كبرت يا بني وقد منحتك هويتي ، وترعرعت في دويرتي ، وإستنشقت هوائي العليل ، وإسترويت من مائي العذب ، وأصبحت شاباً يانعاً لتقول لي في النهاية من أنت ؟ وآسفاه على حبي لك فسؤالك أحرجني! وأفقدني فيك الأمل! لطالما كنت لك الأم والأب اللذين يسهران لراحتك ، ويفرح قلبهما لسعادتك ، ويتألم لمرضك ومصابك ، ويتلوع لقلقك وإضطرابك ويرتجف عليك خوفاً كما ترتجف الطير على صغارها . وفي الآخر قلبت فروتك ، وكشفت غدرك ، وبينت حقدك ، لتطعنّ بخنجرك ظهري الذي كان لك خيمة تُتقيك حر الشمس وتردي قلبي المتعطش لضمك بأحضان دافئة متلهفة لطبع قبلة حب وشوق على وجنتيك ، فوجدتك حرارتك كالثلج باردةٍ ، مما دعاني أسقط ذراعي المشرعة لضمك إلى صدري الذي كان يتسع لك ولأقرانك وأمثالك أيها المتلون الناسي المتناسي لقلبي وحبي ولوعة الفراق ونشوة اللقاء لتسألني من أنت ؟!! فوأسفاه عليك !!! كنت تسافر بعيداً غير متحسباً لطول المسافات ، متلهياً متلذلذاً بأحضان الغرب من الحضارات ، إما لرغبة لك في علم تستلهمه أو عمل تسترزقه ، أو فضول تستكشفه ، أو هدف تصيبه ، دون أن تحس يوماً أنك ستعود إلي وتأتيني وقد أصبت مُناك ، وإما عائداً إلي متشوقاً من طول الجفا والفراق ، وإما عائداً إلي عنوة عنك ومكسور الجنحان ، مطرود لعدم رغبة العدم فيك بالبقاء ، وإما محمولاً على نعشٍ ذهب عنك موعده لأواري ثراك التراب ، فعودتك إلي فقط كانت لأنك كُنت تنتحل شخصيتي وتحمل هويتي ، فوأسفاه عليك من ولد تمادى عليَّ وإستكبر ولهويتي إستنكر وتجبر وما زال يتجاهلني ويصرّ على قوله لي من أنت ؟! كنت صغيراً فمنحتك الطمأنية والأمان ، وأرضعتك من حليب التقوى والإيمان ،وأسقيتك رحيق الحب والحنان ، وأطعمتك الرعاية والحضانة التي يستأنس لها الإنسان ، وكنت لك الحارس الأمين والراعي الكريم ، والحضن الدافيء بالعطاء والحنين ، وعندما أصبحت في مقتبل عمر الشباب كنت لك الغطاء الواقي من عثرات الدهر ، والصرح الشامخ بالعلم والعمل ، ولما تزوجت فرحت لك وتلألأت سمائي بالنجوم والأنوار لعرسك ، وزغردت طيوري لسعادتي بكم وسروري ، وناديت بالملأ أن هلموا مدى لتروا فرحي وإبتهاجي بكم ، وإحتضنتكم جميعاً بعبائتي ، وتفاخرت بكم لزيادة أعداد أسرتي وقبيلتي ، وتجيئُ لي لتقول من أنت ؟ً فوأسفاه عليك من ولد أهوج. ليتك يا ولدي أحسست بي كما أُحس بك ، وليتك أحببتني كما أحببتك ، ويا ليتك شعرت بفخري وكبريائي وأنا أنظر إليك دون ملل أو كلل عندما كنت تنمو شيئاً فشيئاً إلى أن أصبحت شاباً فرجلاً فكهلاً وقلبي معك يسير وروحي تتبعك ترجو أمنك وراحتك وسلامتك ، وفي النهاية وبدون قلب ولا إحساس بالعيب ، تسألني من أنت ؟ يا لك من ولد عاق لا تفهم ، يا لك من ناكر للجميل لا تدرك ، يا لك من إنسان مهمل ، ساقط ، لا تتقن سوى الأنا والنرجسية !!! هل تريد أن تعرف من أنا أيها المغفل ؟ أنا وطنك الذي أحبك ويحبك ولا يحب من يكرهك ! أنا من يتألم لفراقك ويفرح للقياك ! ألم تعلم من أنا بعد أيها المحترم ؟ دعني أذكرك بأجدادك وآبائك وبأسرتك وأخوانك أين هم ؟ لا تقل لي لا أعلم وإلا سقطت من عيني أيها الجبان ؟ فأنا أرضك التي إحتضنتك فوقها لسنوات عمرك بدون عياء أوألم وأعياها فراقك وآلمت على نفسها ضمك بباطنها طول الدهر ، وأنا من إرتويت من مائها العذب عندما كنت أنت الظمآن ! وأنا من أطعمك من ثمار زرعها عندما كنت أنت الجوعان ! وأنا من ضحى من أجلها الآباء والأجداد ضد الإحتلال والعدوان ، وأستشهدوا من أجل حريتي وكرامتي ضد الظلم والظغيان ، وأنا من كنت أنت لها الإبن العاق ناكر الجميل والمعروف للأوطان . وفي الختام نسأل الله تعالى أن يرحم شهداء الوطن الأبرار وأن يسكنهم فسيح جناته مع الأنبياء والصالحين الأخيار ، وكل التحية والإحترام والتقدير لأبناء الوطن الشرفاء والمخلصين الأوفياء لله فيما يحبه ويرضاه تعالى ثم لولاة الأمر الصادقين العادلين والحكام الآمرين بالخير والمعروف والناهين عن الشر والمنكر . بقلم: سميح علوان الطويفح مقالات ذات الصلة * تفسير البطالة في الاقتصاد السياسي * الأمير يفسد السوق * فشل سياسات التقشف في معالجة الأزمات * المخزن و الشطرنج السياسي