عشرات الأسئلة التي أواجهها كل عام فى ذكري ثورة 23 يوليو المجيدة والتي تصب في اتجاه واحد لماذا لا أكتب عن ثورة المجد والشرف العربي وزعيمها المغفور له الخالد دوماً "جمال عبد الناصر " ؟ "" دون الإجابة عن هذا السؤال ، ليس لعدم القدرة على الرد ولكن لإيماني في أعماقي وبداخلي إننا لم نعد أوفياء للزعيم وثورته التي مثلت نقطة تحول تاريخي في تاريخ مصر والمنطقة برمتها . قرأت وسمعت عشرات القصص والدراسات عن ثورة 23 يوليو المجيدة وعن شخص الزعيم " جمال عبد الناصر " ، إضافة لقصص وحكايات من عاشروا وعاصروا هذه الثورة وهذا القائد وشعرت أن هذا الحب لا يكون إلا لشخص استثنائي ، وقائد استثنائي ، وزعيم استثنائي لم ينال هذه الشخصية الكاريزمية من فراغ أو لمجرد عاطفة ، وهو ما شدني لقراءة كتابات من خالفوه وعارضوه كذلك فوجدتها لا تحمل سوي حجج واهية ضعيفة غير مستندة لشيء سوي الباطل وسوق الافتراءات والأكاذيب التي تحاول تشويه كل ما هو جميل ومُشرق في تاريخ هذه الأمة ، وهذا التاريخ الذي لم يجد في العصر الحديث ما يتوقف عنده ساجداً خاشعاً إلا القليل القليل ومنها ثورة 23 يوليو المجيدة وسيرة الزعيم جمال عبد الناصر . لهذه الأسباب كنت دوماً ولا زلت ضعيفاً عندما أمسك القلم وابدأ بالكتابة عن ثورة 23 يوليو والبكباشي جمال عبد الناصر ومقتنعاً إنه لا يريد منا تمجيده كشخص ، بل يريدنا أن نتعلم ونستلهم الفكرة والثورة بمبادئها والتي أعادت التاريخ مرة أخرى لبوصلة مساره الحقيقي بعد أن ضاعت فلسطين سنة 1948م ، فظهر من رحم الهزيمة ضباط أحرار حملهم الريف المصري وعلى رأسهم بكباشي من جذور شعبية فقيرة يحمل حباً طاغياً لأمته العربية ووطنه الممتد من الخليج إلى المحيط ويقود ثورة بيضاء . ثورة 23 يوليو 1952 وزعيمها القائد "جمال عبد الناصر " ليست مناسبة وذكري للاحتفال ، ولا يجب أن تكون هكذا وإنما هي ذكري انتصار وإحياء للفكرة كأحد الدروس الثورية الخاصة ، وذات السمات والملامح الخاصة أيضاً ، إحيائها يجب أن يكون كنموذج فكري حضاري تتعلم منه الأجيال الناشئة . فثورة 23 يوليو المجيدة لم يقودها عبد الناصر لوحدة ، ولم تأتي كرغبة للاستيلاء على السلطة ، وإنما جاءت كثورة فعلية أحدثت تغييرات جذرية في البني الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والعسكرية المصرية ، هذه التغييرات امتزجت لتشكل ثورة ضد المستعمر البريطاني وأعوانه من الملكية الفاسدة ، كما وشكلت قاعدة إرتكاز لكل الشعوب العربية المضطهدة وحركات التحرر التي وجدت بها نبعاً تنهل منه معاني التحرر والتمرد ضد الظلم والقهر والاستعمار . فكما حملت شعار الحرية حملت شعار الوحدة العربية والذي استطاعت أن تكلله بقيام الجمهورية العربية المتحدة كأول مشروع وحدوي عربي تكالبت عليه قوي الاستعمار و مستعينة بقوي الانفصال حتى أجهضته ، ورغم ذلك لا زالت تمثل أنموذجاً وأملاً قائم حتى اليوم يراود كل الأجيال العربية بإحيائه . إنها ثورة 23 يوليو التي لا تمثل ذكري ضباط عسكريون وقائد أنطلق من هموم أمته وشعبه ، بل ذكري ثورة كبري لم تكن أداة التغيير العسكري هدفها فقط ، بل إنها أحدثت ثورة في معظم إن لم يكن كل جوانب الحياة في المجتمع المصري والعربي. ثورة 23 يوليو سنة 1952 الثورة الوحيدة البيضاء في المنطقة التي لو تَرق بها الدماء ، والثورة الوحيدة التي لا زال يوم تفجرها يمثل يوماً لذكري قومية يحتفي بها من المشرق العربي إلى مغربه ، كما وإنها الثورة الوحيدة التي قامت وانتصرت بجيل من الشباب بعيداً عن التقليدية في الثورات والانقلابات التي كان يقودها قادة الجيوش وكبار أصحاب الرتب العسكرية ، فهي ثورة قادها مجموعة من الضباط على رأسهم البكباشي " جمال عبد الناصر " ورفاقه من فقراء الشعب المصري الذين انضموا للجيش ليدافعوا عن وطنهم وأمتهم . جمعهم حب التحرر وأمل النهضة بالأمة وتحرير الشعب المصري والتخلص من الهزيمة ، فلم تتشكل قيادة الثورة من حزب أو تيار سياسي وإنما من تشكيله خاصة باسم الضباط الأحرار . ستة وخمسون عاماً وكل عام تضاء شمعة جديدة من عمر هذه الثورة ولا زالت حية فينا ، كما لا زالت هي الأهم والأكثر أهمية بين الثورات في التاريخ فلا زالت تستقبل كل يوم المزيد من محبيها والمؤمنون فيها كفكرة وثورة وبأطروحاتها الفكرية ، ولا زالت تشهد جدلاً فكرياً في الأمة العربية لأنها مثلت إرهاصات المشروع القومي العربي الحضاري الذي لا يزال قائماً رغم كل الظروف والتحولات والتغييرات في منطقتنا العربية . ورغم حالة التراجع في الفكر القومي عامة . فالثورة الأهم في التاريخ المعاصر والقائد الأكثر حباً وشعبية لا يجب أن تشكل ذكراهم يوماً احتفالياً بل يجب أن تشكل إحياءاً للفكرة وتجديداً للمبادئ الستة والتي على رأسها القضاء على الاستعمار حتى نتمكن من تخليد القائد والزعيم " جمال عبد الناصر " ونعيد فلسطين للواجهة كما أعادها وجعل منها القضية الأولي على المستوي العربي ، ونعيد إحياء المشروع القومي العربي من جديد وإنبعاثه من تحت ركام المؤامرة التي تعيشها منطقتنا والهجمة التي تشن ضد الفكرة القومية العربية . ستة وخمسون شمعة من شموع ثورة 23 يوليو المجيدة ونحن لا زلنا نبحث عمن يجدد الفكرة ويقود الأمة لتحقيق ثورة شاملة ترفع مبادئ التحرر والديمقراطية والعدالة والنهضة ، وتعيدنا لدائرة الانتصار والتعالي على جراحنا . ورغم كل هذه الهزائم التي نتعرض لها إلا أن ثورة 23 يوليو وروح زعيمها " جمال عبد الناصر " لا زالت تبعث فينا الأمل وتجدد لنا اشراقة المستقبل . من هذه المسؤولية لم أشاء أن أكتب عن ثورة 23 يوليو وعن قائدها الزعيم جمال عبد الناصر لأننا لا زلنا أضعف وأوهن من حمل الأمانة التي تركها لنا والإرث الذي أورثنا إياه ، الأضعف في الوفاء لثورة وقائد لا زال حياً منتصباً أمامنا بصوته الجهوري ، وحبه لهذه الأمة .