بعد مرور 40 عاما علي وفاة الزعيم الراحل جمال عبد الناصر جاء هذا الكتاب "بقلم جمال عبد الناصر" ليلقي الضوء علي أحد وأهم جوانب الشخصية الكاريزمية لعبد الناصر، ألا وهو الجانب الثقافي والفكري، وقد تجلى هذا الجانب من الشخصية في سلوك جمال عبد الناصر الإنسان والزعيم ورجل الدولة. الكتاب من تأليف مدير إدارة الإعلام بمكتبة الإسكندرية خالد عزب والباحثة صفاء خليفة، وهو صادر عن أطلس. وينقسم الإصدار إلى قسمين رئيسيين، الأول ناقش فكر وشخصية جمال عبد الناصر، والثاني عبارة عن مؤلفات جمال عبد الناصر كاملة، وهي علي التوالي: في سبيل الحرية، وفلسفة الثورة، ويوميات حرب فلسطين 1948. ويشير الكاتبان إلى أن عبد الناصر عرف بين المقربين منه بأنه "أفضل قارئ"، فقد كان شغوفا بالمطالعة، ودارسا متميزا لديه قدرة خارقة على القراءة، وكذلك القدرة على الاستيعاب والتذكر بنفس المستوى، وذلك في المراحل المختلفة من حياته منذ طفولته، ومرورا بمرحلة الدراسة الثانوية، والدراسة في الكلية الحربية، وكلية أركان الحرب، وانتهاء بمرحلة ما بعد ثورة يوليو، وشكلت قراءات عبد الناصر في بداية حياته النواة التي تمحورت حولها أفكاره ورؤاه. فكانت رغبة جمال عبد الناصر شديدة في أن يعرف بنفسه كل شيء، ويمكننا تتبع ذلك في قراءاته واهتماماته الفكرية في أهم فترات حياته، وكذلك في الشخصيات التي أعجب بها وكان لها كبير الأثر في تفكيره في ظل الظروف الدولية والعربية من حوله، والتيارات السياسية والأيديولوجية التي عايشها بداية من أواخر الثلاثينيات وطيلة فترة الأربعينيات، وكذلك في مرحلة ما بعد قيام ثورة يوليو. ولم يكتف عبد الناصر بالقراءة والاطلاع ولكن كان لفكره وثقافته أبعاد أخرى من أهمها الكتابة. معركة خالدة يتحدث الكتاب عن أولى كتابات الطالب جمال عبد الناصر، فقد نشرت له مجلة مدرسة النهضة الثانوية أول كتاباته، مقالة بعنوان "فولتير، رجل الحرية"، وهو في سن السادسة عشرة من عمره. وفي العام 1934 بدأ الطالب جمال عبد الناصر حسين وهو في السادسة عشرة من عمره في تأليف رواية "في سبيل الحرية"، التي تتصدر صفحتها الأولى صورة "عبد الناصر". وتتناول الرواية في مضمونها المعركة الخالدة التي خاضها أهل رشيد بمصر عام 1807، عندما تصدوا للحملة الإنجليزية بقيادة فريزر، وألحقوا بها هزيمة منكرة ثم مقدمات الحملة الفرنسية وبعدها الاحتلال البريطاني. لكنه لم ينته منها، بل كتب ستة فصول استكملها بعد الثورة قاص يدعى "عبد الرحيم عجاج"، وقام بنشرها في الخمسينيات. ثم نجد موهبة جمال التمثيلية عندما قام بدور يوليوس قيصر في مسرحية شكسبير ضمن برنامج الحفلة التمثيلية السنوية لمدرسة النهضة 1935 بعد قراءته عن الشخصية وإعجابه الشديد بها. ثم تتطرق الدراسة إلي أي مدي تأثر جمال عبد الناصر بالأحداث في مصر والعالم العربي التي دفعته نحو كتابة بعض الخطابات إلى أصدقائه يستنكر فيها تلك الأحداث التي كان أهمها إلغاء دستور 1923 واستصدار إسماعيل صدقي باشا لدستور 1930، فنجد اسم "جمال" من أسماء الجرحي في مظاهرات نوفمبر 1935. كما كان يراسل أصدقاءه يحثهم علي المطالبة بعودة دستور 1923، وإلغاء دستور عام 1930، ونجد ذلك واضحا في "خطاب عبد الناصر لحسن النشار عن الحركة الوطنية بين الطلبة لعودة الدستور". فلسفة الثورة وعقب ثورة يوليو صدر كتاب "فلسفة الثورة" عام 1953 الذي يعد أول وثيقة تصدر عن ثورة يوليو ومفاهيمها عام 1953 بعد نحو سنة من قيام الثورة في يوليو 1952، وهو كتاب يحمل أفكار الرئيس جمال عبد الناصر، قام بتحريرها وصياغتها الصحفي محمد حسنين هيكل. كما كان لحرب فلسطين كبير الأثر علي فكر عبد الناصر وقلمه أيضا، بالإضافة إلى سلسلة من المقالات نشرتها مجلة آخر ساعة، عام 1955، تحت عنوان "يوميات الرئيس جمال عبد الناصر وحرب فلسطين". فقد كانت لدى جمال عبد الناصر نزعة قوية للتدوين، وقد سجل بخط يده، حيث كتب يومياته عن حرب فلسطين تحت قصف المدافع مرتين في اليوم الواحد، يبدأ بالكتابة على الأوراق الرسمية التي يعتمد عليها في كتابة تقاريره لقياداته، فهذه هي ذاكرة الكتيبة السادسة، قبل أن يسجل يومياته الشخصية، التي تتضمن مشاعره ومكنونات نفسه على ذات الأحداث. وتمثل اليوميات -الشخصية والرسمية معا- نصا طويلا ومتصلا، وكتب في الحالتين بذات الطريقة، المكان واليوم والساعة، وعبارات موجزة تلخص ما حدث، مسجلاً مشاعره في بعض الحالات عن الوقائع والأحداث.