يرى أستاذ شؤون الحكم والسياسة بجامعة سينت جونز في نيويورك, أن النظامين الحاكمين بالجزائر والمغرب يجب أن يشعرا بالقلق من الغليان السياسي الذي ابتدأ في شمال أفريقيا العربي، ومضى الكاتب عز الدين لياشي يقول بمقال له في فورين بوليسي: تعني المغرب باللغة العربية المكان الذي تغرب فيه الشمس, وهذه المنطقة تشمل الجزائر وليبيا والمغرب وتونس, وهي جزء من كل من أفريقيا والعالم العربي, وتقيم علاقة خاصة مع أوروبا والفضل في ذلك إلى الموقع الجغرافي والتاريخ الاستعماري والعلاقات الاقتصادية، ففي المغرب العربي اندلعت القلاقل أولا في تونس وحيث بلغت أوج عنفها حاليا في ليبيا, ومن بين تلك البلدان الأربعة, كانت المغرب والجزائر الأقل تعرضا لتلك الأحداث, ولكن ربما لن يستمر هذا الهدوء طويلا. بعد أن حصلت كل من المغرب والجزائروتونس وليبيا على استقلالها من أسيادها المستعمرين في الخمسينيات, انتهجت أنظمة سياسية وإستراتيجيات تطوير وتنمية اقتصادية مختلفة, ولكنها انتهت جميعا بأنظمة استبدادية اعتمدت القمع والحكم الفردي. وبالنسبة للجزائر التي حكمت من قبل الحزب الواحد في ظل الحكم العسكري منذ استقلالها عام 1962حتى 1989، فلديها الآن نظام متعدد الأحزاب, ولكن تلك الأحزاب لا أهمية لها مثل أهمية الجيش والعسكر. وأما في المغرب، فإن الملك محمد السادس يشرف على نظام حكم متعدد الأحزاب في ظل الملكية المطلقة, فهو من يعين الأعضاء الرئيسيين في الحكومة بمن فيهم رئيس الوزراء, وله سلطة حل البرلمان وفرض حالة الطوارئ , ولا يسمح لأي كان بانتقاده أو تحدي زعامته الدينية: إنه "أمير المؤمنين". حققت تلك الأقطار الأربعة تطورات اقتصادية واجتماعية رئيسية منذ استقلالها, فحسنوا من الخدمات الاجتماعية والتعليمية والرعاية الصحية، وكذلك في مجال الدخل القومي, ولكنها وخلال العقدين الأخيرين، فإن محدودية هذا التقدم بدت ظاهرة, فلم يستطع مجاراة الزيادة السكانية. إستراتيجية ناجحة وفي حال فشل الثورة الليبية بالإطاحة بنظام العقيد معمر القذافي, فعندها سيقرر حكام كل من الجزائر والمغرب أن الصمود في وجه الاحتجاجات الشعبية إستراتيجية ناجحة ومفيدة. وفي الجزائر, ضخمت الليبرالية الاقتصادية من مفعول الصدمات الاقتصادية العالمية وأثرها, مما جعل من الصعب الاستمرار في نظام الرفاه الاجتماعي. وأما في المغرب، فقد كان هذا النظام محدودا, فالملكية وفرت الأمن والوحدة الوطنية (وليس مزايا ومنافع اجتماعية) نظير الطاعة والولاء, وهو ما بدأ في التغير منذ وفاة الملك الحسن الثاني لعام 1999 وانتقال الحكم إلى نجله محمد السادس الذي قام -وبعكس إهمال والده الحسن- ببعض المساعي لمعالجة مشاكل بلاده الاقتصادية والاجتماعية. وأقدمت كل من الجزائر والمغرب على خصخصة بعض الشركات في القطاع العام عقب أزمات اقتصادية خطيرة قللت من الدعم ورفعت الرقابة على الأسعار كجزء من برامج تعديل البنية الإدارية وفقا لما طالب به صندوق النقد الدولي، وهي الإصلاحات التي ساعدت على الحيلولة دون الانهيار الاقتصادي, ولكنها لم تفعل بما فيه الكفاية من أجل تحسين الظروف المعيشية والبطالة وسوء توزيع الدخل. وفي الجزائر, انخفض مستوى المعيشة لدى قطاع واسع من المجتمع حيث يعيش 23% من السكان دون خط الفقر في نفس الوقت الذي بلغ فيه احتياطي العملات الأجنبية 157 مليار دولار عام 2010 بفضل الصادرات, وباتت هذه المفارقة غير مقبولة خاصة مع وجود أزمة إسكان ونظام تعليم فاشل وارتفاع نسبة البطالة بين الشباب التي زادت على 20%. عائدات نفطية وأما في المغرب وعلى خلاف كل من الجزائر وليبيا, فالمغرب لا يمتلك عائدات نفطية, فإن ظروفا مشابهة ولدت اليأس والقنوط في أوساط قطاع كبير من الشباب الذين يوجد من بينهم آلاف عديدة من خريجي الجامعات. وأما في ليبيا تحت حكم القذافي, وفي تونس تحت حكم زين العابدين بن علي، فتم قمع المعارضة السياسية والاعتماد بشكل مبالغ فيه على أجهزة الأمن والمخابرات, في حين أن كلا من الجزائر والمغرب أدخلتا بعض الإصلاحات السياسية المهمة بدون تغيير طبيعة نظاميهما. في الجزائر وفي عهد الرئيس الشاذلي بن جديد تم فتح باب النظام السياسي أمام المعارضة في ثمانينيات القرن الماضي, وحتى ضمت بعض الأحزاب الإسلامية الصغيرة المعتدلة مثل حركة المجتمع للسلم، والإصلاح والنهضة، ولكن لم يكن معنى ذلك أن البلد باتت ديمقراطية الهوية, حيث بقي النظام تحت حكم ثلاثة مراكز قوى هي الجيش والرئيس وحاشيته المقربين من الموالين وجبهة التحرير الوطني التي تسيطر على تحالف مؤيد للحكومة في البرلمان. وفي المغرب, كان هناك نظام التعددية الحزبية منذ استقلال البلاد عام 1956، ولكنه كان شكليا أكثر منه حقيقيا لأن معظم السلطات كانت في يد الملك, وعام 1962 وفي ظل الحسن الثاني، سمح لحزب اتحاد القوى الشعبية الخصم اللدود للملكية برئاسة الحكومة وسمح للإسلاميين المعتدلين بدخول البرلمان, ولكن لم يتمكن أي من هؤلاء من تغيير النظام. وخلال العقدين الماضيين, استغلت الأنظمة الشمولية في المغرب العربي الحرب ضد التطرف الإسلامي لتبرير تشددها في الحكم, فعلى سبيل المثال، كانت الجزائر تحت نظام حالة الطوارئ حتى 24 فبراير/ شباط 2011 ولفترة استمرت تسعة عشر عاما, فقد فرض نظام الطوارئ عام 1992 لمواجهة صعود التحدي الإسلامي العنيف, واستغل في تسعينيات القرن الماضي من أجل اعتقال الناس بدون محاكمة وللجم الصحافة. وباسم الأمن ومحاربة الإرهاب, اتخذت الحكومة المغربية إجراءات صارمة بحق المعارضة الإسلامية والعلمانية كليهما, واعتقلت المشتبه فيهم بدون تقديمهم للمحاكمة، وحظرت المعارضة السياسية حتى نهاية التسعينيات, ومؤخرا باتت المغرب حليفا قويا للولايات المتحدة في الحرب التي تقودها ضد الإرهاب, وأصبحت وجهة للمشتبه بهم الذين يتم اعتقالهم بموجب برنامج "الاعتقال غير العادي" من جانب الأميركيين. وفي مقابل مشاركتها في اتفاقيات أمنية مختلفة, تسلمت المغرب من واشنطن معدات عسكرية وتدريبات لأجهزتها الأمنية, وحظيت بصمت الحكومات الغربية جراء انتهاكها للحقوق الإنسانية والسياسية. وبناء على تلك الانتاكاسات, فليس من العجيب اندلاع الاحتجاجات في كل من الجزائر والمغرب، حيث شكلت أعمال الشغب التي اندلعت في الجزائر خلال يناير/ كانون الثاني, ذروة الاحتجاجات اليومية، والتي امتدت لعقد من الزمان في العديد من البلدات والقرى ضد أداء الحكومة السيئ وضد الظلم والفساد, ولكن تلك المشاغبات حصلت على نطاق لم يكن له مثيل منذ اضطرابات عام 1988 التي أثمرت بإيجاد نظام الحزب الواحد. وانتشرت أعمال الشغب في الجزائر، تلك التي اندلعت في يناير/ كانون الثاني 2011 بسرعة ولكنها انتهت بسرعة كذلك بعدما خفضت الحكومة أسعار السلع الغذائية الأساسية, وأعمال الشغب هذه لم يكن لديها أجندة سياسية كبيرة أو شعار ولم ينضم إليها أي من الأحزاب السياسية الرئيسية. وبقي الحال حتى قيام الاحتجاجات في تونس حينما شكلت بعض شخصيات المعارضة ما سمي التنسيق الوطني من أجل التغيير والديمقراطية يوم 21 يناير/ كانون الثاني، ودعا إلى مظاهرات على نطاق واسع. ولكن الاحتجاجات فشلت في اجتذاب أعداد كبيرة من الناس، حيث تم تفريقها من جانب شرطة مكافحة الشغب, وحيث لم يكن لها تأثير كبير بسبب افتقارها إلى الوضوح والتفاصيل وبسبب ترؤسها من جانب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية، وهو الحزب المعروف بتأييده لإلغاء الحكومة انتخابات عام 1991 وقمع الإسلاميين. وعلاوة على ذلك فإن زعماء الحركة الاحتجاجية قللوا من قيمة تلكؤ وتقاعس الناس في مواجهة الحكومة بعد عشر سنوات من الحرب التي ألحقت الضرر بكافة الشعب وأدت إلى مقتل 200 ألف شخص. المحتجون المغاربة وفي المغرب, لم تتمكن مظاهرات 20 فبراير/ شباط من اجتذاب سوى عدد قليل من الآلاف، ناهيك عن افتقارها إلى الحيوية والحماس كما كان الحال مع الثورتين التونسية والليبية، وحتى الاحتجاجات الأصغر في الجزائر، حيث طالب المحتجون المغاربة بتشكيل حكومة جديدة وإصلاحات دستورية من شأنها الحد من سلطات الملك ووضع حد للفساد وتحسين ظروف الحياة والعدالة الاجتماعية. ولم يستهدفوا الملك محمد السادس شخصيا الذي ومنذ تنصيبه على العرش عام 1999, عمل على تنفيذ العديد من الإصلاحات مثل تغييراته للمدونة أو قانون العائلة الذي حسن من وضع المرأة وخطط للقضاء على الفقر والأمية, وهذه الحركات عززت من شرعيته، حتى وإن لم تفلح في تحسين ظروف المعيشة أو إيجاد وظائف. ولكن ومع ذهاب بن علي وتعرض نظام القذافي للهجوم, فإن زعماء كل من المغرب والجزائر يشعرون بالقلق، ووعدوا مؤخرا بخفض أسعار المواد الغذائية وإجراء إصلاحات من شأنها إيجاد المزيد من الوظائف وتعزيز الحرية السياسية. قانون الطوارئ ومن جانبها, قامت الحكومة الجزائرية برفع قانون الطوارئ يوم 24 فبراير/ شباط أي بعد تسعة عشر عاما من فرضه, ووعدت بالمزيد من الحريات السياسية والإصلاحات الاقتصادية. ومن أجل تقليل احتمال اندلاع اضطرابات اجتماعية في المغرب, أعلن الملك محمد السادس خطة لإصلاح الدستور ومنح المزيد من السلطات للبرلمان ورئيس الوزراء ووزرائه، ووعد بالمزيد من الحريات السياسية والمزيد من الوظائف, لكن الاحتجاجات لم تتوقف, فقد خرج المزيد من الناس إلى الشوارع أكثر من أي وقت مضى، مطالبين بإصلاحات اقتصادية فورية والمطالبة بأن تتم العملية عبر إصلاح الدستور بدلا من ترك تلك العملية في يد الملك لوحده. وفي كلا البلدين, فإن السلطة الرئيسية في أيدي أشخاص مهمين فوق القانون غير معرضين للمحاسبة والمساءلة، وهم يمارسون السلطة من خلف الكواليس ويعرفون في الجزائر بالاسم "ليبوفوير" أو "المتنفذون" وفي المغرب باسم المخزن. وحتى لو تم إصلاح البنية السياسية الرسمية, فإن أمرا مهما لن يحدث ما لم يتم التخلص من المتنفذين والمخزن أو تقليم أظفارهما, وهذا أحد الأسباب التي جعلت الجزائريين يرفضون قبول تغييرات تجميلية, وفي المغرب يمكن أن تشكل الإصلاحات الدستورية بداية جيدة, ولكن مثل تلك الخطوات تعتبر غير كافية بدون نزع سلطة المخزن. ومع بناء تونس لنظام حكم جديد وبقاء القذافي تحت النار والهجوم المزدوج من الثوار بالداخل والهجمات الجوية الغربية, فإن المغرب ستشهد فترة من القلاقل وعدم اليقين, وإذا ما تم إسقاط القذافي وتحولت ليبيا إلى الديمقراطية, فإن كلا من المغرب والجزائر ستواجهان ضغطا متزايدا من أجل التحرر. ولكن إن أخفقت الثورة الليبية في إسقاط القذافي وتنحيته عن السلطة, فإن حكام كل من المغرب والجزائر ربما يقررون انتهاج إستراتيجية مواجهة الاحتجاجات الشعبية, فمستقبل كل من الجزائر والرباط مرتبط بما سيجري بكل من بنغازي وطرابلس.