإرهاب، حتى أن آخر حادث من هذا القبيل تم في عهده كان إحراق كنيسة القديسين والذي اتهمت به جماعة جند الله ثم حماس، ليتضح بعد ذلك أن وزير داخلية مبارك هو المسؤول عن تدبير الحادث ليهز صورة الإخوان والإسلاميين في تلك الفترة التي شهدت انتخابات مصر البرلمانية في نونبر 2010 ، وكانت المخابرات البريطانية قد كشفت هذه المعلومات ومن المستندات الرسمية المصرية الصوتية والورقية. وفي سنة 2005 ضُربت مواقع سياحية في شرم الشيخ يملكها الملياردير حسين سالم، وأدت إلى مقتل 88 شخصا أغلبهم مصريون، ليتضح بعدها أن بطل هذا الفيلم هو حبيب العدلي أيضا، فعلها بأوامر من جمال مبارك. أما السبب فيعود بحسب وثائق وصفت بأنها سرية للغاية، لرغبة جمال مبارك في الإنتقام من صديق والده بسبب دور الأخير في تخفيض عمولته في صفقة تصدير الغاز لإسرائيل. نحو أكثر من ثمانين عاما من تأسيس جماعة الإخوان عاشوا فيها بسلام، لم يثبت أنهم أحرقوا كنيسة، أو يعتدوا على أي منشأة، ولم يحدث هذا القتل الذي يتهمونهم به الآن، اليوم تُحرق الكنائس، ويُقتل الأبرياء والجنود وتلصق الإتهامات بمؤيدي الشرعية من الإخوان وغيرهم، دون أن يتم تقديم دليل واحد، في حين تنتشر الأدلة والفيديوهات التي تدين قوات الجيش والأمن ومن معهم من البلطجية بهذه الأعمال التي يقومون بها لتأليب الرأي العام ضد الإخوان وإلصاق تهمة الإرهاب بهم لتبرير محاكمتهم والقضاء على تنظيمهم. لم تكن الدول الديمقراطية مُخْطئة عندما حسمت العلاقة بين الجيش والأمن، وبين الممارسة السياسية، بتحريم ممارسة السياسة على أفراد الجيش والأمن، وتخييرهم بين العمل في هذه المهنة أو العمل في السياسة، وليس الجمع بينهما. الجيش والأجهزة الأمنية لديهما وظائف تقتضي مهارات معينة ليست لدى السياسيين، وهذه المهارة لا تصلح إلا لمواجهة الأعداء أو المجرمين، لكن عندما يدخل العسكر إلى حلبة السياسة فإنهم لا يستخدمون إلا أدواتهم التي لا تعرف إلا القتل وقاموس الإرهاب، وهذا ما يفعله السفاح السيسي بمصر، إذ مازال الإنقلابيون هناك يتحدثون عن الإرهاب لتبرير حملات الإعتقالات والمحاكمات وقتل المؤيدين للشرعية. ولقد ثبت أن كل ما نسبوه إلى الإخوان هو كذب يُخْفون وراءه وحشيتهم التي طالت المتظاهرين السلميين، ولم يكن معهم أي نوع من الأسلحة ولا حتى الحجارة، فقد تم قتلهم في الشوراع بالرصاص الحي من فوق البنايات ومن الطائرات. فالذي يقتل المعتصمين السلميين في ميداني النهضة ورابعة العدوية هو الإرهابي، والذي يُسلط الجيوش ويطلق يدها على المتظاهرين السلميين في المدن هو الإرهابي. في عهد الإنقلابين الإرهابيين، سمعنا زعيمهم السيسي يقول الشيء وينفذ نقيضه: تقطع أيدينا قبل أن تمتد إلى أي مصري.. الأسد لا يأكل أولاده.. أن يقف المصريون طوابير في الانتخابات 15 ساعة خير من أن يتدخل الجيش في السياسة فتتخلف مصر من 30 إلى 40 سنة.. إننا لا يمكن أن نغدر أو نخون.. إن الشعب المصري لم يجد من يحنو عليه.. وقد ظهر جليا كيف امتدت أيادي الإنقلابيين بالقتل والحرق لآلاف المصريين في مجازر عديدة. ورأينا الإنقلابيين لا يأكلون أولادهم فقط، بل يقتلونهم قنصا وحرقا في جرائم إبادة. وبدا واضحا الحُنُو الكبير الذي لحق بالمصريين، حيث جعلوا في كل بيت شهيدا أو محروقا أو مصابا أو معتقلا أو مفقودا. و وقف العالم أجمع على حقيقة الغدر بالقيادة والخيانة للأمانة والانقلاب على الشرعية، ومصادرة الحريات وحل المؤسسات الدستورية، وتعطيل الدستور، وإغلاق الفضائيات واعتقال الصحفيين وقتلهم. وتابع الجميع كيف تم تسريح الآلاف من الخطباء والأئمة وإغلاق آلاف المساجد، وإيقاف شعيرة صلاة الجمعة، بشكل غير مسبوق في تاريخ مصر منذ الفتح الإسلامي، لم يجرؤ أي احتلال أجنبي على فعله. ولن ننسى من الانقلابيين الهجوم على المساجد والمصلين بالقنابل، وتشميعها، وتدنيسها ورمي المصاحف وبعثرتها بأيدي الشرطة و البلطجية، واعتقال المصلين منها، وقتلهم في سيارات الترحيلات، مما يعد اعتداء صارخا على حرمة الإنسان والقرآن وبيوت الرحمان. منذ استيلاء الإنقلابيين الدمويين على السلطة، لا يكاد المصريون الآن يفرغون من دفن شهدائهم الذين اغتالتهم يد الإرهاب حتى يستقبلوا شهداء جدداً، قامت على تصفيتهم قوات الجيش والشرطة، كأنما يخوضون حرب إبادة ضد المصريين المعارضين للانقلاب. وقد ارتفعت أعداد المعتقلين والمصابين والقتلى إلى أرقام فلكية، آخر هذه المذابح هى تصفية 38 مواطناً مصرياً في سيارة ترحيلات في طريقهم إلى أحد السجون. كما فُجعت مصر كلها بكارثة اغتيال 25 شهيدا من جنود الأمن المركزي بطريقة بشعة، وهي فاجعة تثير الكثير من الأسئلة والشبهات حول طبيعتها وتوقيتها، وهي دليل إدانة جديدة للانقلابيين، الذين صبغوا وجه مصر بالدماء، وأقاموا في كل بيت مصري سرادق عزاء. فإذا كانت كارثة استشهاد الجنود من تدبير بعض الإرهابيين، فلذلك دلالته على أن سلطة الانقلاب انشغلت عن واجبها في تأمين شعبها وحدودها فأعطت الفرصة لأولئك الإرهابيين لارتكاب جريمتهم، وإذا كانت تلك الكارثة من تدبير سلطة الانقلاب نفسها للتغطية على جرائمها الكبرى وآخرها قتل وتعذيب المعتقلين بأبي زعبل، فذلك جرم أخطر، أن تضحي آلة الانقلاب بهؤلاء المساكين اليوم لتغطية هذه الجريمة، ثم تضحي بغيرهم غدا لتغطية جرائمها المتجددة. كما أن الإعلام المأجور كان له دور بارز في إلصاق تهمة الإرهاب بالمعتصمين السلميين بعد أن أشاعوا أن الإعتصامات في رابعة العدوية وميدان النهضة بهما أسلحة ثقيلة !!، فدعّم ذلك وزير الخارجية المزعوم ونسبه إلى منظمة العفو الدولية التي خرجت تكذبه. و زعم أن هناك خططا لحرق جامعة الدول العربية وعديدا من المؤسسات الدولية، وأن الإخوان يستخدمون العنف والإرهاب!! . وفي كل فتنة تمر بها الأمة تلجأ دائما الأنظمة الإنقلابية إلى علماء الدين ورجال الإعلام لتجميل وجوههم القبيحة وتبييض صحائفهم السوداء، من خلال ترويج الفتاوى الخاطئة والتدليس على الناس. إذ هناك دائما من الشيوخ من لديه الاستعداد لمساندة أصحاب القوة والسطوة، وتقديم التسويغ الفقهي للباطل. لهذا فإن الدماء التي سالت على أيدي الانقلابيين بمصر يتحمل وزرها معهم من أفتاهم بجواز قتل المتظاهرين السلميين بحجة الإرهاب والخوارج. وقد أثبت الواقع كذب كل ادعاءات إلصاق تهمة الإرهاب بالإخوان وأنصار الشرعية، فالإخوان اعتقل وسجن منهم 50 ألفا في عهد الرئيس المخلوع مبارك، ولم يرتكبوا حادثة عنف واحدة، أو يَتَحَوّزوا قطعة سلاح، حتى أن معذبوهم بالسجون كانوا يسيرون أمامهم في الشوارع، فلم يتعرضوا لأحد منهم بسوء من قول أو عمل، لأنهم يؤمنون بحرمة الدم شرعا وقانونا. و عندما قامت الجماعة الإسلامية بمراجعة أفكارها والعدول عن نهج العنف رحب الإخوان بذلك. كما عقدت الجماعة أربع مؤتمرات قبل الثورة عنوانها "من أجل مصر " دعت فيه جميع القوى السياسية التي لبت معظمها الدعوة من اليمين إلى اليسار، علاوة عن أن جماعة الإخوان المسلمين خاضت انتخابات النقابات المهنية و الإتحادات الطلابية ونوادي هيئات التدريس في الجامعات وحققوا نجاحا كبيرا. وفي خطوة نادرة دعا الدكتور محمد بديع الأحزاب السياسية إلى الترشح على قائمة واحدة في انتخابات مجلس الشعب الأول بعد الثورة، وتبنى حزب الحرية العدالة هذه الفكرة وأنشأ تحالفا وطنيا ضم أربعين حزبا وجماعة سياسية، وفازت القائمة ب 47.5 % من مقاعد مجلس الشعب، وبحوالي 60 % من مقاعد الشورى، وانتخاب رئيس مجلس الشعب والشورى من حزب الحرية والعدالة، واختار الشعب في انتخابات نزيهة الدكتور محمد مرسي رئيسا للجمهورية. كل ذلك يدل بما لا يدع مجالا للشك أنه من غير المعقول أن ينتخب المهندسون والأطباء والمحامون والمعلمون والزراعيون والطلاب وأساتذة الجامعات أناسا إرهابيين لإدارة نواديهم واتحاداتهم، فضلا عن أنه من المستحيل أن تلتف أطياف سياسية في تحالفات مع الإخوان وهم إرهابيون، وتختار كل طبقات الشعب المصري في انتخابات المجالس النيابية والنقابات المهنية واتحادات الطلاب ونوادي التدريس جماعة تقوم بالعنف والإرهاب، ثم إنه من رابع المستحيلات أن يختار الشعب رئيسا إرهابيا، ويصوت على حزب الحرية والعدالة في خمس استحقاقات انتخابية. وقد دشنت شبكة الجزيرة الإخبارية صفحة للتصويت على اتهام السيسي للمتظاهرين المؤيدين للرئيس الشرعي محمد مرسي بالعنف والإرهاب، وكانت صيغة سؤال التصويت: هل توافق على اتهام السيسي للمتظاهرين المؤيدين لمرسي بالعنف والإرهاب؟ وأسفرت نتيجة الاستطلاع أن نسبة 91.1 % يرفضون إلصاق اتهامات بمؤيدي الشرعية.