صحيح أن تعديل الدستور شكل منذ سنوات مطلبا حزبيا أو جمعويا، صريحا أو محتشما، لكن لم يحدث أبدا أن تحول "أي مطلب لتعديل الدستور لأي جهة كانت " إلى موضوع حوار مجتمعي، بل السائد هو المذكرات المطلبية التي ترفع "سرا" إلى ملك البلاد، دون أي اعتبار للشعب الذي من المفروض ان تكون له الكلمة الأولى والأخيرة، بشأن أي تعديل محتمل للدستور ".طبعا الدولة تتحمل مسؤولية كبيرة في تكريس مثل هذه الممارسات، بفعل تحكمها في قنوات الاتصال والحوار وضبطها ، بل وتوجيهها أحيانا للإطارات السياسية والمدنية، لكن ذلك لا يبرئ هذه التنظيمات من تحمل مسؤولية شرعنة هذا الواقع. ويمكن القول أن حركة 20 فبراير شكلت بداية حوار مجتمعي، يقوده الشباب وتنخرط فيه كل فعاليات المجتمع المؤمنة والملتزمة بالتغيير، لكن للأسف الشديد أن هذا الحوار لم يتطور ويتحول ليشكل إطارا عاما لتبلور مقترحات تهم مراجعة الدستور أو صياغة دستور جديد بمنهجية جديدة، فإذا استثنينا اتفاق مكونات حركة"20 فبراير" على شعارات "التغيير" و"الملكية البرلمانية" و"إسقاط الفساد" وغيرها من الشعارات العامة التي شكلت لعقود طويل مطلب جزء من الطبقة السياسية والمدنية، فلم تنجح الحركة في خلق حوار عمومي والتوافق حول مطالب واضحة، يلتف حولها كل دعاة للتغيير، فالمؤكد أنه خلف واجهة "20 فبراير"، نجد لكل حركته وتصوره للحاضر والمستقبل. ويعود هذا الإخفاق إلى أن غالبية الشباب، الذين احتلوا واجهة المشهد الإعلامي، يفتقرون لتجربة كافية ولعمق فكري وسياسي، يسمح لهم بالقيادة الفعلية والميدانية، فربما باستثناء أنهم "قادة افتراضيين" e-leadres بحكم تمكن غالبيتهم من تقنيات الإعلام والاتصال وتوظيفهم الفعال والمكثف للفيسبوك، فالمؤكد أنهم تنازلوا في الواقع عن القيادة لفائدة تنظيمات مدنية وسياسية، هي التي شكلت "المحرك الفعلي" لحركة "20 فبراير".. فوزي بوخريص وتجدر الإشارة إلى أن أي حوار مجتمعي حول الدستور لن ينطلق من فراغ، ولا حتى من تجربتنا المجتمعية وحدها رغم غناها وتفردها، وإنما لا بد من الانفتاح على التجارب الدولية، فمثل هذا الحوار العمومي حول هذه الوثيقة المرجعية، سيكون أكثر ثراء إذا تسلح المشاركون فيه بخبرة مستمدة من النصوص الدستورية المنتجة في مختلف مجتمعات العالم، خصوصا من التجارب المتقدمة، والتي أثبتت صلاحيتها على أرض الواقع. وكما هو معلوم فالدستور ليس مجرد وثيقة قانونية توضح نظام الحكم وتنظم العلاقات بين السلطات، وإنما هو وثيقة اجتماعية وثقافية وسياسية تعبر عن حالة المجتمع ومزاجه وتوجهاته القيمية في مرحلة تاريخية معينة ،ومن ثمة فهو يعكس خبرة المجتمع وتاريخه والقضايا التي أثرت في تطوره.والدستور ليس نصا جامدا بل هو نص متغير بتغير الظروف التي يمر بها المجتمع ، وبتغير موازين القوى فيه.كما أن الدستور، بقدر ما يجيب على انشغالات الحاضر، يستشرف إشكالات المستقبل... وتتمثل الاستفادة من دساتير العالم ، في التعرف على ما هو مشترك في كل الدساتير من قيم ومثل إنسانية عليا، وما هو فريد يرتبط بثقافة وطن معين وظروفه الاجتماعية والثقافية والتاريخية.كما تكمن الاستفادة كذلك في التعرف والاستئناس بأشكال الصياغات القانونية للدساتير، واستلهامها، الأمر الذي يسمح بالمشاركة بفاعلية في الحوار الوطني حول الدستور. وما أحوجنا اليوم إلى الاطلاع على دساتير العالم ، ونحن نصوغ دستورنا الذي يجب أن يعبر عن تفردنا في صورته الإيجابية، ضدا على منطق "الاستثناء المغربي" المطلق. و ما أحوجنا للحظة تعلم جماعي، من أجل البناء المشترك لمستقبلنا، الذي يبدأ بمراجعة تشاركية لأسمى قانون في البلاد.